جورج بوعبدو

بالفيديو: "عدو الشعب" للمخرج لوسيان بو رجيلي...

الواقع الفجّ في مسرحٍ تفاعليّ

22 تشرين الثاني 2023

02 : 10

زياد نجار في وسط الصورة بدور الطبيب توماس ستوكمان

بعد النجاح المنقطع النظير الذي حققته مسرحية «حبيبة قلبي إنتي» يعود المخرج لوسيان بورجيلي الى الساحة في عملٍ مبتكر بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت ومقتبس من النروجي «هنريك إبسن» بعنوان «عدو الشعب». مرّة أخرى يعالج بو رجيلي مسألة الفساد وحبّ السلطة بلغة المسرح، المساحة الوحيدة الفاعلة في تحرير المجتمع من الظلم والاستعباد. اختار بو رجيلي النص لما يحتويه من تطابق مع المشاكل التي يعانيها اللبنانيون، من فسادٍ لأركان السلطة ينسحب على المؤسسات البلدية والاعلام وصولاً الى الشعب مصدر السلطات الحقيقي القادر على محاكمة المسؤول المتمادي او رفع شأنه.



تدور أحداث المسرحية في رحاب بلدة نرويجية ساحلية، يعيش أهلها بسلامٍ مكتفين بما تقدمه لهم الضيعة من خيرات وسط طبيعة خلابة وجوّ هادئ جميل. والبلدة «كريستن» مقصد للسياح لاحتوائها مركزاً علاجياً يستند الى ثروة من المياه الغنية بالمزايا الشفائية. يكتشف الدكتور «توماس ستوكمان»، وهو موظف مسؤول في المركز المذكور بأن المياه العجائبية آسنة وغير صالحة للشرب لا بل تعجّ بالجراثيم القاتلة.



يبدأ ستوكمان حملته الشريفة لتطهير الضيعة من المياه الملوّثة، معتبراً أن في هذا الفعل إنجازاً يكافأ عليه لمدى الحياة، وأن السلطات ستكون مدينة له لاكتشافه العظيم.



يقع ما لم يكن في الحسبان: يصطدم أولاً بوالد زوجته المسؤول الأول عن تلويث المياه، كونه يملك مصنع جلديات ورثه عن أجداده؛ اما صدمة العمر فكانت مع أخيه كونه رئيس البلدية ورئيس لجنة الحمامات، وشريكاً بالمركز، والقادر على إدارة الدفّة كيفما يشاء. لا يبقى لـستوكمان سوى صحيفة «رسول الشعب» المؤثرة في الرأي العام متوهماً انها لا بد من ان تناصر الحق بنشرها نتائج تقريره العلمي لكشف المستور وفضح المتواطئين على الشعب وصحته. سرعان ما يكتشف انه كان على خطأ اذ تنقلب الجريدة عليه بضغط من السلطة ورئيس البلدية.




إصرار ومناظرة

يصر ستوكمان على الحقيقة مدافعاً عن صحة سكان البلدة مطالباً بمعالجة المياه تفادياً لانتشار الأوبئة والامراض ليجد نفسه وحده في المعركة. لا يمنعه الامر من التمسك بقناعاته، متحدياً انعكاسات الامر على مسيرته وحياة عائلته؛ واعداً سكان البلدة بإظهار الحقيقة مهما كلّف الثمن. يواجه الطبيب السلطة في مناظرة علنية في ساحة البلدة ليتضح بأن السلطة حشدت طابوراً خامساً من المطبلين للنظام للتهجم عليه ومنعه من الكلام وإبداء رأيه. تنجح السلطة في تغيير صورة الطبيب من مدافع عن حقوق الناس الى عدو للشعب وسط صيحات المطالبين بنفيه خارج البلدة.




مبهر العمل بمقاييس العمل المسرحي كافة: اخراج رائع وسيناريو متمكن وتمثيل حقيقي الى اقصى الحدود. ولا شك في ان اداء زياد نجار نجل المخرج الراحل مروان نجار بدور العالم ستوكمان كان ناجحاً للغاية بالاضافة الى تألق الممثل عبد الرحيم العوجي بدور رئيس البلدية الفاسد الذي ابهرنا بحرفيته العالية.




لا يقل الممثلون الباقون شأناً، فبراعة الاداء انسحبت على الممثلة الصاعدة فرح الشاعر بدور كاثرين زوجة ستوكمان علماً ان الاخيرة منتجة المسرحية أيضاً، فيما توزعت الأدوار الباقية على كل من مانويل بركات وهشام خداج وهيلين شعبان وإيلي الحداد ومجد المصري وجورج أغنياديس الذين أبهرونا بأدائهم المذهل. وكانت مشاركة مجموعة طلاب المسرح 259 في الجامعة الأميركية في العمل مميزة فقد أضفى هؤلاء جواً مرحاً على العمل اثناء تنقل الحضور من رقعة إلى اخرى في حرم الجامعة التي تحولت الى شوارع بلدة كريستين بكل تفاصيل اهلها. وكان هذا الانتقال سيراً من مكان الى آخر في الجامعة سبباً جوهرياً آخر لاكتساب المسرحية لمسة فعلية من الواقعية مع مشاهد مختلفة عند كل انعطافة؛ كمشهد احباء يتجاذبون اطراف الحديث؛ او تلاسن اطراف متنافرة؛ او ثرثرات اهل البلدة؛ وصولاً الى ترحيب الفتيات بالحضور بأباريق من المياه على وقع موسيقى عازف العود الفنان جهاد شمالي.




كلمة حق تقال ان هذا العمل هو من اجمل المسرحيات المقدمة هذه السنة؛ ولعلنا وجدناه شديد الالتصاق بواقعنا الكئيب كشعب وقع فريسة فساد اهل السلطة وازلامها. ونرفع القبعة هنا اولا للمخرج لوسيان بو رجيلي؛ ثم للطاقم بأسره من دون ان ننسى التنويه بالترجمة لندى صعب والإنتاج التنفيذي لروبرت مايرز؛ وصولاً إلى الديكور المبهر للمصممة غيداء حشيشو والأزياء المبهرة للمصمم لاري بو صافي.



هو باختصار عمل مبتكر لا ينبغي ان يفوتكم ان كنتم من محبي الاعمال الاستثنائية.




(*) يستمر العرض في جامعة الـAUB حتى أواخر الشهر الحالي.



ابتزاز الصحافة



ملصق المسرحية



مشهد المحاكمة



الحضور متفاعلاً







MISS 3