جورج بوعبدو

"حبيبة قلبي إنتِ"... بين الحاكم والمحكوم

المخرج لوسيان بو رجيلي: مسرحي يفتعل صدمةً إيجابية

9 حزيران 2023

02 : 02

في مسرحية جريئة ومستفزّة بعنوان «حبيبة قلبي انتي» يطلّ علينا المخرج والكاتب والمناضل لوسيان بو رجيلي موثّقاً العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم. المواطن اللبناني في المسرحية مغروم بحاكمه، يتعاطى المخدّر الذي يروّجه له الأخير.


تروي المسرحية قصّة وطن ممزق يتلاشى أمام أعين مواطنيه. تخسر ليلى أخاها بانفجار المرفأ ويتوفى والدها مطالباً بأمواله في المصرف ويحرق قريبها نفسه لعجزه عن تأمين لقمة العيش وغيرها من الأحداث التي تسبّبت بها الطبقة الحاكمة والتي دمّرت الوطن ليصبح لقمة سائغة تنهشها الطبقة الحاكمة كلّ يوم. تخطط الفتاة للانتقام. تبدأ المسرحية بالسياسي مربوطاً بأصفاد على سرير معصوب العينين. تُخضع ليلى السياسي للمحاكمة مستجوبة اياه فتظهر حقيقته البشعة أمام المشاهدين. «نداء الوطن» التقت الكاتب والمخرج لوسيان بو رجيلي وغاصت معه في تفاصيل العمل ونشاطاته ككلّ.




لوسيان بو رجيلي



لماذا فكّرت بهكذا نوع من العروض؟

فكرت به انطلاقاً من المعاناة التي نعيشها والأزمات المتلاحقة ودخولنا في نفق مظلم لا مفرّ منه، ولانعدام العدالة والمساواة. كان لا بد لي من التفكير بموضوع يعطي بعداً آخر للجريمة والعقاب كوننا نعيش في بلد تعددت فيه أنواع الجرائم ولم نلمس حتى الساعة اي تحرك يذكر من السلطات المعنية لتحقيق العدالة، فالاجرام والفساد مستشريان والوضع ينذر بالأسوأ. يتناول العمل حالة المجرم النفسية الذي استطاع التكيف مع الجرائم التي اقترفها وأكمل حياته بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن، بمعزل عن التهديدات والملاحقات القانونية. وبالتالي، وبطبيعة الحال انعكست هذه الممارسات الشنيعة والمسيئة للوطن سلباً على الوطن والمواطن ليستشري الفساد أكثر فأكثر ويتحكم بمرافق الدولة، بحيث جرّدها من مقوّماتها فلا عدالة ولا حقوق ولا قوانين وبات اللبناني اليوم في بلد معدوم فيه الأمل وهذا سبب رئيس لهجرة المواطنين والبحث عن دولة حقيقية تحميهم وتكفل حقوقهم.



ما علاقة عنوان المسرحية «حبيبة قلبي إنتِ» بالأحداث التي ناقشتها؟

يفسّر عنوان المسرحية علاقة الحب التي تربط المحكوم مع الحاكم وكيف لهؤلاء، رغم كل المشقّات والحروب والدمار والأزمات التي مرّت بها البلاد، ان يستمروا في عشقهم للزعيم فيدافعون عنه حتّى الموت، وكأنهم يعشقون فناناً أو نجماً معيّناً ويكون هذا الحب من طرف واحد للأسف. في علاقة الحاكم والمحكوم أيضاً حب التلاعب فللحاكم ألاعيبه الخفية ليجعل من نفسه مرجعية دائمة ولا يستطيع أي كان تحقيق أي هدف إلاّ من خلاله، وهذه العلاقة غير صحيّة وتؤدّي الى تدمير الوطن والمواطن. وفي أحد مشاهد المسرحيّة يتوجه الحاكم الى المواطنة بقوله: «انت شريكتي في الفساد أيضاً».












من أين أتتك فكرة إخضاع الحاكم لوضعية حرجة؟

عندما أبدأ بالتخطيط لمسرحية ما أفكر دائماً بإعطاء الشخصيّة الأساسية حقها وكل ما يلزم لإقناع الجمهور، فالملقبة بليلى حصلت معها حادثة في كندا وبقيت سنة من بعد الحادثة تخطط لكيفية القبض على سياسي لبناني، وما كان منها إلا التفكير بأفضل طريقة للإنتقام من الذي دمّر حياتها وقتل ونهب البلد وهجر ابناءه، فبدأت ليلى مراقبته للتعرف على اسلوب حياته واماكن تواجده، الى حين استطاعت ضبطه في مخدعها بوضعيّة همّشت صورته الجميلة التي يطل بها امام جمهوره وجعلته يعترف بجرائمه أمام الجميع وصولاً الى اقترافه جريمة وضبطه بالجرم المشهود. فكانت ليلى تقول: «اذا بقدر انا حاسبو بدون ما ضحّي بحالي بيكون منيح» ولكنها فقدت السيطرة على قرار الناس الذين صوّتوا لصالح السياسي وذهبت لآخر الطريق حيث وجدت مقتولة في ما بعد.


من أجواء المسرحية



طارق أنيش وفرح شاعر



تستهدف المسرحية السياسيين بشكل مباشر. ماذا لو كان أحد السياسيين في الصالة وأراد المواجهة؟


أظن أن الرسالة وصلت من خلال المسرحية بالشكل الذي أريده ولكن تبقى المواجهة الأكبر مع الجمهور الذي لن يغفر لفاسد بينهم. حصل هذا الأمر خلال أحد العروض مع وزير سابق، حين توجه له أحد الحاضرين بعبارة «لازم نعمل فين كلن نفس الشي»، فما كان من الوزير الا مغادرة الصالة من دون أية ردة فعل تذكر. لأي سياسي حرية الحضور ولكن لن تكون له معاملة خاصّة. مشكلتي مع السياسيين ليست خاصّة بل هي مشكلة منظومة بأكملها تعرقل قيام الدولة.





لماذا اخترت سلوك الطريق السياسي؟

العمل السياسي في لبنان ليس خياراً والذي يريد العيش الكريم وتأمين أدنى مستلزمات البقاء في بلد كبلدنا عليه المجازفة وأن يثور بوجه الطبقة الحاكمة التي جرّدته من كيانه وهويته. لا يمكنك كشخص أن تعيش بمعزل عن السياسة وتدع السياسيين يقررون ويفعلون ما يشاؤون وأنت واقف تتفرّج بل عليك المحاسبة والتفكير بطريقة للوصول بالبلاد الى بر الأمان. من هنا رسالتي من المسرحية هي إتاحة المجال للحوار بين أفراد المجتمع ومناقشة المواضيع المطروحة على خشبة المسرح لأنها تجسّد الواقع الذي نعيشه في كل يوم، فلمسرحي دوره الفعّال في افتعال صدمة ايجابية لتغيير النمطية السائدة، فمن فكرة صغيرة تستطيع إحداث الفرق في مجتمع بأكمله.

كيف نغيّر الوضع الراهن؟

يتمتع من يحكمنا بالدهاء الشديد وبالتالي ليس من السهل التغلب عليه، وهذا ما حصل في الثورة، اذ كثرت الخروقات ودخل الطابور الخامس وغيرها من ألاعيب السلطة، إضافة الى ان أفراد المنظومة كانوا يثورون الى جانبنا من دون علمنا. تلزمنا أجيال كثيرة قادمة للتحرر من هذه المنظومة الفاسدة ولن يستقيم الوضع في لبنان إلا اذا تحققت دولة القانون فنقوم بمحاسبة الفاسدين كافة من أعلى الهرم الى أسفله. وما أتمناه هو إنشاء البنى التحتية وتأمين الطبابة وضمان الشيخوخة وتوفير الماء والكهرباء والدواء والإهتمام بقطاع التعليم الرسمي بدءاً من الجامعة اللبنانية وصولاً الى المدارس الرسميّة لأنها الوحيدة التي تسهم في زرع القيم وحب الوطن لبناء جيلٍ جديدٍ واعد. وإذا لم تتوافر هذه الشروط - وهي من أبسط مقوّمات العيش - نكون في غابة كل واحد فيها يحمي نفسه بنفسه، وهذه هي حالنا اليوم للأسف .

هل تفكر بجزء ثان للمسرحية؟

أعمالي مرتبطة ببعضها من نواحٍ متعددة كالعادة من خلال الشخصية أو الموضوع وثمّة عمل أحضر له مع الشخصيات نفسها ولكن بفكرة مختلفة وأداء مختلف. لدي رسائل كثيرة للمجتمع من خلال أعمالي فالفن هو المتنفس الوحيد للشعوب ولنا في ظلّ الأزمات.

يستمرّ العرض حتى ١٤ حزيران في مسرح المدينة، ومن ٢٠ حتى ٢٥ حزيران في مسرح مونو


MISS 3