باتريسيا جلاد

من القطاعات التي تُسهم في تشكيل النموذج الإقتصادي الجديد للبنان

الصناعة الوطنية تقتنص الفرص... وتتوسّع

5 حزيران 2023

02 : 00

زيادة الإنتاجية والتصدير يخفّضان الكلفة على المصنّع وسوق البلاستيك نموذجاً

الزعنّي: فتح السعودية أبوابها يزيد الصادرات اللبنانية إلى 4.5 مليارات دولار

الرخص الصناعية الجديدة بلغت 138 في 2022 وعدد المصانع إلى ارتفاع



يسعى ماركو قبلان الى توسيع الطاقة الإنتاجية لمصنع البلاستيك الذي يرأس مجلس إدارته بنسبة 35%، وتوظيف الأموال التي يحققها في مزيد من الإستثمارات في البلاد. فهو شريك مؤسس لمؤسسة تصنّع كل ما يتعلق بالبلاستيك من مفروشات للحديقة (كراسٍ وطاولات...) الى مستوعبات للنفايات الى لوازم للمطابخ والمطاعم وصناديق تخزين للمعامل... فالسوق اللبنانية كما أوضح لـ»نداء الوطن» تحتاج الى تلك الصناعات خصوصاً اليوم أكثر من أي وقت مضى مع زيادة الطلب على ابواب موسم سياحة واعد وإنجاز المؤسسات السياحية المقفلة اللمسات الأخيرة لتشريع أبوابها أمام المغترب والسائح وتحديداً المطاعم.


تلبية السوق المحلي



لذلك يعزو قبلان ضرورة زيادة إنتاجية مصنعه، ليصل الى مرحلة يتمكن فيها من تلبية حاجات السوق المحلية بشكل كامل العام المقبل. فكمية الإنتاج السنوية للمعمل والبالغة 4200 طن سنوياً ستصل اليوم الى 6000 طن مع شراء 4 ماكينات جديدة كمرحلة أولى، وأخرى مماثلة في المرحلة الثانية لتحقيق رقم الـ8000 طن. فضلاً عن سعيه الى توسعة معمله القائم على 2500 متر مربع نحو 7 او 8 أضعاف من خلال بناء سيقام على مساحة 21 ألف متر مربع.



أما تمدّد عمله الى الخارج من خلال فتح مستودعات في دبي فهو برأيه «لتوسيع رقعة الصادرات وخرق الأسواق الخليجية والعربية، فزيادة الإنتاجية وتعزيز التصدير يخفّضان كلفة الإنتاج، وبالتالي يصبح سعر المنتج اللبناني بالنوعية العالية والتصميم المعاصر والمميّز للمنتج «أرخص» واكثر منافسة. فمنتجات البلاستيك اللبنانية عموماً دخلت الى الدول الأوروبية كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وقبرص وأميركا وأستراليا والخليج وأفريقيا وأميركا اللاتينية ما يعزّز تدفق العملة الصعبة الى الصناعي اللبناني».



البلاستيك نموذجاً

مصانع البلاستيك الموجودة حالياً والتي انتسب 24 منها الى جمعية الصناعيين خلال الاعوام 2020 و2021 و2022 تكفي نسبة «تتراوح بين 40 و 50% من حاجة السوق المحلية من البلاستيك التي تستوعب نحو 100 مليون دولار، فيما النسبة المتبقية والتي تتراوح بين 50 و 60% يتمّ استيرادها من الخارج، استناداً الى قبلان.



فكلفة المنتوجات المستوردة هي ضعف (أي بنسبة 100%) كلفة الإنتاج المحلّي لا سيما ما يتعلق بالمفروشات البلاستيكية، باعتبار أن تلك السلع المستوردة يترتب عليها رسم جمركي وضريبة على القيمة المضافة، وهذا الأمر زاد الطلب على الإنتاج المحلي في السوق المحلية حتى ان المنتوجات البلاستيكية تلك باتت تنافس صناعات سائر الدول الأوروبية والخليجية والأفريقية.



وفي ما يتعلق بالأسباب التي تجعل من إنتاج البلاستيك المحلي في المصانع المحليّة أقلّ كلفة، يقول قبلان وهو رئيس شركة 3mplast، إنها «تعود الى استيراد المواد الأولية من المملكة العربية السعودية بكلفة شحن منخفضة، ما سهّل دخول منتج البلاستيك اللبناني الى الأسواق الخارجية حتى الأوروبية».



تجهيزات ومعدات



ويعتبر هذا النموذج من بين الصناعيين الذين يوسّعون استثماراتهم في لبنان. تلك المصانع الجديدة التي ترى النور تحتاج الى تجهيزات ومعدات. وجانب من تلك التجهيزات تحصل من قبل مصانع لبنانية أيضاً تسعى الى توسيع عملها ومواكبة التقنيات الحديثة. فهناك مصانع تندرج ضمن قطاع الآلات يتزايد عددها في لبنان، اذ انتسب الى جمعية الصناعيين 9 مصانع آلات خلال الأعوام 2020 و2021 و2022. وبالتالي تبرز الصناعة اللبنانية طاقاتها واستثماراتها حتى بتجهيز المصانع التي توسّع أعمالها محلياً أو تفتح أخرى جديدة.



وميشال صيّاح من خلال مؤسسته للصناعة والتجارة، يبرز من بين الصناعيين والمؤسسات التي تصنّع وتجهّز مصانع بآلات لإدارة محرّكاتها الإنتاجية وخصوصاً في مجال البلاستيك والتغليف كما أوضح في حديث الى «نداء الوطن» الأمر الذي يجعله يوسّع ايضاً إستثماراته في المجال. وأكّد أن المؤسسة قادرة على تجهيز مصنع بالكامل بنسبة 100% من انتاج لبناني».

ويضيف «تجهيز المصانع يتمّ بالتعاون مع شركات أوروبية بعضها متواجد في الصين وذلك للماكينات الضخمة التي لا يمكن تصنيعها بأكملها في لبنان، فنستقدمها من الخارج ونكمل محلياً التوابع مثل القوالب والأتمتة automation (أي تحويل الشيء إلى أوتوماتيكي) والـ»روبوتيك»، وبذلك تنجز عملية التجهيز لمصانع بشكل كامل في لبنان والخارج.



إستخدام الأرباح


أما الأرباح التي يجنيها من عمله، فقسم ضئيل منها يودع في المصرف، وجزء يستعمل لتسديد أجور العمالة وشراء المواد الأولية وتسديد أكلاف المازوت، أما القسم المتبّقي فيستثمره في تصنيع ماكينات صناعية وفق تقنيات حديثة، وتحديث برامج عمله بهدف التطوير والتوسّع.



وكانت الأزمة المالية والإقتصادية التي انطلقت شرارتها علناً في نهاية العام 2019 أدت الى تغيير مسار عمل القطاعات الصناعية في البلاد، ويقول صيّاح «بعد الأزمة زاد الطلب على بعض الصناعات المحلية لا سيما المواد الغذائية ومواد التنظيف، فـ»كبّر» الصناعيون أعمالهم وزادوا إنتاجيتهم لزوم حاجة السوق المحلية، كما توسّعوا نحو الخارج فبنوا المصانع في الدول المجاورة للتمكن من بيع المنتج المحلي والمحافظة على مكانتهم في الأسواق العربية خصوصاً في الدول الخليجية».



نسبة المنتجات المحلية ترتفع


الصناعة كما وصفها رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين سليم الزعني خلال حديثه الى «نداء الوطن»، «برزت كمحرّك للإقتصاد بأكمله منذ بدء الأزمة المالية في البلاد، قبل أن تبدأ البلاد بلملمة نفسها شيئاً فشيئاً مثل القطاع السياحي الذي استعاد نشاطه منذ منتصف العام 2022 ولا يزال يحقق تقدّما والدليل الصيف الواعد الذي نحن مقبلون عليه مع بداية الموسم خلال أيام. مشدّداً على أن الصناعة برهنت منذ بدء الأزمة اللبنانية عن قدرة عالية على التطور والتأقلم بسرعة قياسية خصوصاً بعد جائحة كورونا وبدء رحلة الإنهيار الإقتصادي». والدليل على ذلك تطور عدد التراخيص لبناء مصانع بحسب أرقام وزارة الصناعة والذي ارتفع من 124 رخصة في العام 2021 الى 138 في العام 2022.



فكمية الأصناف التي باتت تصنّع في لبنان بحسب الزعنّي، استبدالاً للمواد المستوردة لا يستهان بها، وتبدو جلية في الإستهلاك المحلي وليس بالتصدير، علماً ان غالبية المنتوجات المعروضة على رفوف السوبرماركات باتت صناعة محليّة، فتضاعفت طبعاً نسبة المنتج اللبناني في السوق المحلية عن فترة ما قبل بدء الأزمة، رغم تقلّص حجم السوق المحلية مع تراجع القدرة الشرائية». مضيفاً أن «أكثر المنتجات حاجة للاستهلاك في السوق الداخلية هي المواد الإستهلاكية، مثل الألبسة ومستحضرات التجميل الـcosmetics والتنظيفات، والصناعات الغذائية».



وبذلك يحلّ المنتج اللبناني شيئاً فشيئاً مكان السلع المستوردة، تزامناً مع تكبير المصانع حجم أعمالها في محاولة لتعزيز عائداتها بالعملة الصعبة من خلال زيادة محفظة صادراتها أيضاً رغم إقفال السوق السعودية أبوابها أمام الصناعات والزراعات اللبنانية منذ عامين وتحقيق خسائر بالقطاع، فضلاً عن وجود صعوبة في التصدير الى مصر التي تعاني من أزمة مالية ومن عدم القدرة على الإستيراد.

رغم ذلك يقول الزعنّي «استطاع الصناعيون المحافظة على صادرات بقيمة 3,8 مليارات دولار بسبب دخول الصناعات اللبنانية الى اسواق جديدة للتعويض عن الخسائر الناجمة عن وقف التصدير الى السعودية ومصر».



إعادة الإستثمار

ودفع هذا الإزدهار الى لجوء المصنعين المقتدرين الى استثمار الأرباح التي يجنونها بعد تسديد مصاريفهم التشغيلية وشراء المواد الأولية، لتكبير مصانعهم وزيادة إنتاجيتهم.


يقول الزعنّي « الصناعي لا يودع أمواله بأكملها في المصارف في الداخل بسبب عدم وجود ثقة بالقطاع ولا في الخارج، بل يستخدم رأسماله بأكمله وهو عبارة عن المواد الأولية والماكينات والمنتوجات والأموال التي يجنيها، لتأمين مستوى إنتاج معين للسوق المحلية، والخارجية من خلال توسيع عمله في دول أخرى في محاولة للوصول الى الأسواق الخليجية، وليتمكن من البقاء ودعم عمله في لبنان».



قطاع واعد

أمام الإنحدار الدراماتيكي في البلاد، وانهماك الكوادر الكفوءة في البحث عن فرص عمل في الخارج منذ بداية الإنهيار المالي والإقتصادي، ها هو الصناعي اللبناني يحوّل ضارة الأزمة الى نافعة له وللاقتصاد المحلي.



وفي السياق يمكن اختصار عوامل عدة دفعت الصناعي اللبناني الى توسيع عمله في لبنان: أولاً، رغبته في استثمار الأموال التي يجنيها في مشاريع في ظلّ انعدام الثقة بالقطاع المصرفي وتحقيق مزيد من الربحية وزيادة مداخيله بالعملة الصعبة، وثانياً، حاجة السوق المحلية الى المنتج اللبناني الأقل كلفة مع زيادة سعر الدولار الجمركي والضريبة على القيمة المضافة على السلع المستوردة، مع الإشارة الى أنه كلما كبّر مصنع عمله ووسّع رقعته كلما جاءت الكلفة الإنتاجية اقلّ .



هذا الواقع التفاؤلي للصناعة المحلية في حمأة الإنهيار، يبشّر بإمكانية شمولية عدد كبير من الصناعات المحلية لحاجة السوق المحلية وبذلك تتقدّم الصناعة الوطنية يوماً بعد يوم على بعض الصناعات المستوردة وتزيد إجمالي الناتج المحلي الذي يعتبر أساس أي اقتصاد متين وضمانة للنمو المستدام. وذلك رغم ان كلفة تشغيل المصانع لناحية المازوت مرتفعة بسبب الاعتماد على المولّدات الخاصة، مقابل كلفة منخفضة لليد العاملة الوطنية في ظلّ الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد ولو أن رواتب القطاع الخاص لم تصل او تتخط نصف الرواتب التي كان يتمّ تقاضيها بالدولار النقدي في العام 2019. 



116 صناعياً جديداً


إنتسب الى جمعية الصناعيين اللبنانيين خلال الأعوام 2020 و2021 و2022، إستناداً الى أرقام الجمعية نحو 116 صناعياً، برز العدد الأكبر منهم في قطاعات الأغذية والبلاستيك والورق والكرتون والطباعة. وتوزّع المنتسبون الجدد على القطاعات التالية:

الغذائية 28، الأدوية 1، بلاستيك 24، أحذية 1، كيمياويات تشمل المنظّفات والدهانات 10، مفروشات 5، ورق وكرتون وطباعة 17، ألبسة 5، معادن 10، آلات 9، مقالع 6. وتوزعت الصناعات على الأقضية كالتالي:

20 في البقاع وبعلبك، 21 في الشوف وعاليه، 2 في الشمال، المتن 35، الجنوب 15، بعبدا 7، كسروان وجبيل 11 وبيروت 5.



ماذا عن السعودية؟

ماذا لو فتحت السعودية أبوابها أمام المنتج اللبناني؟ الفائدة التي ستعود على الصناعيين في ظلّ ما يحكى عن إمكانية عودة السعودية عن قرار حظر استيراد المنتجات اللبنانية والذي ستتأكّد معالمه خلال اللقاء الذي سيعقده وزير الزراعة غداً في المملكة السعودية ، وقال الزعني «السعودية تعتبر من أهم الأسواق للصادرات اللبنانية، وإقفالها شكل ضربة قاسية للمنتجات اللبنانية وخصوصاً لقطاع المأكولات».

واذا فتحت السعودية مجدّداً أبوابها امام الصادرات اللبنانية، فسترتفع قيمة الصادرات اللبنانية بحسب الزعنّي من نحو 3.8 مليارات دولار سنوياً الى أكثر من 4,5 مليارات دولار اي بزيادة بقيمة 700 أو 800 مليون دولار سنوياً. فالتصدير الى السعودية اليوم هو صفر، والى مصر شبه صفر».


MISS 3