بشارة شربل

خدّام... ليكُن ذكرُكَ منسياً

1 نيسان 2020

02 : 20

ليس في وفاة عبد الحليم خدام أمس أسوأ من دعاء الوزير السابق جمال الجراح: "الى جنّات الخلد يا أبو جمال".

أقلّ ما يقال في الراحل انه كان شريكاً في المنظومة البعثية – العسكرية التي استولت على سوريا وذبحت لبنان من الوريد الى الوريد، بل هو أحد أكثر الأيادي سواداً في التعاطي مع "الملف اللبناني" يوم كان وزيراً لخارجية بلاده وحين تولى منصب نائب الرئيس.

وللفقيد (88 عاماً) الذي ارتحل عن هذه الدنيا في منفاه الطوعي الذهبي ذكريات ومواقف مع الشعب اللبناني، جُلُّها ملطخ بدماء شبابه وقيادييه، أو ينمُّ عن لؤم واحتقار صريح للمسؤولين اللبنانيين.

مؤسف ألا يموتَ سجيناً بعد محاكمة تليق بأشباهه من المرتكبين. فخدام هذا، الذي أقام علاقات صلف ورياء وابتزاز مع أطراف لبنانيين وخصوصاً الرئيس رفيق الحريري، لم يعترف أبداً باستقلال لبنان. وقال يوماً إن "لبنان جزء من سوريا ويحق لها استعادته"، مُغفلاً واجب ان يسترد مع حزبه ونظامه "لواء الاسكندرون" الذي كانوا يطلقون عليه اسم "اللواء السليب".

حَكَم وأثرى وأفسد ونجا من الحساب. حاول تبييض صفحته في العام 2005 بالانشقاق عن نظام بشار الأسد، فيما كان دائماً أحد الشركاء الأساسيين في سلطة البعث منذ شغل منصب محافظ القنيطرة، معلناً سقوط الجولان قبل ساعات من احتلاله الفعلي على يد الاسرائيليين (1967).

لم يكن خدام مجرد موظف في ماكينة النظام السوري. كان واجهته السنّية الاساسية بين المدنيين ومحرك سياساته اللبنانية، يعيِّن الرؤساء والوزراء والنواب وكبار الموظفين الأذلاء عندنا، ويهين رؤساء الحكومات والضباط وكل من ارتضى ان يكون جزءاً أو مستفيداً من الوصاية والنظام الأمني.

ومثلما كان خدام حاضراً في المشهد السوري أثناء مجزرة حماه (1982) وفاعلاً في التحكم برقاب السوريين، كذلك كانت له اليد الطولى في الهيمنة على قرار الشعب الفلسطيني وبذر الشقاق والاقتتال بين فصائل منظمة التحرير، واستخدام بعضها ورقة في لعبة تضخيم دور "سوريا الأسد" لتكون الأجدر في بازار الشراء والبيع مع الأميركيين.

يحلو لأنصار النظام السوري الحالي تحميل خدام كل موبقات ما ارتكب في عهده بحق اللبنانيين والسوريين. وللإنصاف، فإنه رغم سيئاته لم يصل الى فداحة تهجير نصف شعبه وقصفه بالبراميل.

حين ظهر أكثر من مرة في لقاءات صحافية من دارته الباريسية، اعتقدنا أن لدى الرجل أسراراً وأفكاراً آن وقت الافراج عنها في اطار "فعل ندامة" حقيقي، لكنه اكتفى بترداد بضع جمل سطحية وتافهة تتهم بشار الأسد بالاجرام والفساد لمجرد انه أخرجه من التركيبة الحاكمة، وليس انطلاقاً من موقف مبدئي أو مراجعة ضميرية لمساره السياسي.

"إلى جهنم وبئس المصير" عبارة متروكة لوسائل التواصل الاجتماعي الممتلئة بالغث والسمين. وإذ ان حديث "اذكروا محاسن موتاكم" ضعيف أو غير صحيح حسب فقهاء ومفتين كثر، فإننا نكتفي بما كان يردّده أهل القرى لدى مرور جنازة سيئ سمعة:

"رحمه الله قدر ما يستحق"... وخدام بهذا المعنى مثل أترابه المستحقين.


MISS 3