ريتا ابراهيم فريد

ماريو عبود: رفعنا الصوت لنحذّر والشتيمة ليست من شيمنا

28 آذار 2020

05 : 00

لا تزال أصداء المقدّمة النارية التي ألقاها الإعلامي ماريو عبود في نشرة أخبار "المؤسسة اللبنانية للإرسال" منذ حوالى أسبوعين عالية جداً حتى الساعة، لا سيّما عبارة "بلا مخّ" التي تصدّرت مواقع التواصل الإجتماعي. وتراوحت التعليقات بين الاعتراضات الشديدة على اللغة القاسية التي توجّهت بها القناة الى المشاهدين، وبين من اعتبر هذا الأسلوب ضرورياً أمام حجم الخطر الذي نواجهه، والذي لا يزال البعض يتعاملون معه باستهتار. "نداء الوطن" تواصلت مع الإعلامي ماريو عبود الذي تحدّث بكلّ شفافية وهدوء، مشدّداً على أنّ هذا الإسلوب التأنيبي التوعوي أتى من منطلق محبّة وليس من منطلق فوقيّة.

هل أنت موافق على مضمون المقدّمة التي قمت بقراءتها، وهل ترى أنه كان من الضروري استخدام تعابير قاسية وصادمة لحثّ الناس على ملازمة منازلهم؟

بداية أودّ أن أتوجّه الى الذين اعتبروا أننا خاطبناهم بشكل قاسٍ، أو تسبّبنا لهم بالأذية أو ظلمناهم، وأقول لهم عملياً "سامحونا، فالشتيمة ليست من شيمنا".


أنا مُقتنع بشكل كامل بالمقدّمة التي قرأتها. ولو لم أكن مقتنعاً، وبحكم الصداقة والمحبة التي تجمعني بالأستاذ جان فغالي، كنتُ تمنّيتُ عليه أن يغيّر تعبيراً ما في المقدمة، وهذه الأمور تحدث أحياناً حين أكون غير موافق على نقطة ما.
أنا مقتنع كليّاً بما ورد لأن المَشاهد التي رأيناها على الشاشات وعلى مواقع التواصل الإجتماعي في أكثر من منطقة لبنانية، فرضت علينا أن نرفع الصوت ونتوجّه بشكل قاسٍ، ليس من منطلق الوعظ أو إدّعاء المعرفة أو الفوقية لا سمح الله، إنّما من منطلق محبّة، ومن منطلق الإحصاءات التي تردنا والتي تظهر لنا الى أين يمكن أن نصل لو لم ننتبه.

وإذا نظرنا الى أمثلة تعتبر كدلائل، مثل ايطاليا ونيويورك وأوروبا بشكل عام، يمكن عندها أن نعرف لماذا أتت هذه الصرخة في تلك الليلة. وأشدّد على أنّ هذا النوع من الكلام صدر على قدر المحبة وعلى قدر حرصنا على أهلنا وأهل بلدنا.



الى جانب المواطنين الذين خرجوا للتسليـــــة واللهو. هناك قسم آخر مضطرّ للخروج اليوم من منزله بهدف تأميــــن لقمة العيش. لهذه الفئة من الناس ماذا تقول؟

هذه الفئة المجبرة على الخروج لتأمين لقمة العيش، من بينهم إخوة وأصدقاء لنا، لا يمكن إلاّ أن نقول لهم "الله يعينكم والله يساعدكم". ونأمل أن تندفع الحكومة الى اتخاذ إجراءات سريعة كي تؤمّن لهم مقوّمات الصمود داخل المنزل. فنحن لا نريد أن نصل الى مرحلة يموت فيها الناس من الجوع داخل منازلهم بدلاً من الموت بالكورونا، فهذا الأمر لا يجوز. سمعنا أن الدولة أقرّت مبلغ 18 مليار ليرة للعائلات الأكثر فقراً، وهذه خطوة مشكورة، لكن يجب تنفيذها في أسرع وقت ممكن. أعود وأؤكّد أن الكلام في تلك المقدمة لم يكن موجّهاً لهم، إنّما للأشخاص الذين لم يصدّقوا فعلاً مدى سرعة انتشار عدوى الكورونا وما هي عواقبها على المجتمع. المقدمة كانت موجّهة للناس الذين خرجوا من منازلهم لأسباب تافهة، أو للإستمتاع بالطقس الجميل مستهترين بخطورة هذا الفيروس.



*في مقدّمة ثانية، توجّهت للناس بكلام عاطفي داعياً إياهم للتفكير بأحبّائهم وبكبار السنّ. إعلامياً، برأيك أيّ أسلوب يترك تأثيراً أكبر في هذه الظروف؟هذه المقدّمة أتت في إطار ما يسمّى في مجال الإعلام بـ"الحملة التوعويّة". ونبّهنا فيها من إمكانية التسبّب بالأذية للأحباء. وحذّرنا أيضاً من إحتمال الوصول الى مرحلة لا نجد فيها سريراً في مستشفى، حيث قد يخيّركم الأطباء بين إنعاش والدكم الكبير في السنّ، أو إنعاش شخص أصغر سناً حيث تكون نسبة تجاوبه مع العلاج أعلى. وقد حصل ذلك في إيطاليا، حيث قام كاهن عمره 72 عاماً بنزع جهاز التنفس الإصطناعي، وأعطاه لشخص بعمر العشرين. قلنا إن هذا الأمر ليس من نسج الخيال ويمكن أن يحدث في لبنان.

وعندما لم يتجاوب قسم من الناس مع هذه الحملة، أجبرنا على التوجّه إليهم بأسلوب مختلف وهو الأسلوب القاسي والذي تضمّن تعابير "بلا مخّ" و "تسيرون كالقطعان". نحن أُخذنا الى اللغة الأقسى مكرهين ليشعر الناس بخطورة الوضع.

ما رأيك بالرسالة التي وجّهتها الزميلة غريسيا أنطون، لا سيما وأنك كنت موجوداً على البلاتو حينها.

الزميلة غريسيا أعطت مثلاً حيّاً وصادقاً. وشرحت للناس أنّها مجبرة على الخروج من المنزل والإختلاط من أجل متابعة عملها. وفي الوقت نفسه والدها الذي يبلغ من العمر 60 عاماً ويعاني من مشاكل في القلب موجود في المنزل وهي خائفة من أن تنقل له الفيروس في حال التقطته لا سمح الله. وأنا أستطيع أن أجزم أن غريسيا لم تكن تمثّل أبداً، إنّما كانت تبكي قبل ظهورها مباشرة على الهواء، لأنّها كانت تعلم أنّها تقول كلاماً بغاية الصدق ومن منطلق خوفها على والدها، وفي الوقت نفسه تريد أن تساهم في توعية الناس.

زميلك الإعلامي طوني خليفة ذهب أبعد من ذلك وقال للناس "انقبروا انضبوا بالبيت تـ ما تنقبروا وتقبرونا كلنا تحت التراب". ما رأيك بكلامه؟

ربّما قال طوني هذا الكلام من قهره. فلا يجب أن ننسى أن أحد أقاربه أصيب بالفيروس وقامت العائلة بأكملها بحجر نفسها. وفي الوقت نفسه واجه كلاماً لا يحتمل على مواقع التواصل الإجتماعي. صحيح أننا إعلاميون، لكننا في النهاية بشر. وقد يكون طوني قد تأثّر بهذا الأمر وصدر عنه الكلام بشكل إنفعالي. فأنا أعرف طوني وأعرف طيبته، وأؤكّد أنه لا يمكن أن يكون قد تقصّد إهانة الناس لا سمح الله. طوني شعر بالجرح، ولم يكن يريده أن ينتقل الى شخص آخر. لكن لو كنت أنا مكانه لما كنتُ استخدمتُ عبارة "انقبروا انضبّوا". لكن لا يمكنني أن ألوم طوني لأنّه استعمل هذه العبارة، فكما يقول المثل "الجمرة ما بتكوي إلا محلها".

ما رأيك بأداء "المؤسسة اللبنانية للإرسال" وبأداء القنوات الأخرى لناحية التوعية؟

كلّ المحطات اللبنانية تقوم بواجبها على أكمل وجه و"ما عم تقصّر". وكلّها مدركة لمدى خطورة الموضوع. وأعتقد أنّ التنسيق بين هذه المحطات جرى مع بداية الأزمة لإستلام زمام الأمور والتحضير لحملة توعوية للناس. قد تكون الـ LBCI ذهبت أبعد، حيث أنّها خصّصت كلّ برامجها لموضوع الكورونا وهذا يعود الى سياسة المحطة. وأنا شخصياً في هذا الظرف ونظراّ الى خطورة الوضع أؤيّد هذا القرار، وأؤيّد أن يكون موضوع الكورونا الذي شلّ الكرة الأرضية هو البند الأوّل والوحيد على المحطّة.



حملة التبرعات التي أطلقتها شاشة الـMTV قوبلت بإشادات كبيرة مقابل انتقادات أكبر. ما تقييمك لها؟

أنا لديّ منطقي الخاص الذي قد يرضي الناس وقد لا يرضيهم، وفي هذا الموضوع أنا دقيق. إذا كنت أعلم أن هذا الشخص سارق، لكنه في مكان ما قام بعمل خيري وتبرّع، لا يمكن أن أرفض العمل الخيري لأنّ الشخص سارق. العمل الخيري هو عمل خيري، ووقت المحاسبة عن السرقة هو وقت محاسبة عن السرقة. فلنعطِ كلّ موضوع حيثياته وحقّه.

إذا كان الشعب يعتبر بعض السياسيين أو بعض أصحاب المصارف قد سرقوا أمواله، فالآن ليس الوقت المناسب لمناقشة هذا الموضوع. موضوع النقاش اليوم هو أن هؤلاء تبرّعوا من أجل المساعدة في حملة مكافحة كورونا، وهذا العمل يُسجّل في الخانة الجيّدة. لكن هل هؤلاء الأشخاص تبرّعوا من أجل تلميع صورتهم أو تبييض صفحتهم؟ هم أحرار، ويستطيعون أن يفكروا بهذه الطريقة. لكن أنا كمواطن، تكون محاسبتي لهم في ما بعد وحيث يجب أن أحاسب. أحاسبهم في صندوق الإقتراع وفي ثورة في الشارع.



زميلك هشام حداد قدّم في برنامج "لهون وبس" اسكتشاً طريفاً عن المقدّمة، أشار فيه الى أنه بات يخاف منك ويخيف ابنه بك بدلاً من "أبو كيس"... ما رأيك بالدعابات التي انتشرت عن هذا الموضوع؟

أحببتُ هذه الدعابات ووجدتها طريفة جداً، وقد تلقّفتها بكل رحابة صدر. ولا بدّ من الإشارة الى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي التي ركّبت الدعابات على المقدمة، ساهمت بانتشار أكبر لها، وسمحت بأن تطــال الشريحــــة الأكـــبر من المشاهدين.

للمواطنين الذين لم يقتنعوا بعد بضرورة ملازمة المنزل. في مقابل اضطرار الجيش للنوم على الطرقات لإجبارهم على عدم الخروج. ماذا تقول؟

في الهند رأينا كيف تتعامل القوى الأمنية بعنف مع المواطنين الذين لا يلتزمون البقاء في منازلهم. أنا واثق من وعي الشعب اللبناني ومن المسؤولية الفرديّة اللبنانية، وأتمنى من كلّ قلبي ألا يجبروا القوى الأمنية على أن تصل الى مرحلة تضطرّ فيها الى استخدام القوة من أجل إلزامهم على البقاء في منازلهم.

أنا أتفهم اعتراض البعض على قرار سلطة أو على قرار قوى أمنية إذا كان هذا القرار ظالماً أو جائراً أو مجحفاً في حقّهم. أمّا أن تتمّ مخالفة قرارات السلطة والحكومة والجيش والقوى الأمنية فقط لمجرّد المخالفة، أو بسبب عدم إدراك خطورة الموضوع، فهذا يعتبر تفلّتاً وخروجاً عن الإجراءات ويشكّل جريمة. والإنسان سيدفع ثمن هذه الجريمة، وعلى القوى الأمنية والحكومة أن تحدّد الطريقة.


MISS 3