رفيق خوري

كثير من المواقف وقليل من السياسات

21 حزيران 2023

02 : 00

لبنان يدور في حلقة جديدة من مسلسل الإنتظار في الفراغ. فراغ الرئاسة الذي صار في نظر الطرفين المتصارعين من دون قدرة على الحسم أفضل من أن يربح الطرف الآخر المعركة. وانتظار الذي يأتي ولا يأتي من الخارج لفتح الطريق المسدود بعد استنفاد الزخم الداخلي والدعوات في الداخل والخارج الى «لبننة» الإستحقاق الرئاسي. لكن الخارج الخائف على لبنان من التفاقم في»تآكل الدولة» حسب التعبير الذي استخدمته «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» لا يزال يحذّر من الإنهيار ويحاذر التورّط في العمل لوقف الإنهيار. حتى الدور الفرنسي الذي راهن عليه «الثنائي الشيعي» في الإنحياز الى خياره، فإن الفشل أجبره على التوقف في محطة «إستدراك» عبر تعيين الوزير السابق جان إيف لودريان موفداً رئاسياً لتقديم «مقترح وتصوّر» للرئيس إيمانويل ماكرون.

والظاهر أن فرنسا تراهن على دور سعودي، وهي تستكشف عمق الإتفاق السعودي-الإيراني برعاية الصين خلال المحادثات في قصر الإليزيه بين ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. فضلاً عن أن باريس تراهن مع الرياض على دور أميركي-إيراني من خلال ما يدور بين البلدين بواسطة سلطنة عمان حول «تفاهم على تهدئة» في الملف النووي وملف تبادل السجناء. وأميركا تراهن على ما يمكن أن تفعله فرنسا والسعودية وإيران بالنسبة الى ملء الشغور الرئاسي في لبنان. «دويخة» مستمرة.

ذلك أن المحادثات الفرنسية- السعودية في الإليزيه توصلت في الموضوع اللبناني الى «ضرورة الإنهاء السريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان والذي يشكّل العقبة الرئيسية أمام حل الأزمة الإجتماعية والإقتصادية الشديدة». و»مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» كرّرت التعبير عن «القلق من أن يؤدي الجمود السياسي الى التفاقم في تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات وانتخاب رئيس دون مزيد من التأخير». وفي أرشيف الأمم المتحدة وأميركا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا والجامعة العربية والعواصم العربية كثير من البيانات الداعية الى المسارعة لانتخاب رئيس وإجراء إصلاحات وعقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن الدعوات الصالحات شيء والإجراءات العملية شيء آخر. واللبنانيون المحكومون بالبقاء في «جهنم» يراهنون على كل شيء من دون نتيجة سوى استمرار البلد رهينة مشروع إقليمي جيوسياسي على حسابه.

والوقت حان للإنتقال من المواقف الجامدة الى المواقع المتحركة. فالمناشدات العربية والدولية مع الدعوات الى ملء الفراغ هي مجرد مواقف تحتاج الى سياسات تخدمها وديبلوماسية لخدمة السياسات. ومن دون سياسات وديبلوماسية ترسم خارطة طريق للحل وتعمل على تنفيذها من خلال اللبنانيين، فإن لبنان سيبقى رهينة المشروع الإقليمي الذي يتصوّر أصحابه بقيادة إيران أنه مستقبل المنطقة. سواء عبر تراكم القوة أم عبر سلسلة من الإتفاقات التي تخدم المشروع في النهاية. ومعركة الرئاسة في الجانب اللبناني منها تدور بين جبهة ممسوكة بالقوة وجبهة متماسكة بالتفاهم والتقاطع، وتدار تحت عنوان واضح: رئاسة تخدم المشروع الإقليمي أو رئاسة توقف خدمة المشروع وتبدأ العمل لبناء المشروع اللبناني المجسّد في دولة وطنية.

يقول مكيافيللي في كتاب «الأمير»: «كل جمهورية جديدة يجب أن تقرر ماذا تريد أن تكون: روما أو البندقية. الأولى رمز السيطرة بالقوة والثانية رمز العيش في مكان قوي وصنع التجارة مع الآخرين». وهذا هو التحدي أمام لبنان في استعادة الجمهورية.


MISS 3