رفيق خوري

أبعد من المحاصصة

4 نيسان 2020

09 : 00

كما في لبنان كذلك في العراق. وسط اللعب الاميركي - الايراني: الثابت هو المحاصصة، والمتغيّر هو نسبة توزيع الحصص. محمد توفيق علاوي صدّق ما قاله زعماء الكتل والاحزاب في ظل الانتفاضة الشعبية، من أنهم يريدون حكومة وزراء مستقلين بلا محاصصة. وحين شكل مثل هذه الحكومة قطعوا طريق المجلس النيابي عليه فاعتذر. الدكتور حسان دياب أدرك اللعبة منذ البداية، فجرى تأليف حكومة محاصصة مموهة باسماء أكاديميين وخبراء. أما في موسم التعيينات، فإنّ سياسة المحاصصة بدت فاقعة بلا ظلال. ومتى؟ في أخطر أزمة نقدية ومالية واقتصادية وفوقها وباء كورونا. وأين؟ في مصرف لبنان الذي كان عليه تنظيم جريان المال في شرايين الاقتصاد، بدل الاشتغال مع النافذين السياسيين والمصرفيين في شراء الوقت لدولة مفلسة بإقراضها من أموال المودعين.

ولا مفاجأة في ذلك. فالمشكلة بالنسبة الى التركيبة السياسية ليست المحاصصة بل الخلل في ادارة المحاصصة. وليس اكتشافاً ان تبدو حكومة التنظير خارج سلطة التقرير. حكومة هواة بينهم ابرياء واصحاب نيات جيدة. وفوقها محترفون دهاة بينهم سفهاء في الشراهة. ولا معنى للشكوى من وصاية على الحكومة. فمن طبائع الامور ان يكون لأصحاب الحكومة وصاية عليها لا بل ولاية. ولعلّنا نطبّق، ولكن بشكلٍ غير مباشر قول الاقتصادي الاميركي جون كنيث غالبريث "أعط السياسة للسياسيين، لا للاكاديميين ولا للعسكر". أليست اللعبة في أيدي السياسيين، وإن كان الاكاديميون في الواجهة؟

المسألة في العمق أبعد، فالمشهد الأخير أظهر ان من يحمل الحكومة على يديه لحمايتها من الضربات والسقوط هو "حزب الله" الذي ينفي باستمرار كونها حكومته. وفي أي خلاف بين اصحابها، فإنّه يلعب دور "الكاتاليست" الذي يقرّب المواقف.

مهمة الحكومة تقديم رؤية واضحة وبرنامج عمليّ كامل لإخراج لبنان من المأزق. وهي تعرف أنّ البحث عن حلّ داخليّ فقط مهمّة مستحيلة، لأنّ الذين نهبوا المال العام ولعبوا بالمال الخاص لن تنبت على أكتافهم اجنحة الملائكة. ولا بدّ من البحث عن دعم خارجي، والعودة الى تقاليد الانفتاح اللبناني على الاشقاء العرب، والاصدقاء في العالم. و"حزب الله" الذي يدير اللعبة الفعلية خاضع لعقوبات أميركية قاسية، وملتزم في المواقف من الدول العربية وخصوصاً دول الخليج سياسة إيران. وهو بصرف النظر عن الليونة في الخطاب، ضد اللجوء الى صندوق النقد الدولي، وله ملاحظات على مؤتمر "سيدر". فما العمل؟

قمّة الواقعية الآن ليست التسليم بالواقع بل تغييره بمنطق المصلحة الوطنية.


MISS 3