كريستينالو

إنهاء مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب يسيء إلى بكين أيضاً

الصين لن تسمح لروسيا بتجويع العالم

19 حزيران 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين | 26 نيسان 2019

أمضت روسيا، بعد تعثرها في ساحة المعركة، أشهراً عدة وهي تحاول إعاقة مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، ذلك الاتفاق الهش الذي نشأ في زمن الحرب، وسمح حتى الآن بتخفيض أسعار المواد الغذائية العالمية، وساعد المزارعين في أوكرانيا والمستهلكين في كل مكان. سعت موسكو مراراً وتكراراً إلى استعمال الصادرات الغذائية الأوكرانية كرهينة، علماً أن آخر تمديد لاتفاق التصدير عبر البحر الأسود كان يُفترض أن ينتهي يوم الخميس.

لكنها مسألة معقدة. تُعتبر الصين من أقدم الجهات التي تشتري الحبوب الأوكرانية، ولطالما كانت أكبر مستفيدة من صفقة الحبوب، إذ تصل حصتها إلى 7 ملايين طن متري تقريباً، أي ما يساوي حوالى ربع الصادرات الإجمالية التي يتم نقلها في إطار هذه المبادرة. تستطيع روسيا أن تضيّق الخناق على جارتها أو تتعامل بلطف مع صديقتها الجديدة، لكنها تعجز عن تطبيق المقاربتَين معاً.

تقول كايتلين ويلش، مديرة برنامج الأمن الغذائي العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: «لا تزال الصين أكبر جهة تتلقى الحبوب التي يتم تصديرها من أوكرانيا بموجب الاتفاق، ومن مصلحتها طبعاً أن تستمر مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب».

هذا الوضع يطرح مشكلة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أصبح مكبّلاً الآن بسبب مخاوف أهم حليفة لروسيا. لكن لا تقتصر المسألة على الصين وحدها. تُعتبر تركيا بدورها ثالث أكبر مستفيدة من تلك المبادرة ومن مصلحتها أيضاً أن تستمر الصفقة، علماً أنها كانت من البلدان القليلة التي نجحت في التهرب من العقوبات الغربية وحافظت على قربها من موسكو. نتيجةً لذلك، يتراجع نفوذ روسيا في هذا المجال ويتّضح ضعفها أمام رجب طيب أردوغان، الذي لا يزال رئيس تركيا حتى الآن، ونظيره الصيني شي جين بينغ.

توضح ألكسندرا بروكوبينكو، باحثة زائرة في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية ومسؤولة سابقة في البنك المركزي الروسي: «من الناحية السياسية، أصبح هذا الاتفاق عبئاً على روسيا. هو يثبت بكل وضوح أن بوتين يحتاج إلى أردوغان وشي جين بينغ أكثر مما يحتاج هذان الزعيمان إلى بوتين».

جرى التوقيع على مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، بوساطة من الأمم المتحدة، في تموز 2022 كجزءٍ من جهود دبلوماسية لتخفيض أسعار السلع الغذائية العالمية التي بلغت مستويات قياسية بعد بدء الغزو الروسي ضد أوكرانيا، ما أدى إلى إعاقة تصدير القمح وإنتاج الأسمدة. سمح الاتفاق، منذ أن أصبح ساري المفعول، بوصول أكثر من 30 مليون طن متري من الصادرات إلى الأسواق العالمية، وقد وصل أكثر من نصف هذه الكمية إلى البلدان النامية. لكن تحوّل كل فصل من انتهاء صلاحية الصفقة إلى نسخة من لعبة حافة الهاوية التي تثير دهشة واشنطن بسبب محاولات موسكو المتكررة انتزاع تنازلات جديدة والضغط على أوكرانيا، تزامناً مع تجنب إثارة استياء الصين.

زاد التوتر لأقصى حد في الأسابيع الأخيرة، حين راح الدبلوماسيون يتخبطون مجدداً لإطالة مدة الاتفاق قبل انتهاء صلاحيته يوم الخميس. سرعان ما تجنّب المعنيون أسوأ السيناريوات المحتملة، فأعلن أردوغان يوم الأربعاء أن المفاوضين أقروا تمديد الاتفاق لمدة شهرَين. لكن تترافق هذه الخطوة مع تداعياتها الخاصة: يعني تجديد اتفاق التصدير لمدة قصيرة في كل مرة أن يجد منتجو المواد الغذائية، وموزعوها، ومصدّروها، صعوبة دائمة في التخطيط لعملياتهم مسبقاً. حاولت روسيا مجدداً ممارسة الضغوط للسماح بنقل مواد غذائية أوكرانية إضافية مقابل تخفيف العقوبات التي أثّرت على قطاعها الزراعي المحلي، فضغطت باتجاه إعادة فتح خط أنابيب الأمونيا الروسي الذي يُستعَمل لإنتاج الأسمدة ويمرّ بأوكرانيا. لكن يصعب تجاهل أمنيات أهم شركاء البلد.

يقول جوزيف غلوبر، باحث مرموق في المعهد الدولي للأبحاث الغذائية الدولية وكبير الخبراء الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأميركية: «تتوقف حسابات روسيا على رغبتها في إسعاد حلفائها. تستطيع الصين أن تحصل على الحبوب حتى الآن من أستراليا ومصادر أخرى في الجنوب. لكن تبقى أوكرانيا أهم جهة تؤمّن الحبوب عبر تربتها السوداء. أظن أن الصين وبلداناً نامية أخرى لن تتقبل إلغاء الاتفاق بسهولة».

من الواضح أن المصالح الصينية تؤثر بشدة على الحسابات الروسية لأن الصين أصبحت أهم شريكة لموسكو منذ بدء الغزو ضد أوكرانيا، وقد زاد التداخل السياسي والاقتصادي بدرجة ملحوظة بين البلدين. شددت بكين على أهمية استمرار صفقة الحبوب في الماضي، حتى أنها أضافتها إلى خطة السلام التي تقترحها وتتألف من 12 نقطة.

قد يؤدي رفض تمديد الاتفاق إلى زيادة الاضطرابات في علاقة موسكو مع بكين. ذهبت روسيا إلى حد تعليق مشاركتها لفترة قصيرة في شهر تشرين الأول الماضي، لكنها عادت وتراجعت عن موقفها بعد بضعة أيام. في شهر آذار، قال كريستوفر باريت، خبير في الاقتصاد الزراعي من جامعة «كورنيل»: «قد يُهدد انسحاب روسيا الكامل علاقتها مع البلدان المستوردة للحبوب، مثل الصين. أبدى الصينيون استعدادهم لالتزام الصمت بشأن العدوان الروسي في المحافل الدولية، لكن إلى متى سيستمر دعمهم الضمني لروسيا إذا بدأت موسكو تسيء إلى اقتصادهم وشعبهم بطريقة مباشرة؟».

في مطلق الأحوال، بذلت روسيا قصارى جهدها لخنق القطاع الزراعي الأوكراني. خلال المفاوضات في شهر آذار، وافقت موسكو على تمديد الاتفاق لستين يوماً فقط، وهي نصف المدة التي تم إقرارها في الحالات السابقة. لكن يحذر الخبراء من عواقب هذا التمديد الجزئي كونه يزيد الضغوط على المنتجين الأوكرانيين الذين يتخبطون أصلاً للتكيّف مع تراجع الأسعار واستمرار مشاكل الشحن والتفتيش.

يضيف باريت: «لا أظن أن روسيا تستطيع رفض تمديد الاتفاق. هي تحاول بكل بساطة تصعيب الوضع على أوكرانيا قدر الإمكان».

بالإضافة إلى تضييق الخناق على المنتجين الأوكرانيين، تطرح الجهود الروسية تهديداً على تضامن الاتحاد الأوروبي مع كييف. في الشهر الماضي، قرر عدد من دول أوروبا الشرقية حظر واردات الحبوب الأوكرانية لتعزيز دعمهم السياسي وسط المزارعين المحليين المستائين.

في النهاية، يقول غلوبر: «تعاني أوكرانيا بسبب هذا الوضع، بطريقة أو بأخرى. تراجع مستوى الإنتاج والتصدير الإجمالي مجدداً هذه السنة. من الواضح أن تداعيات الحرب طويلة الأمد انعكست سلباً على قطاع الزراعة في أوكرانيا».


MISS 3