رفيق خوري

لا السلطة سلطة ولا المعارضون معارضة

1 نيسان 2020

08 : 00

لبنان يبدو من خلال التركيبة السياسية، خارج ما يمكن ان يسمى "قانون" الاجتماع السياسي: "الأزمات أعظم موحّد" كما قال جان مونيه. وهو الرؤيوي الذي كان "دينامو" مشروع الجماعة الاوروبية، مشروع بناء "المصالح المشتركة" بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، بدءاً من اتفاق الحديد والصلب الذي صار السوق المشتركة فالاتحاد الاوروبي. واللافت خلال مسار المشروع قول مونيه: "لو اتيح لنا ان نبدأ من جديد لكان علينا البدء من الثقافة" بدل الاقتصاد.

لبنان في مسار مختلف. الأزمات تبدأ من الانقسام السياسي وتنتج أزمات وانقسامات جديدة تتشابك فيها العصبيات الطائفية والمذهبية والولاءات الخارجية. المصالح الاقتصادية المشتركة مقتصرة على قلة تشكّل "مافيا" سياسية ومالية من كل الطوائف والمناطق. الثقافة الوطنية تعرضت منذ الحرب ولا تزال تتعرض لمحاولات القفز من فوقها واختراع ثقافات مزيفة ملحقة بعصبيات الطوائف والمذاهب. فما الذي نراه ونحن في مواجهة ازمة كورونا فوق الأزمات النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟

المزيد من الشيء نفسه. خطاب وحدة وطنية وتضامن في المحنة، وممارسة سياسات مصلحية ضيقة. هوة بين التركيبة السياسية الغارقة في صراع المصالح وبين الشعب الذي يمارس ارقى أشكال التضامن الوطني والانساني بعدما صوت بأقدامه في الشارع ضد حكم "المافيا" السياسية والمالية. حكومة وكلاء ومستشارين قال أصحابها مباشرة وبصراحة ان القرار ليس لها. وهي تجتمع وتدرس، وقبل ان تفعل شيئاً ملموساً تتهم "اوركسترا" بالعمل على تفشيلها، مع انها ليست في حاجة الى من يفشلها. ومع ان مشكلتها مع القوى التي جاءت بها، لا مع القوى التي بقيت خارج اللعبة.

وليس اكبر من عمق الأزمات سوى عقم المواجهة. فلا السلطة سلطة. ولا المعارضون معارضة. ولا الثورة الشعبية نضجت بعد. السلطة ليست سلطة حين تفشل في خدمة الناس وتترك السطو على المال العام والخاص بلا محاسبة، وتتخلى عن كونها "محتكرة العنف الشرعي"، حسب ماكس فيبر. والمعارضون ليسوا معارضة في أخطر الأزمات عندما تمنعهم الحسابات والحساسيات من التوحد على مشروع إنقاذي في جبهة واسعة. والتحدي الكبير امام الثورة الشعبية هو القدرة على القيام بنقلة نوعية في الاسابيع المقبلة، وسط الفشل المدوي للسلطة في معالجة الازمات.

والمشهد السوريالي يكتمل: الاقطاب أقوى من السلطة. والأزمات أقوى من الاقطاب. الحوكمة الرشيدة ممنوعة من الدخول الى لبنان. ودخول كورونا امام عيون مفتوحة سبق هزة العصا التي رفعها اصحاب الحكومة لإجبارها على إعادة اللبنانيين من الخارج.


MISS 3