سناء الجاك

قمّة الديموقراطية

31 أيار 2023

02 : 00

لا بدّ من الوقوف احتراماً وإجلالاً لقمة الديموقراطية التي ترشح من طرح مسؤولي «حزب الله» وحركة «أمل» في مسألة الانتخابات الرئاسية. وتتجلى مشارف هذه القمة في إقفال الرئيس نبيه بري مجلس النواب بوجه عقد جلسات انتخاب مفتوحة تؤدي إلى وصول مرشح ما إلى قصر بعبدا، لأنّه لا يحب «الفلكلور» الذي صنعه نوابه ونواب «الحزب» وحلفاؤهما ممن كانوا يفرطون النصاب، مع العلم أنّ بري يؤكد صبحاً وعشية «ضرورة انتخاب رئيس للبلاد، الأمس قبل اليوم أو غداً»، لكنّه يحب اللعبة الحامية مع منافسة حقيقية، بما يتناقض جملة وتفصيلاً مع إصراره على الدعوة المستمرة إلى التوافق بالإرغام لمصلحة مرشح الممانعة سليمان فرنجية، حتى يفتح أبواب البرلمان.

وفي التجليات أيضاً، عرض رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد على اللبنانيين خيارين هما: إمّا الفراغ أو انتخاب مرشح محوره، لأنّه وحده «الحقيقي»، في حين أنّ أي مرشح آخر هو مزور، ويُستخدم فقط للمناورة. ويعتبر رعد أنّ ذروة التزوير ومخالفة الدستور تكمن في طرح اسم بديل صادر عن «الذين يتلقون التعليمات الخارجية ويملكون الوقاحة اللازمة للتصريح علناً برفضهم وصول مرشح للممانعة، في مقابل رضاهم بوصول ممثل الخضوع والاذعان والاستسلام!».

وكلنا نعرف خبرة «الحزب» بـ»التزوير» على أصوله. بالطبع، يحق لأصحاب الخبرة ما لا يحق لغيرهم، وعلى ما ورد في أغنية مسلسل «الهيبة» أن «أكتر ناس عرفوا الصح هني اللي عملوا غلط».

لذا ومن موقع الخبير يدعو رعد الفريق الآخر إلى «التوقف عن هدر الوقت واطالة زمن الاستحقاق». وكذلك يفعل نائب الأمين العام لـ»الحزب» نعيم قاسم.

أما مجرد التفكير بتوحيد المواقف ضد المرشح الذي لا يمكن التنازل عنه، بوصفه الحقيقي والشرعي والطبيعي، حتى لو كان البديل ممن يؤدون فروض الطاعة ويلتمسون البركة ويتعهدون بأنّ وظيفتهم كرؤساء تقتصر على الجانب الاقتصادي وانهاء الأزمات المالية والمعيشية، ومن دون طرح تغيير صيغة المنظومة، وحتى من دون مواجهة، ومع طلب الود والرضا، فهو ممنوع. ذلك أنّ المسموح لا يتجاوز العرض المحدود باستكمال انتهاك أمان الشعب والإطاحة بأمله في العيش في وطن طبيعي، بمشاركة أوغاد المنظومة السياسية بالتكافل والتضامن... مع السماح فقط لبعض التراشق الودي بالاتهامات والمسؤوليات وفق متطلبات الشعبوية وإذكاء قرف الغرائزية الطائفية وشد العصب.

وليس مهماً أنّ استخدام لفظة «المقاومة» بات يعكس قمة الخواء مع مهرجانات «التحرير»، مع أنّ لا أحد من اللبنانيين يشعر بالأمان لوجود هذه «المقاومة» وسلاحها، اللهم إلا من يستقوي بها ليخالف القانون من ناهبي المال العام. فهذه الكلمة لا وظيفة لها إلا مصادرة السيادة بعدما أُفرغت من كل المعاني الممكن أن تحتويها. ولم تعد إلا قناعاً لفظياً لتمويه سلوك ينتهج التطرف الحاد، كما هي الديكتاتوريات التي لا تغادر مرحلة التوجس من انحسارها، لذا لا تتورع عن البطش وجر اللبنانيين إلى انتحار جماعي.

ومن هنا تشرقط الديموقراطية مع الإصرار، وبلغة التهديد والوعيد والاستعلاء، في سبيل تعيين رئيس وليس انتخابه. فالممثل الشرعي للمحور لا يفوض، ويفرض على الجميع الالتزام بما كُتِبَ، كأنّ هناك تعميماً يوزَّع عليهم. والويل للاعتماد على المنطق والجرأة لرفض الانسياق والاستسلام لثقافة القطيع.

ولعلّ هذا ما يترجمه الخوف من تأليف جبهة معارضة، هي ستكون قطعاً ضد «الحزب» ومرشحه. فإذا حصل التوافق بين النواب غير الممانعين مع مراعاة المحور وتجنب سمة التحدي، حينها لا بد من إخراس الأصوات، وبما يضمن صياغة الاستحقاق كما كتِب له أن يكون ليثبت دعائم الهيمنة.

وانعموا بقمّة الديموقراطية!!


MISS 3