مجيد مطر

لأنّها رئاسة الجمهورية

3 حزيران 2023

02 : 00

الوصاية السورية التي لُزِّمَ إليها إدارة الملف اللبناني في ظل فترة انتقالية دولية حاسمة، نتجت عن انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي والغزو العراقي للكويت، استطاعت تخبئة أهمية موقع رئاسة الجمهورية في لبنان بفعل السلاسة التي حكمت جميع الاستحقاقات الرئاسية التي حصلت قبل انسحابها من هذا البلد.

فبدا ذلك الموقع من باب تحصيل الحاصل، الأمر الذي خلق جملةً من الاقتناعات لدى الكثيرين، بأنّ اتفاق «الطائف» قد جعل من ذلك الموقع الدستوري منصباً شرفياً، يحدد أهميته وتأثيره تقاربُ المصالح وتباعدها، لا كما هو منصوص عنه في الدستور الذي جعل من رئيس الجمهورية رأس الدولة، ورمز وحدة البلاد، والحكم بين جميع اللبنانيين.

وقد زاد من تلك الاقتناعات الخاطئة والمضللة، الكلام الأُمي الذي كان يستخدمه تيارٌ سياسي معروفٌ، كان يحاجج من خلاله بأنّ موقع الرئاسة هو ضحية اتفاق الطائف، لذا فقد وجّه جميع قدراته التحريضية صوب «الحريرية السياسية»، متجاوزاً حقيقة أنّ الوصاية السورية كانت هي الحاكمة والمتحكمة، وقد استخدمت الجميع ضد الجميع لتكريس هيمنتها على لبنان. فلا قول بعد قولها، ولا فعل بعد فعلها.

والدليل على ذلك، انفجار صراع الاجنحة داخل النظام السوري بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد، ووصول ابنه بشار الأسد الى السلطة، حيث هيمن على المشهد اللبناني الجناح المتشدد الذي كان يعادي رموز الحكم في لبنان وفي مقدمهم الشهيد رفيق الحريري، الذي دفع الاثمان السياسية في الحقبة اللحودية بغطاء سوري واضح، لحين وقوع جريمة اغتياله.

ما يؤكد أنّ الثوابت التي حكمت انتاج الرئاسة والرئيس في لبنان هي ثوابت سورية، ورثها «حزب الله» في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان بفعل فائض القوة، وتعايش دولي مصلحي مع الدور الإيراني في المنطقة العربية، تحديداً في زمن سياسة الرئيس باراك اوباما الرعناء.

وتلك الثوابت ليست عصية على الفهم، بل شديدة الوضوح، وتقول حقيقة ساطعةً ومفادها: إنّ رئاسة الجمهورية في لبنان لا تزال الموقع الأكثر تأثيراً في السياسة اللبنانية، وأكثر من يفهم أهميتها، «الحزب» نفسه، وهو يتعامل معها على أنّها ليست تفصيلاً بسيطاً، بل هو يخوض من أجل ضمان وصول الرئيس الذي يطمئن إليه، أُمَّ المعارك السياسية، ليس التعطيل أحد أدواتها الحصرية.

لا ضرورة للتأكيد على أن «الحزب» الممانع يدرك جيداً أنه لا يمكنه الاستمرار في لعب دوره الإقليمي من دون رئيس جمهورية حليف له، يطمئن إليه ويثق به. ولا يرى له سوى وظيفة حصرية: حماية ظهر المقاومة، وهذه الحماية تعني في ما تعنيه تغطية «الحزب» في نشاطه الخارجي، وترك الحرية له في تقدير ما يناسبه في ذلك.

بشكل أعم، ففي مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، دلّت التجارب على أنّه بالإمكان تدارك الشطط الذي قد يقع به رئيس الحكومة أو وزير ما، نتيجة موقف سياسي يثير حفيظة دولة أجنبية أو عربية، إنما يصعب تدارك الأمر في حال صدر عن رئيس الجمهورية، نظراً لموقعه المركزي، كرأس الدولة الذي يعبر عنها في المحافل العربية والدولية.

وهذا ما حصل في عهد الرئيس السابق ميشال عون، حيث بدا في سياسته الخارجية أقرب إلى سياسة إقليمية معينة يعبر عنها «حلف الممانعة»، وتناقضُ المصالح العربية وتهدد امنها القومي، فشهد لبنان في عهده عزلةً عربية قاسية، وشبه مقاطعة على الصعد كافة، من دون أن تصل إلى حصار فعلي، ومن أهم نتائجها الداخلية انكفاء سعد الحريري عن العمل السياسي المباشر.

التعطيل اليوم ليس طائفياً، إنما سياسيٌ بامتياز، وإن اختلفت منطلقاته بين المعطلين، إنما يبقى تعطيلاً يصبُ في مجرى التموضعات الإقليمية، التي تؤكد أنّ المواجهة مديدة ومستمرة. إنّ التحكم في الشأن اللبناني حاجة ملحة لذلك الحلف الممانع، وتحقيقها يبدأ من رئاسة الجمهورية في لبنان.


MISS 3