زينة طراد

نائب رئيسة المجلس الإقليمي في "إيل دو فرانس"

باتريك كرم: اللبناني مبدع يتدبّر أمره من دون الإتكال على الدولة

6 نيسان 2020

04 : 35

في خضمّ الأزمة المرافقة لانتشار فيروس كورونا، قرّر باتريك كرم، ابن "غواديلوب" اللبناني الأصل ونائب رئيسة المجلس الإقليمي في "إيل دو فرانس"، أن يتخذ إجراءات قانونية أمام المحكمة الإدارية في باريس، ضد "وكالة الصحة الإقليمية" في "إيل دو فرانس" وهيئة "المساعدة العامة لمستشفيات باريس"، بسبب سوء تعاملهما مع الأزمة الناجمة عن فيروس "كوفيد-19". حصلت جلسة الاستماع الموجزة يوم الجمعة 3 نيسان. قدّم كرم يوم الأربعاء الماضي استقالته إلى رئيسة الإقليم فاليري بريكيس. يقول باتريك كرم إن "وكالة الصحة الإقليمية" وهيئة "المساعدة العامة لمستشفيات باريس"، لا تقومان بواجبهما لتوفير الأقنعة لسكان "إيل دو فرانس"، أو تقديم عدد كافٍ من اختبارات الكشف عن الفيروس لحجز المرضى الذين يجهلون إصابتهم بالعدوى، أو شراء كميات كبيرة من أجهزة التنفس واستعمال جميع الخيارات العلاجية الواعدة. يتكلم كرم في هذه المقابلة عن ثورته ضد هذه الفضيحة الحكومية.



قررتَ أن تقدّم استقالتك من منصب نائب رئيسة منطقة "إيل دو فرانس" واتخاذ إجراء قانوني بمبادرة شخصية منك، أمام المحكمة الإدارية في باريس ضد "وكالة الصحة الإقليمية" في "إيل دو فرانس" وهيئة "المساعدة العامة لمستشفيات باريس"، لسوء تعاملهما مع الأزمة الصحية المرتبطة بوباء "كوفيد - 19". ما السبب؟


قررتُ الاستقالة كي أسترجع أخيراً حرية التعبير عن رأيي وأكشف عن مسائل لم تعد تُحتمَل. لا تريد الدولة الفرنسية حماية من يحتكّون مباشرةً بالمرضى أو رجال الشرطة. جلسة الاستماع كانت يوم الجمعة 3 نيسان. قررتُ الاستقالة من المجلس الإقليمي لأنني أشعر بأنني مسؤول عن أوضاع سكان "إيل دو فرانس".

أصبح واضحاً اليوم أن الدولة الفرنسية غائبة بالكامل وغير مستعدة بأي شكل لمواجهة هذه الأزمة. أردتُ أن أهاجم "وكالة الصحة الإقليمية" ومستشفيات باريس اللتين تُعتبران اليد اليمنى للدولة، وأردتُ أن أطالبهما وأجبرهما على التحرك عبر توفير الأقنعة والأدوية وأجهزة التنفس والاختبارات المكثفة للكشف عن الفيروس. لم يحن الوقت بعد لمحاسبة الحكومة بل يجب أن نجبرها الآن على تغيير استراتيجيتها ولم يفت الأوان بعد على فعل ذلك. بسبب تراخي المسؤولين، يموت عدد هائل من الفرنسيين. نشأ نظام الرعاية الصحية الراهن خلال عهد نيكولا ساركوزي.

هو يُحَمّل "وكالة الصحة الإقليمية" مسؤولية التحرك من تلقاء نفسها. في كل منطقة إذاً، تدير سلطة معينة مشاكل الصحة العامة. ما يحصل في مارسيليا مثلاً مُعبّر جداً! يشاهد العالم أجمع تجربة مارسيليا باستثناء الحكومة الفرنسية.


برأيك، ما هي البلدان التي نجحت في محاربة "كوفيد - 19" بأفضل الطرق؟


كانت البلدان الآسيوية هي التي جعلت استعمال القناع من أسس محاربة هذا الفيروس. يترافق وضع القناع مع إجراء اختبارات مكثّفة. في آسيا، أصبح وضع الأقنعة في الأماكن العامة إلزامياً! ولا تزال معدلات الوفيات هناك منخفضة جداً.


بفضل شبكتك، تمكنتَ من تأمين 9 ملايين قناع في "إيل دو فرانس".


تمكنت منطقة "إيل دو فرانس".بفضل مساهمتي، من نقل مليون ونصف المليون قناع بعد وصول الكميات في الأسبوع الماضي، و5.4 ملايين في 2 نيسان، و3 ملايين ونصف في 5 نيسان! نجحنا في تأمين الأقنعة خلال وقتٍ قياسي، مع أنهم قالوا لنا إن هذه العملية مستحيلة. حتى نهاية شهر آذار، كانت الدولة تمنعنا من شراء الأقنعة، وهي تصادرها اليوم إذا تجاوزت عتبة الخمسة ملايين خلال ثلاثة أشهر، مع أن مستشفيات باريس تستهلك 100 ألف قناع يومياً.

تعجز الدولة اليوم عن توزيع الأقنعة على جميع المعالجين. يتعرّض خبراء الصحة كلهم لمخاطر هائلة. إنها فضيحة حكومية كبرى. في الوقت نفسه، تشرح لنا الدولة أن الشخص يجب ألا يضع القناع إذا لم يكن مريضاً لأن هذا السلوك قد يكون خطيراً، لكنّ الرئيس يضع قناعاً من أحدث طراز. أين هو المثال الذي يجب أن نقتدي به؟ إذا كان ذلك السلوك خطيراً فعلاً، فليفسّروا للفرنسيين السبب الذي يجعل الرئيس يضع قناعاً ما دام ذلك خطيراً. فليتوقّفوا عن استغباء الفرنسيين. إذا كانت المناطق تستطيع إيجاد الأقنعة التي تحتاج إليها من خلالي، ليشرح لي أحدهم لماذا لم تُقدِم الدولة على هذه الخطوة منذ كانون الثاني 2020.


عدا عن مسألة الأقنعة، ما هي مطالبك الأخرى؟


أطالب بإجراء اختبارات مكثفة للكشف عن الفيروس. إنها خطوة أساسية لأن الفرد الذي يكتشف إصابته بفيروس "كوفيد - 19" يعزل نفسه في منزله، بينما يستطيع الأشخاص الآخرون أن يذهبوا إلى عملهم ويحركوا عجلة الاقتصاد إذا كشفت فحوصاتهم أنهم لا يحملون الفيروس. هذا ما أطالب به في الإجراء القانوني الذي اتخذتُه في المحكمة الإدارية. كما أنني أطالب بتوفير أجهزة تنفس اصطناعي. في فرنسا اليوم، يموت كبار السن في دور المسنين وحدهم وسط معاناة مريعة وبسبب الاختناق. تُفضّل المستشفيات عزلهم في مراكز الرعاية بالمسنين بسبب نقص أجهزة التنفس، من دون أن تتمكن عائلاتهم من مقابلتهم لأن الزيارات ممنوعة. هكذا يموت كبار السن اختناقاً بسبب قلة الأَسِرّة وأجهزة التنفس.

في ما يخص علاج ديدييه راوولت، أمرت محكمة "غواديلوب" الإدارية، بطلبٍ من النقابات، بجلب الجرعات اللازمة من الهيدروكسي كلوروكين من باب الوقاية، وأنا أطالب بالأمر نفسه في "إيل دو فرانس". من باب الوقاية أيضاً، يجب أن نطلب هذا العلاج الذي يبدو ناجحاً حتى هذه اللحظة! في فرنسا اليوم، ما من مساواة في طريقة مواجهة المرض: يستطيع أي شخص نافذ أن يحصل على قناع وعلى علاج ديدييه راوولت. في الوقت الراهن، تمنع الدولة الأطباء في المدن من وصف هذا العلاج الذي لا يحتاج إلى وصفة طبية منذ عشرات السنين. نحن نقف اليوم أمام طريق مسدود وأمام فضيحة حكومية.

من خلال هذا الإجراء القانوني أمام المحكمة الإدارية في باريس، أطالب بتعميم اختبارات الكشف عن "كوفيد - 19" ومضاعفة كميات الهيدروكسي كلوروكين والأزيثروميسين، والحصول على كميات كافية من الأقنعة وأجهزة التنفس لتلبية حاجات سكان "إيل دو فرانس".


ما رأيك بالبروفسور راوولت الذي يقاوم مثلك تماماً؟ وهل تشعر بأنك وحيد في هذا النضال؟


البروفسور راوولت بطل قومي بنظر جزء كبير من الشعب الفرنسي. أنا أكنّ له كل الاحترام لأنه لم يتردد في تحدي المؤسسات ووقف وحده في وجه الجميع. هو يجرؤ على قول الحقيقة في وجه أكاذيب الدولة.

في ما يخص القرار الذي اتّخذتُه، فضّلتُ المصلحة العامة على مصلحتي الشخصية الضيّقة. لم أشأ أن أسبب المشاكل لرئيسة المنطقة التي تتعرض أصلاً لضغوط كثيرة، لذا أبلغتُها بقرار استقالتي من منصبي. كانت خطوتي مبررة جداً وحصدت إشادة واسعة. لقد تلقّيتُ مئات رسائل الدعم.

أنا أعلن رسمياً الآن عن تشكيل فريق مع جميع المسؤولين المُنتخَبين في فرنسا لإنشاء قوة سياسية وإجبار الدولة على التحرك خدمةً لمصلحة شعبها. تستعمل الدولة أسلوب الابتزاز حين تحاول إسكات الأصوات التي تنتقد تراخيها. لا يمكن أن نسمح بموت المزيد من الفرنسيين بسبب نقص الأقنعة وأجهزة التنفس والعلاجات المناسبة... أنا أوجّه دعوة إلى جميع المُنتخَبين والمؤسسات التي استنكرت مواقف الحكومة للانضمام إليّ، كي نتحرك في أسرع وقت ممكن ونواجه تراخي الدولة.


هل تظن أن الحكومة الفرنسية فشلت في مهمّة حماية الفرنسيين حين منعت الجماعات الناشطة من التحرك؟ ما هو منطق الدولة الفرنسية؟


أثبتت فرنسا ضعف استراتيجيتها السياسية. فشلت الدولة بشكلٍ مريع في سياسة حماية الفرنسيين، وهي تمنع المناطق من شراء أكثر من 5 ملايين قناع كل ثلاثة أشهر! كذلك، تطرح الحكومة الفرنسية توصيات متناقضة منذ بداية هذه الأزمة من خلال الاستخفاف بأهمية القناع. إنه إثبات واضح على فشل النظام الفرنسي.


كانت فرنسا تملك الوقت الكافي لاستباق هذه الأزمة. بعد مشاهدة ما حصل في الصين وهونغ كونغ، كنا نستطيع شراء الأقنعة واختبارات الكشف عن الفيروس وأجهزة التنفس لو أننا حصلنا على موافقة الحكومة. كانت منطقة "إيل دو فرانس" قادرة على التحول إلى درع في وجه "كوفيد-19". كيف تستطيع فرنسا أن تعتبر نفسها بلداً متقدماً، فيما قدمّت كوبا، تلك الدولة الصغيرة في منطقة الكاريبي، المساعدة إلى إيطاليا، إلى جانب روسيا والصين.


لديك روابط مع لبنان حتى الآن، بصفتك رئيس "لجنة تنسيق شؤون مسيحيي الشرق المهددين". كيف تقيّم طريقة تعامل الحكومة اللبنانية مع هذه الأزمة الصحية؟ لا يزال عدد الوفيات هناك قليلاً وعمدت مستشفيات عدة إلى استعمال علاج راوولت... ما نصيحتك للبنان؟


أنا أعتبر اللبنانيين مثالاً يُحتذى به. إنه شعب نموذجي. لطالما كانت الدولة في لبنان ضعيفة نسبياً ولم تكن تلبّي حاجات شعبها الأساسية دوماً. أنا أعتبر اللبنانيين أيضاً مبدعين ومجتهدين جداً وهم يحققون النجاح دوماً في الخارج. على سبيل المثال، وصلت عائلتي المنحدرة في الأصل من بلدة صغيرة فوق البترون إلى "غواديلوب"، مكان ولادتي. لم يكن والدي يجيد القراءة ولا الكتابة. ومع ذلك عمل في التجارة وحقق النجاح. أنا أنهيتُ دراستي التي سمحت لي خلال جيل واحد بأن أصبح دكتوراً في العلوم السياسية، ثم نائب رئيسة منطقة "إيل دو فرانس" قبل أن أقدّم استقالتي في 1 نيسان 2020.

كنتُ في فترة معينة مندوباً وزارياً في عهد نيكولا ساركوزي. هذا ما يثبت قدرة اللبنانيين على النجاح في الخارج. نسيبي أنطوان كرم أصبح سيناتوراً في "غويانا" الفرنسية بعدما كان رئيس مجلس "غويانا" طوال 17 سنة. هذا ما يثبت مجدداً أن اللبناني ينجح في الخارج بقدر ما ينجح في لبنان. هذا الشعب مبدع جداً وقد تعلّم أن يتدبر أمره من دون الاتكال على الدولة اللبنانية. أنا أكنّ للبنانيين احتراماً كبيراً.


كيف ومتى تنصح بإنهاء الحجر المنزلي؟

نحن لم نخرج من الأزمة بعد. قد يتجدد هذا الوباء في بلدنا، كما يحصل في الصين التي عمدت إلى عزل بعض المناطق مجدداً اليوم. يجب أن توفر الدولة للجميع الأقنعة والاختبارات المكثفة لاستعمالها عند الاشتباه بأي حالة، كما يحصل في جنوب شرق آسيا. كذلك، يجب أن نستفيد من التحذير الذي يوجّهه هذا الوباء لنا لتجديد استقلاليتنا في قطاعات صناعية استراتيجية مثل الصحة. هذا النوع من الأحداث سيتكرر حتماً... لا داعي لإخفاء الحقيقة! اليوم، يجب أن نوجّه تحية كبيرة إلى كل من يضحّي بنفسه لمعالجة المرضى وإنقاذ حياة البشر.


MISS 3