جمعية "لادي": البلديات نموذجاً

الزبائنية ظاهرة متجذّرة في النظام اللبناني

02 : 00

تشكل الزبائنية السياسية، وهي ظاهرة متجذرة في عمق النظام السياسي اللبناني، قوة منتشرة في تشكيل ديناميات السلطة والحكم على مختلف المستويات. فعلى مستوى الحكم المحلي، لطالما خضعت البلديات الى تأثير الممارسات الزبائنية، حيث يتبادل المسؤولون المنتخبون الموارد والامتيازات من أجل الحصول على الدعم السياسي والولاء. على هذا النحو، علينا فهم تعقيدات الزبائنية السياسية داخل البلديات لفهم الديناميات الاوسع للحكم في البلاد.

التقرير الثاني

في تقريرها الثاني لقياس مستوى الزبائنية السياسية وتأثيرها على المواطنين/ات (لادي)، وتحديدا على النساء، اجرت (الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات)، عبر مراقبيها/تها، مقابلات مع 98 رئيس بلدية او عضو بلدية في مختلف الاقضية اللبنانية. تهدف (لادي) في هذا التقرير، الى القاء الضوء على انتشار الزبائنية السياسية في البلديات وتأثيرها على المواطنين/ ات. من خلال استكشاف وجهات نظر أصحاب المصلحة الرئيسيين وتحليلها، تسعى الجمعية الى الكشف عن الآليات والدوافع خلف الممارسات الزبائنية في سياق الحكم المحلي، باعتبار ان البلديات هي الكيانات المنتخبة الأكثر التصاقاً بالمواطنين، وبالتالي مقصدهم الأول لطلب الخدمات، ما يفتح مجالاً امام أنواع مختلفة من الزبائنية قد لا تظهر دائما بشكل واضح وصريح.

أثر الإنهيار الإقتصادي

يقول التقرير: لوحظ من إجابات المستطلعين تأثير الانهيار الاقتصادي على الخدمات التي تقدمها البلديات من جهة، والخدمات التي يطلبها المواطنون من جهة أخرى، اذ أصبحت تشكل في النسبة الأكبر منها طلبات لخدمات خاصة كالمساعدات النقدية والوظائف. في المقابل، اصبح لدى بعض البلديات اعتماد إضافي على الهبات الخارجية والجهات المانحة لتقديم الخدمات، في ظل الازمة الاقتصادية وتراجع إيرادات البلديات وقيمة موازناتها.

كما سجل غياب للسياسات التي تعالج احتياجات المرأة الاقتصادية بشكل خاص، على قاعدة ان (الجميع متضرر من الانهيار الاقتصادي على حد سواء) ما ينم عن غياب الوعي بالتحديات الإضافية التي تواجهها النساء بشكل عام، وخلال الانهيار بشكل خاص.

تقلص قدرة البلديات

1 - القدرة المالية تقلصت وتكاد تنحصر مهام البلدية بجمع النفايات وكنسها: هذا الواقع اتفق عليه 97 من اصل 98 مستطلعاً، مشيرين الى أسباب متعددة تتمحور في غالبيتها حول انخفاض قيمة موازنات البلديات بسبب انهيار سعر صرف الليرة، نقص التمويل، انخفاض الجباية، وعدم قدرة عدد كبير من السكان على تسديد رسوم البلدية.

تغيرت طبيعة الخدمات

2 - الناس في هذا الوضع يطلبون الكثير والحاجة كبيرة: من جهة أخرى، تغيرت طبيعة الخدمات التي يطلبها السكان من البلديات، وأصبحت تركز بشكل اكبر على الاحتياجات الأساسية، كتأمين المياه (54،1%) وتوزيع الاعاشات (53،1%) والأدوية (50%) وتأمين الكهرباء (45،9%)

في المقابل، كان لافتاً التوجه المرتفع لدى السكان الى طلب خدمات شخصية، كالمساعدات النقدية (65،3%) وإيجاد الوظائف (63،3%) وهي خدمات لا تندرج ضمن واجبات البلديات أو صلاحياتها، كما انها تفتح مجالاً امام الزبائنية. اذ يصبح تأمين الوظيفة، مثلا، خدمة شخصية يقدمها رئيس البلدية للمواطن، مقابل الحصول على خدمة مقابلة، غالباً ما تكون ولاءات وبالتالي أصواتاً انتخابية. كما تظهر هذه النسب غياب التصور الواضح لدى المواطنين في ما يتعلق بدور البلديات وبالتالي هم لا يفرقون بين الخدمات العامة وتلك الخاصة، أي الزبائنية.

على نفقة «المقتدر»


3 - المساعدات النقدية على نفقة رئيس البلدية: في السياق ، بناء على بعض الإجابات، هناك توجه في بعض البلديات الى تقديم المساعدات (على نفقة رئيس البلدية) أو احد الأعضاء، بحجة تراجع قيمة موازنات البلديات، وهو ما يفتح الباب واسعاً امام الزبائنية، اذ تصبح علاقة المواطنين مباشرة مع رئيس البلدية او احد أعضائها، متجاوزة الآليات القانونية والطبيعية التي تحدد علاقة المواطنين بالمجلس البلدي المنتخب ككل. وفيما قد يجري تبرير هذا السلوك بالانهيار الاقتصادي، وبضرورة تدخل رئيس البلدية لمساعدة (اهله وناسه) خلال هذا الوضع الصعب، فهو يؤدي في الضرورة الى الزبائنية، كما يعطي افضلية للمقتدرين ماديا على حساب المرشحين الآخرين في الانتخابات المقبلة، بغض النظر عن أي برنامج سياسي او كفاءة شخصية.

الجمعيات والمراجع الدينية

4 - البلدية لا توزع المساعدات مباشرة انما توكل هذه المهمة الى المراجع الروحية والجمعيات: من ناحية أخرى، وعن كيفية حصول البلدية على بيانات الأشخاص المحتاجين لمساعدتهم، ففيما كانت النسبة الأكبر عبر الكشف الميداني والإحصاءات (65،3%)، توزعت الأجوبة كذلك على المخاتير (54،1%) والمراجع الروحية في المنطقة (37،8%) وممثلي الأحزاب (21،4%) . هذا الامر يطرح تساؤلات عن المعايير التي تحدد على أساسها تلك الجهات الأشخاص المحتاجين، ومن الذي يضمن الا تكون خياراتها على أساس المنفعة الخاصة؟ هذا الامر، بدوره، يفتح المجال امام بناء شبكات زبائنية مع فئات معينة، قد لا تكون محتاجة في الضرورة، من اجل ضمان ولائها وبالتالي اصواتها في الانتخابات البلدية والاختيارية.




الإستعانة بالنساء

5 - تستعين البلدية بالنساء في الأمور المتعلقة حصراً بهن: على صعيد واقع المرأة في البلديات، قال 49% من المستطلعين ان ثمة امرأة واحدة عضو في المجلس البلدي، مقابل 51% اجابوا بالنفي. وفيما تؤكد هذه الأرقام انخفاض حضور النساء في المجالس البلدية، وهي لا تبلغ نسبة 6% بحسب ارقام انتخابات 2016 البلدية والاختيارية، قال 74،5% من المستطلعين ان المرأة (ان كانت عضواً ام لا) هي جزء من عملية صنع القرار في ما يتعلق بتوزيع المساعدات، مؤكدين ان المرأة تلعب دوراً فاعلا في هذا المجال. وفي هذا الإطار، أشار عدد من التعليقات الى استعانة البلديات بالمرأة في ما يتعلق بـ (الأمور النسائية) فقط، وهذا ما يعبر عن المنظور التقليدي والتنميطي الذي ترى النساء من خلاله، خصوصا في المجال السياسي، وهو اهتمامها بالأمور المتعلقة بالنساء والأطفال من جهة، والمناسبات الاجتماعية من جهة أخرى.

كما تجدر الإشارة، في هذا السياق، الى ان نسبة النساء من المستطلعين تشكل اثنتين فقط من اصل 98، ما يعني ان الإجابات في اغلبيتها الساحقة تأتي على ألسنة رجال، وقد لا تعبر في الضرورة عن آراء النساء في هذا الخصوص.




لا فهم حقيقياً لاحتياجات النساء

6 - «لا اعتقد ان هناك مفهوماً حقيقياً لدينا حول احتياجات النساء، واعتقد انه لو كان معنا نساء في المجلس لكان لدينا فكرة عن الموضوع»: في سياق متصل، اكد 85،7% من المستطلعين انهم لا يأخذون في الاعتبار، عند توزيع المساعدات، اذا كان الافراد المستهدفون رجالا ام نساء، مع وجود تمييز في بعض الحالات، عبر مساعدة (النساء الارامل اللواتي ليس لهن معيل).

وفيما اذا كانت للبلديات المستطلعة اية سياسات تتناول احتياجات النساء، الاقتصادية على وجه الخصوص، اجابت 58،2% بالنفي مقابل 41،8% بالإيجاب. فقد اكد البعض انه لا يميز بين الجنسين باعتبار ان البلدية لا يمكنها تقديم المساعدات أصلا بسبب الانهيار، فيما قال البعض الاخر ان الرجال والنساء محتاجون على حد سواء، وبالتالي لا يمكن (التمييز) بينهم، بينما يستهدف بعض البلديات النساء بشكل إضافي بناء على شروط بعض الجهات المانحة التي تشدد على وجوب اشراك النساء بشكل اكبر.

يظهر التركيز على المساعدات حصراً في الإجابات من المنظور الضيق لدى البلديات الذي يحصر احتياجات النساء الاقتصادية بالمساعدات، بدلا من التركيز على تطبيق سياسات تستهدف النساء وتساعدهن في بناء قدراتهن واستقلالهن السياسي والمادي. كما يغفل هذا المنظور الضيق التحديات الإضافية التي تواجهها النساء في لبنان، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالنساء، الى جانب ما يتعرضن اليه من اقصاء سياسي وتنميط اجتماعي، يتعرضن الى ضغوطات إضافية في فترة الازمات، سواء من داخل المنزل او من خارجه.

فترة الحجر الصحي

تشكل فترة الحجر الصحي خلال انتشار فيروس (كورونا) مثالاً على ذلك، اذ ارتفعت حالات العنف المنزلي حتى تضاعفت نسبة التبليغ على الخط الساخن المخصص من القوة الأمنية بنسبة 100% في شهر آذار 2022، فضلاً عن نسبة التبليغ على الخطوط الساخنة لمنظمات نسوية في مقابل حالات عنف لا تبلغ عنها النساء أصلاً. يضاف الى ذلك الانهيار الاقتصادي الذي سبب ارتفاعاً في نسب البطالة وانخفاضاً في قيمة الرواتب ما أثر بدوره على النساء اللواتي وضعن تحت ضغوط إضافية، اما بسبب خسارتهن اعمالهن او قيمة رواتبهن، واما بسبب خسارة ازواجهن مواردهم المالية. هذا الواقع لا يتعامل مع البلديات بشكل مناسب، اذ انها لا تدرك ان النساء معرضات لتحديات إضافية تستوجب معالجة مختلفة، وخصوصاً خلال الازمات.

هذا الامر تلخصه احدى الإجابات بالقول: «لا اعتقد ان هناك مفهوماً حقيقياً لدينا حول احتياجات النساء، واعتقد انه لو كان معنا نساء في المجلس لكانت لدينا فكرة عن الموضوع».


MISS 3