جاد حداد

The Final Year...نظرة خاصة على عهد باراك أوباما

3 نيسان 2020

04 : 40

يتمحور الفيلم الوثائقي The Final Year (السنة الأخيرة) للمخرج غريغ باركر حول أهمية مقاربات السياسة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما. كذلك، يتناول هذا العمل المثير للاهتمام المفاجآت القاتمة التي تنتظر المسؤولين أحياناً وطريقة تعاملهم معها. يعبّر الفيلم عن هذه الفكرة عبر أفعال الدبلوماسيين والسياسيين الذين يظهرون على الشاشة، فضلاً عن الأحداث التي تزداد تشويقاً وخطورة مع اقتراب شهر تشرين الثاني من العام 2016، فيتّضح لهم أن الشخص الذي توقعوا وصوله إلى سدة الرئاسة لاستكمال عملهم لن ينتقل إلى البيت الأبيض في نهاية المطاف.

يكون حضور الرئيس أوباما قوياً في هذا العمل، لكنه ليس الشخصية المحورية. بل يركّز باركر بشكلٍ أساسي على وزير الخارجية جون كيري، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، ونائب مستشار الأمن القومي وكاتب الخطابات بن رودز، وهم يتعاملون مع المشاكل والأزمات الحاصلة في مجموعة متنوعة من بلدان العالم، منها النمسا، والكاميرون، وتشاد، ونيجيريا، وفيتنام، واليابان وغرينلاند. يبدو هؤلاء الأشخاص كلهم متّزنين ومثقفين ومحترمين أو حتى مثاليين، باستثناء رودز الذي يظهر بصورة الرجل الذكي والملتزم لكنه يحمل في الوقت نفسه جانباً متغطرساً ويعجز عن ضبط نفسه بسهولة (في أولى مشاهد الفيلم، نشاهده وهو يهاجم مجموعة صحافيين وعدداً من زملائه في واشنطن، فيصفهم بالحمقى الجاهلين لأنهم لا يعرفون الحقيقة بقدر ما يعرفها هو).

حين يلوح احتمال فوز ترامب بالرئاسة في الأفق، يعمد فريق أوباما إلى مضاعفة جهوده خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، لا سيما في الفترة التي تلي الانتخابات، حين يتّضح أن الفريق المرتقب لا يعارض آراء الفريق السابق فحسب، بل يطبّق سياسة الأرض المحروقة في تعامله مع جميع إنجازات أوباما محلياً وعالمياً. يطرح هذا الفيلم شكوكاً عابرة بالاتفاق النووي الإيراني وطريقة تعامل الإدارة الأميركية مع الكارثة الإنسانية في سوريا، لكنه يدافع عن أوباما وفريقه بكل قوة وحماسة، فيشبه بذلك مستوى التعاطف المفرط الذي حمله مسلسل الخيال السياسي The West Wing (الجناح الغربي) تجاه إدارة كلينتون خلال مواسمه الثلاثة الأولى.




لكن يستحيل أن نتخيل المنحى الذي كان ليتخذه الفيلم لو فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة بعد أوباما، وهو حدث توقّعه على ما يبدو طاقم العمل في هذا الفيلم وفي مسلسل West Wing. ربما كان الفيلم ليؤكد على تأييده للعهد الرئاسي السابق بالقدر نفسه أو يرفع منسوب التشكيك بالقرارات ويكثّف تحقيقاته. في هذه المرحلة، لا أحد يستطيع توقّع ما كان ليحصل. لكن يبدو أن فوز ترامب جعل العاملين وراء الكواليس، فضلاً عن الأشخاص الذين يظهرون على الشاشة في هذا العمل، يتساهلون مع أوباما بدرجة إضافية لمجرّد أنه كان يقرأ الكتب ويجيد ربط عباراته من دون أن ينقطع حبل أفكاره أو يهين الناس والدول والأعراق البشرية عمداً.

يستعرض The Final Year الواقع السياسي الميداني ويشكّل عملاً قوياً وترفيهياً وممتعاً بقدر الفيلم الوثائقي السياسي The War Room (غرفة الحرب)، فيتبنى موقفاً عاطفياً من جهة ويطرح من جهة أخرى تفاصيل حماسية وجدّية أحياناً، كما يحصل في مشهد رودز حين ينشغل بكتابة الرسائل النصية وراء الكواليس فيما يلقي أوباما خطاباً له قيمة تاريخية كبرى في مدينة "هيروشيما" اليابانية، مع أنه كتب المسودة الأولى للخطاب بنفسه، لكن هذا ما يحصل لكل من يتولى منصبه ويتعامل مع كم هائل من الواجبات. تتكرر الأجواء نفسها في مشهد سامانثا باور حين تذهب إلى أفريقيا غداة إقدام جماعة "بوكو حرام" على خطف مئات الفتيات من طالبات المدارس.

في النهاية، يُعتبر هذا الفيلم مميزاً وفريداً من نوعه لأنه يكشف معنى أن يتوقع الناس نتيجة معينة ثم يضطرون للتكيف مع نتيجة مختلفة بالكامل. تخيّل أنك تشاهد فيلماً من وجهة نظر أشخاص ما زالوا يتعافون من حادث سير مفاجئ وتدور أحداثه قبل سحبهم من السيارة ونقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم وتغذيتهم عن طريق الوريد، فيراجعون في تلك اللحظات الحاسمة جميع أحداث حياتهم في المرحلة السابقة. ستبدو أي مشاكل واجهوها قبل الحادث سخيفة نسبياً وسيميلون إلى التساهل مع كل ما حصل، ولو كان موقفهم غير مبرر. في هذه الظروف، يتخذ الماضي دوماً طابعاً إيجابياً رغم شوائبه الكثيرة!


MISS 3