في تلك الصالات الأنيقة المشعّة بسحر عالم "الفن السابع"، أفيشات باهرة تتوزّع على جدرانها. تخترق ليل المدينة القاتم أنواراً وسحراً، تبشّرنا بعروض أولى لأضخم إنتاجات السينما العالمية وأحدثها. فمَن قال إنّ لبنان تخلّى عن دوره؟ هو "سينما الشرق الأوسط" منذ ذهبِ أيامه، وما زال كذلك في أشدّها قتامة. تحدّى حرباً أُقحم بها، ويبشّرنا بموسم سينمائي ميلادي حافل... هي السينما في لبنان صامدة تقاوم، وعشّاقها على عشقهم، يتلهّفون لمواعيدها... وأي سحر يوازي سحرها؟
اكتَوَت البلاد بنيران حرب عبثيّة، لكنّ السينما في لبنان تتحدّى بأحدث وأضخم الأفلام، وأكثر من ذلك. يفاجئنا مدير التوزيع والتسويق في "غراند سينما" آيزاك فهد، مؤكداً لـ "نداء الوطن" أنّ "السينما "ماشية"، وأبواب الصالات، حتى خلال الحرب، كانت مفتوحة في المناطق التي كانت الأوضاع الأمنية فيها تتيح ذلك، وكانت العروض سارية، لكنّ الإقبال بقي خفيفاً لم يتخطَّ 10% من النسبة المطلوبة. فالصالات فقدت 90% من روّادها مع إقفالها في مناطق الأطراف، لكنّ الأكيد أنّ السينما في لبنان لم تفقد الحياة. والإقبال الذي تشهده الصالات في أيام "الويك أند"، أكان في الأشرفية وصولاً إلى ضبيّة وحتى أنفة شمالاً فزحلة بقاعاً، يعكس تأهّب اللبنانيين، وضمنهم عدد كبير من النازحين، لملاقاة كلّ ما يتوهّج فرحاً وحبّاً للحياة، متى وأينما توافر، وهذا ما أنقذ قطاع السينما والكثير من القطاعات السياحية".
نسبق أميركا بالعروض الأولى
ومع استعدادات تلك الصالات اليوم لموسم الأعياد، حيث تطلق باقة كبيرة من أضخم وأحدث الإنتاجات العالمية تجتذب تهافتاً وحجوزات، يتوقعها آيزاك فهد أكبر هذه السنة بفعل عطش اللبنانيين لفسحات الفرح، وأيضاً لضخامة الأفلام التي ستُعرض. ويؤكّد أنّ الحرب لم ولن تؤثّر مطلقاً في نوعية الأفلام المعروضة، فـ "لبنان كان وسيبقى "سينما الشرق الأوسط"، وما زال يستقطب العروض الأولى لأحدث الإنتاجات السينمائية. لا بل أكثر من ذلك... لبنان يسبق أميركا بالعروض الأولى للأفلام بيوم واحد. فالصالات الأميركية درجت على طرح الأفلام الجديدة يوم الجمعة، فيما تُطرح في لبنان يوم الخميس". لكن مع ذلك ثمة مشكلة كبيرة...
"Gladiator 2" ممنوع
يفجّر المخرج والكاتب السينمائي آيزاك فهد غضبه معلناً: "90% من أزمة السينما اليوم في لبنان سببها سياسة حظر ومنع الأفلام"، فهذا القطاع السياحي الذي يضخّ إيرادات كبيرة وتعتاش منه حوالى 300 عائلة، "دولتنا العليّة" بدلاً من تشجيعه ودعمه في أقسى أزماتنا الاقتصادية، ها هي تضربه بيد من حديد مفوّتةً عليه أعلى الإيرادات، عبر "قرارات مجحفة بمنع عرض بعض الأفلام"، وآخرها فيلم الحرب التاريخي الملحمي "Gladiator 2"، الذي كان الرهان كبيراً جدّاً عليه أن "يولّع" صالات السينما. فكانت المفاجأة أنّ "الأمن العام" منع عرضه، والحجّة مشاركة ممثلين يهود فيه. والخوف الكبير أن ينسحب ذلك أيضاً على فيلم "ديزني" "Mufasa: The Lion King" المتوقّع أن "يكسّر الدني".
مقاطعة إسرائيل بالسينما فقط!
"نحن حتماً ضد إسرائيل"، يستطرد السينمائي الشاب. ويسأل "لكن لماذا نقاطع من خلال الأفلام السينمائيّة فقط؟ إن أردنا المقاطعة، وهي حتماً سلاح فعّال، فلنقاطع كلّ المنتجات اليهودية، وهي لا تُحصى في لبنان، فإمّا نقاطع كلّ شيء أو لا شيء. لماذا المقاطعة سينمائيّاً فحسب، يتملّكني الفضول لأعرف الجواب".
وثمة سؤال ثانٍ وأهمّ يطرحه آيزاك فهد: "لماذا نمنع عرض الفيلم في الصالات فيما نسمح بعرضه عبر "Netflix" وكلّ المنصات الإلكترونية؟ خصوصاً أنّ قرار المنع يشكّل أكبر دعاية للأفلام الممنوعة ويدفع الجميع لمشاهدتها عبر منصاتٍ أخرى. فأين العبرة من ذلك؟".
مشوار السينما الأقل كلفة
ونسأل عن الأسعار، هل "فرملت" حركة السينما؟ يجيب "ما نلاحظه أنّ اللبنانيين تأقلموا مع ارتفاع الأسعار. وفي الواقع أسعار بطاقة السينما تراجعت نسبياً. كانت 10 دولارات وانخفضت إلى 7، ولعلّ مشوار السينما هو الأقل كلفة هذه الأيام".
لكن، من هم روّاد السينما اليوم؟
يجيب آيزاك فهد حاسماً: "كلّ من يحبّها. كلّ من في جيبه 7 دولارات سيأتي إلى السينما... لا شيء يقف بوجه حبّ اللبناني للسينما. هي له "الضهرة" الحلوة والعالم الساحر، لذلك لا خوف على السينما في لبنان، المهم ألا يقطعوا أرزاقنا بمنع غير مبرّر لإنتاجات كبيرة تنهض بالقطاع السينمائي، صدّقوني السينما ستعود و "تفوّل" بعشّاقها".
حظر الأفلام وقرصنتها مفاعليها كالحروب يؤكد آيزاك فهد أنّ حظر بعض الأفلام، فضلاً عن قرصنتها، يمكن أن يؤدّيا فعلاً إلى ما عجزت عنه الحروب في لبنان، بإقفال صالات سينمائية. نسأله كيف؟ فيشرح: "المشكلة أنّ الأفلام الممنوعة، تكون غالباً من الإنتاجات الضخمة التي نعوّل كثيراً على إيراداتها القوية، ونحن بأمسّ الحاجة إليها للنهوض بأوضاع السينما، ما يعوّض خسائر الصالات التي أُقفلت في المناطق التي طالها القصف خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان أو القريبة منها، فيما استمرّت إداراتها بدفع رواتب الموظفين". |