ريتا ابراهيم فريد

متطوّعو Embrace في مواجهة الكورونا إتصالٌ واحدٌ قد يُنقذ حياة يائس

3 نيسان 2020

10 : 50

في وقت يرزح فيه المجتمع بأكمله تحت ثقل القلق والرعب الناتج عن انتشار فيروس الكورونا، إضافة الى التداعيات النفسية جراء الحجر المنزلي والأزمة المعيشية والإقتصادية التي قد تؤدّي أحياناً الى أفكار إنتحارية، هناك من يخاطر ويغادر منزله متوجّهاً الى المركز لتأدية واجبه الإنساني في الاستماع الى هموم الناس والتخفيف عنهم.

هم المتطوّعون في جمعية Embrace، لا سيّما الذين يتلقّون الاتصالات عبر الخطّ الساخن للوقاية من الإنتحار. هؤلاء "الجنود" يمارسون اليوم دوراً أساسياً الى جانب الجسم الطبي، حيث يقدّمون الدعم النفسي الى كلّ من يشعر بالإحباط والقلق والرعب، ويساهمون أيضاً في إنقاذ حياة الكثيرين ودفعهم للعدول عن فكرة الإنتحار.


ميا عطوي: لا تتردّدوا في التواصل معنا على الرقم الساخن



منذ بداية أزمة انتشار فيروس الكورونا، سعت جمعية Embrace للمساهمة في دعم الصحة النفسية عبر نشر أخبار إيجابيّة تعاكس التباعد الإجتماعي، الذي يُعتبر مسبّباً أساسياً للمشاعر السلبية التي تعترينا في هذه المرحلة. ومن هُنا أطلقت الجمعية حملة «خلينا ع تواصل»، فالمعروف علمياً أنّ أكثر ما يحتاجه الإنسان خلال فترة الحجر هو التواصل مع الآخرين ولو بطرق جديدة عبر الـVideo Call مثلاً. وفي هذا الإطار أشارت الإختصاصية النفسية ميا عطوي الى أنّ الجمعية تحاول أيضاً أن تنشر الأفكار التوعوية عبر مواقع التواصل الإجتماعي الخاصة بها، لا سيّما في ظلّ انتشار كمية هائلة من المعلومات المغلوطة المتعلّقة بهذا الفيروس، التي من شأنها أن تُفقد الإنسان القدرة على التحليل المنهجي.


من هُنا تأتي أهميّة التأكد من أن مصدر المعلومات موثوق، ومن المستحسن اللجوء الى مصادر رسمية، كمنظّمة الصحة العالميّة أو اليونيسف وغيرها من المنظّمات. من جهة أخرى، وفي ظلّ القلق من الوباء، يعاني بعض الأشخاص من مخاوف إضافية تدفعهم الى التفكير في إنهاء حياتهم للخروج من دائرة الرعب، أو للتخلّص من فكرة أن يخسروا من يحبّون. لهؤلاء الأشخاص توجّهت عطوي بالقول: «يجب أن تكونوا على يقين بأنّ هذه المرحلة ستمرّ وستنتهي. وإذا اتخذ كل شخص إجراءات الحماية، سينتصر على هذا الوباء. ومن المهمّ أن نعلم أنّ هذا الفيروس ليس أخطر من السرطان ومن أمراض أخرى، إنّما تكمن خطورته فقط في سرعة انتشاره والخوف من عدم إمكانية الحصول على العلاج، أوعدم توفّر أسرّة كافية لإستقبال المرضى في المستشفيات بسبب هذا الإنتشار الكثيف».


عطوي، وهي أيضاً عضو مؤسّس في جمعية Embrace، توجّهت الى كلّ شخص يعاني من قلق معين ولا يجد من يتحدث معه، داعية إياه الى التواصل مع الجمعية عبر الخط الساخن (الإتصال على الرقم 1564)، مؤكّدة على أنّ المتطوّعين على أهبة الإستعداد كي يستمعوا له ويساعدوه على تخطّي هذه المرحلة.


ميا عطوي




ريبال : قلبي يتوقّف لثوانٍ في كلّ مرة يرنّ فيها الهاتف



مضى ما يقارب السنتين على انضمامه الى جمعية Embrace كمتطوّع يتلقّى الاتصالات عبر الخطّ الساخن، ويحاول قدر الإمكان تقديم الدعم النفسي لكلّ متّصل. ورغم أنّه بات متمرّساً في أداء "واجبه"، كما يسمّيه، لكنّه لا يزال حتى اليوم يشعر بأنّ قلبه يتوقّف لثوان في كلّ مرّة يرنّ فيها الهاتف خلال مناوبته في المركز. ويشير ريبال في هذا الإطار الى أنّه يتساءل في تلك اللحظة عمّا يمكن أن يكون قد أصاب الشخص المتّصل، وهل سيتمكّن من مساعدته وإحداث فرق ما. وتجدر الإشارة الى أنّ عمل المتطوّعين يتطلّب الكثير من الممارسة ليتمكّنوا من استيعاب وتحمّل الضغط النفسي. فهم يستمعون الى أوجاع الناس ومصائبهم، من هنا يشدّد المراقبون في الجمعية على ضرورة أن يهتمّ المتطوّع بصحّته النفسية، كي يتمكّن من تقديم الدعم النفسي المناسب للمتّصلين. وفي هذا الإطار يقول ريبال: "أحياناً يكون المتّصل في حالة صعبة قد تصل الى البكاء. لكن عندما يطول الحديث معه، ثم يهدأ ويعدل عن فكرة إنهاء حياته، ننسى كل تعبنا وكأنّنا قد حصلنا على مكافأة".


من جهة أخرى، لفت ريبال الى أنّه استلم ثلاث مناوبات منذ بداية أزمة الكورونا حتى اليوم، وقد تلقّى الأسبوع الماضي أكبر عدد من الإتصالات منذ أن أصبح متطوّعاً في الجمعية. وأشار الى أنّ الإتصالات تغيّرت لناحية النوعية والكمية منذ بدء الأزمة. فالناس اليوم في حالة قلق متزايد، إضافة الى خوف ناتج عن الشعور بأنّهم ذاهبون الى المجهول ولا يعلمون ماذا ينتظرهم. ويوضح أنّ البعض يتّصلون بسبب حاجتهم الى دعم، إلا أنّ البعض الآخر يكونون في صحة نفسية جيدة، لكن ملازمة المنزل لفترة طويلة تؤثر عليهم. كما أنّ البعض يتأثّر بالأوضاع الإقتصادية والمستحقّات التي يقلق بشأن تسديدها، أو ربّما من إمكانيّة فصله من عمله. ويشدّد ريبال على أنّ كل شيء من حولنا اليوم يؤثّر على صحّتنا النفسيّة. 


بشرى: مساندتنا لبعضنا البعض هي الأهمّ في هذه المرحلة



من أبرز الأمور التي يعاني منها المتطوّعون اليوم هي التي ترتبط بصعوبة التحرّك مع إعلان التعبئة العامة وحظر التجوّل. وإذ تسلّموا بطاقات موقعّة من وزارة الصحة لتسهيل وصولهم الى المركز، إلا أنّهم يتّبعون إجراءات وقائية كبيرة جداً، بخاصة وأنّ مساحة المركز صغيرة، فيحاولون قدر الإمكان تخفيف عدد الأشخاص المتواجدين للمزيد من الوقاية. يضاف الى ذلك خوف أهاليهم عليهم، لكن «هذا واجبنا الإنساني، ومساندتنا لبعضنا البعض هو الأمر الأهمّ خلال هذه المرحلة»، «، بحسب ما تشير المتطوّعة بشرى. وتابعت: «نحن نتلقّف الصعوبات بكلّ مسؤولية ورحابة صدر.


فالتعب أمر طبيعي في كل مجال تطوّعي، وبخاصة التعب النفسي. ولهذا نحاول بعد تلقّي إتصالين أن نقوم بما نسميه الـSelf-care. وعندما نتعب، نتحدّث الى المراقبين، مع الحفاظ طبعاً على خصوصية المتّصل وسرية الاتصال». في المقابل، تنوّه بشرى بأّنّ للتعب حلاوته أيضاً، فالشعور بأنّ الإنسان كان سبباً في راحة آخرين وتحسّن نفسيّتهم، يعطيه دافعاً أكبر وينسيه التعب، وتوضح: «عندما يشكرك المتّصل ويقول أنك أنقذتِ حياته، تدركين في هذه اللحظة أهمية ما تقومين به».


وعن المسؤولية التي يشعرون بها خلال تلقّي الإتصالات، قالت: «الذي يفكّر في الإنتحار يعاني من صراع بين الرغبة بالحياة والرغبة بالموت. وفي جزء منه يصارع لينهي معاناته، ليس لأنه يرغب في الموت، إنما لأنه يرغب بإنهاء المعاناة التي يعيشها. وهناك جزء آخر منه يصارع للبقاء على قيد الحياة وللحصول على الحياة التي يتمناها. ودورنا أن نتحدّث مع الجزء الراغب في الحياة. وبالتالي يجب أن تكون كلماتنا دقيقة، وفي الوقت نفسه نحاول ألا تكون مصطنعة، بل أن تخرج بتلقائية حين نحاول أن نتخيّل معاناة هذا الشخص». 


نور: دقيقة واحدة تكفي كي تشدّ الإنسان الى الحياة



من جهتها، أشارت المتطوّعة نور الى أنّ فكرة الإلتحاق بـEmbrace تبدو للوهلة الأولى فكرة تطوّعية، لكنها سرعان ما تتحوّل الى واجب يؤديه المتطوّع انطلاقاً من قناعة داخلية بأنّ الجميع يستحقّ الاهتمام والعناية والبقاء على قيد الحياة. وعن التعب الذي يشعر به المتطوّعون لا سيّما خلال الفترة الصعبة التي يمرّ بها العالم أجمع، قالت: «نتعب لكننا لا نشعر برغبة في التوقّف عن هذا العمل الإنساني. فالتوقف استسلام لا يجوز، وإلا كيف سنقنع المتّصل بأن يواصل معركته في الحياة إذا استسلمنا نحن؟».


هذا وأشارت نور الى أنّ كل دقيقة تمرّ خلال الإتصال ليست مجرّد مجموع للثواني، إنما هي كتلة من المشاعر والطاقة التي يستمدّها المتّصل خلال تواصله مع من هو قادر على الإصغاء إليه والتعاطف معه. وهذه الدقيقة كافية كي تشدّ الإنسان الى الحياة. وعن المسؤولية التي يشعر بها المتطوّعون في كل كلمة يقولونها للمتّصل، لفتت نور الى أنّ الكلمة أحياناً تعجز وحدها عن إيصال الفكرة، إذ يمكن للتعبير أن يترجم أيضاً بأنين أو صمت يعكس حجم الألم. لكنّ أهمية الكلمة تكمن في أنها تمدّ المتّصل بالطمأنينة، وبأن شخصاً آخر يستطيع أن يشاركه بما يشعر به. وأضافت: «الكلمة ممكن أن تفتح الآفاق للشخص ليفكر مرة ثانية ليعيد الاعتبار لنفسه ولكيانه الانساني، بالإضافة الى الفرص التي تنتظره والى إرادته التي يكتشفها بقدر ما يتعرض الى المشاكل والنكبات».




لا بدّ من الإشارة الى أنّ المتطوّعين في جمعية Embrace يخضعون لتدريبات مكثّفة قبل الإلتحاق بالفريق، وقبل أن يبدأوا بتلقي الإتصالات. كما يشاركون في ورش عمل وحلقات حواريّة واجتماعات. وفي حال واجهوا حالة صعبة، يلجأون الى المشرفين كي يقوموا بتوجيههم.






MISS 3