جاد حداد

Messiah... التخبّط سيّد الموقف!

31 آذار 2020

04 : 40

يبدو مسلسل Messiah الجديد على شبكة "نتفلكس" مبهراً من جهة ومخيّباً للآمال من جهة أخرى. هو يثبت أن العالم ليس مستعداً لمشاهدة تتمّة لقصة يعرفها ملايين الناس أصلاً. سنتعرف على "المسيح"، رجل من سوريا يستطيع اجتراح المعجزات ويتكلم بأسلوب لامع أمام آلاف الناس.

لكنه قد يكون مجرّد مخادع! بغض النظر عن هويته الحقيقية، لا شك في أن ظهور "مسيح" بلحمه ودمه سيجلب السلام والفوضى معاً. إنها فكرة جاذبة لتقديم أي عمل مشوّق (مارك بيرنيت وروما داوني المتديّنان شاركا في إنتاج العمل)، لكن ينجح المسلسل فعلياً في التشكيك ببعض الأفكار الشائعة بدل أن يقدّم حججاً مقنعة للكشف عن هوية هذا الرجل وغايته وقدراته. يرتكز Messiah على أسلوب سردي ميلودرامي وفائض من الشخصيات الجانبية التي تجعل القصة تنحرف عن مسارها الأصلي، لذا يفتقر إلى الأفكار المبتكرة حين ينتهي من عرض أجواء لم نشاهدها سابقاً.

مايكل بيتروني هو صاحب فكرة المسلسل الذي يبدو واعداً في بدايته ويجعلنا نتخيل تطور الأحداث اللاحقة تدريجاً. من أين يأتي هذا "المسيح" وكيف يستطيع جمع أتباعه؟ في هذا العمل، يظهر "المسيح" في دمشق، ثم يقود جماعة من السوريين الفلسطينيين إلى حدود إسرائيل بعد إلقاء عظة خلال عاصفة رملية ضخمة. سرعان ما يصبح هذا الشخص الغامض المعروف باسم "المسيح" (مهدي الدهبي) تحت مجهر السلطات الإسرائيلية التي لا تجيد التعامل معه ولا مع اللاجئين الجدد الذين تركهم وراءه في الصحراء من دون أي تعليمات. يخضع "المسيح" للاستجواب على يد رجل في الجيش الإسرائيلي اسمه "أفيرام" (تومير سيسلي) (يلاحقه حتى الآن شبح صبي صغير قتله في الماضي).

"أفيرام" هو واحد من كثيرين يتواصل معهم "المسيح" ويتحداهم، لا سيما في المشاهد اللافتة التي يتكلم فيها الناس مع ذواتهم ويتساءلون عن إمكانية تصديقه. يحمل المسلسل طابعاً عالمياً بشكل عام، لكنه يتمحور فعلياً حول ما يمكن أن يحصل إذا ظهر هذا "المسيح" في الولايات المتحدة. يؤدي جون أورتيز دور القس "فيليكس" في بلدة "ديلي" الصغيرة في تكساس، فيتجدد إيمانه المتلاشي بفضل تجربته الخاصة مع "المسيح"، إذ تظهر هذه الشخصية فجأةً في بلدته خلال إعصار وتنقذ حياة ابنته "ريبيكا" (ستيفانيا لافي أوين). وحين يشهد "فيليكس" اليائس سابقاً والمتفائل حاضراً على معجزة أخرى يجترحها "المسيح"، يطرح نفسه كرسول له وسرعان ما يشعر بأنه مسؤول عن حمايته حين يُعتقَل بسبب دخوله البلد بطريقة غير قانونية.





يتولى جيمس ماكتيج إخراج النصف الأول من المسلسل وكأنه كان يعمل على مشروع آخر من نوع الخيال العلمي. يبدو أداؤه هذه المرة أكثر توازناً من الفيلم الذي اشتهر به V for Vendetta، لكنه يرتكز على رغبة مشابهة في تقديم حدث قادر على تغيير وجه العالم. حين يتوقف عن الإخراج (بحلول الحلقة السادسة ثم يعود لإخراج الحلقتين التاسعة والعاشرة)، سندرك أن اختياره يهدف في الأساس إلى تقديم أكثر المشاهد إثارة للاهتمام (الخِدَع السحرية، الإنجازات الثقافية التي يحققها "المسيح"، حضوره الغامض...).

لكن ينحدر مستوى المسلسل في الحلقة السادسة، مع أنه يحتاج إلى أعلى درجات الزخم خلال هذه الحلقات بالذات. في هذه المقاطع، تضعف قيمة النصوص الفرعية وتتخذ منحىً سطحياً، وتُحوّل الشخصيات الجانبية المفرطة تركيز الفيلم عن موضوعه الأساسي فتصبح مدة الحلقات العشر من الموسم الأول عبئاً ثقيلاً. يخسر المسلسل قيمته بسبب المحاور الميلودرامية المرتبطة بالشخصيات التي تتعامل مع مشاكلها الخاصة، على غرار امرأة تريد من "المسيح" أن يشفي ابنتها المريضة بأي ثمن، أو شخص آخر يحاول تجربة "المسيح" لإبعاده عن المسار الصحيح لكنه ينهزم أمام قوة تحمّله. تَقِلّ المحاور التي ترتبط بالخط السردي الخاص بقصة "المسيح"، ما ينتج إيقاعاً عاماً مملاً في قصة تزداد قوة حين تصبّ تركيزها على المحور الأصلي (القصة مناسبة لإنتاج فيلم مدهش مدّته ساعتان). وحتى الفكرة التي كان يُفترض الاستناد إليها في الموسم الثاني قبل إلغائه، عن شاب فلسطيني اسمه "جبريل" (سيد العلمي)، تبدو واضحة ومضجرة لدرجة أن تعطي طابعاً ثقيلاً إضافياً لكل حلقة.


لا تعاني شخصية "المسيح" وحدها من ضياع القصة. تجسّد ميشيل موناغان شخصية تبدو مدهشة في المرحلة الأولى: هي عميلة متفانية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وتنظر إلى "المسيح" بعين الشبهة منذ البداية. لكن بسبب تخبّط القصة، سرعان ما تصبح مجرّد أداة لاستعراض الأفكار، كما يحصل مثلاً حين تسأل بصوت مرتفع: "من أفضل من "المسيح" لإحداث الفوضى"؟ هي تعمل على اكتشاف الحقيقة في مشاهد أخرى، لكن يتخبط السيناريو بدرجة إضافية في هذه المرحلة ويعرض تفاصيل رتيبة بدل أن يرتفع منسوب التشويق مع تطوّر الأحداث.

تُخصَّص مشاهد طويلة لقصتها الدرامية الخاصة مع والدها (فيليب بايكر هول) وفقدانها لزوجها، ويبدو هذا الخط السردي منفصلاً عن المواضيع المطروحة الأخرى، وكأن هذه العناصر كلها تتصادم في ما بينها لخلق عالم مشترك.

أحياناً، تصبح مشاهدة برنامج تلفزيوني وإنهاء 450 دقيقة من حلقاته مهمّة شاقة بمعنى الكلمة. هذا ما يحصل أيضاً لكل من يقرر أن يتبع "المسيح" في هذا المسلسل، فيقطعون مسافات طويلة مع أنهم ليسوا واثقين من غايته الحقيقية، ومع ذلك يلحقون به إلى الصحراء أو يجلسون معه بصمت.

لا يتمتع كتّاب المسلسل بدرجة كافية من السلاسة. هم يستطيعون جذب انتباه المشاهدين عبر الجوانب الغامضة ويؤجّجون آمالهم حول ما ينتظرهم من أحداث، لكن لا مفر من الشعور بخيبة أمل كبرى في النهاية. وحتى الحدث المشوّق الأخير قبل نهاية الموسم بخمس دقائق يبدو غريباً وغير مفهوم ولا يترك الأثر المنشود. باختصار، قد تنجذب إلى المسلسل وطريقته المبتكرة في تجسيد معاني الفوضى الملموسة في البداية، لكنك لن تهتم في نهاية المطاف بمعرفة ما إذا كان هذا "المسيح" صادقاً أو مخادعاً!


MISS 3