أدمغة الطيور تستشعر الحقول المغناطيسية تلقائياً

02 : 00

بعد رحلة طويلة نتّكل فيها على تعليمات متكررة من نظام تحديد المواقع العالمي، لا شيء أسوأ من سماع طريقة التجول في الحي الذي نقيم فيه.



قد تختبر الطيور المهاجرة، التي تستطيع استشعار الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض، انزعاجاً مشابهاً حين تشعر بأنها تخضع لدرجة فائقة من التحكّم. اكتشف باحثون من جامعة «وسترن أونتاريو» في كندا وجامعة «بولينغ غرين ستيت» في الولايات المتحدة أن هذه الطيور تستطيع أن تُعطّل نظام الملاحة العصبي الموجود فيها حين لا تعود بحاجة إليه.

راقب الباحثون عصافير الدوري بيضاء الحلق واكتشفوا أنها تُنشّط جزءاً معيّناً من دماغها في أوقات الهجرة قبل أن تطفئه مجدداً أثناء الراحة في نقاط التوقف. كان العلماء قد استنتجوا سابقاً أهمية المنطقة الدماغية المعروفة باسم «الكتلة إن» بالنسبة إلى تنقل الطيور، لكن لم تتضح طريقة استعمالها بين مختلف الأجناس، أو قدرتها على تشغيل نفسها أو التعطل تلقائياً، بحسب الدورات اليومية أو الموسمية.

تقول خرّيجة علم النفس مادلين برودبيك من جامعة «وسترن أونتاريو» الكندية: «تُعتبر هذه المنطقة الدماغية بالغة الأهمية لتنشيط البوصلة المغناطيسية الأرضية، لا سيما لدى الطيور المغردة التي تهاجر ليلاً. حصلت معظم الأبحاث السابقة حول هذه الوظيفة الدماغية المحددة في مختبر أوروبي واحد، لذا من اللافت أن تتكرر التجربة على طير من أميركا الشمالية مثل الدوري أبيض الحلق».

خضعت الطيور للتحليل بعد توزيعها على ثلاث مجموعات في المختبر: ساعات النهار، وقت الراحة في الليل، اضطراب الهجرة ليلاً. ترافقت حالة الاضطراب مع زيادة الحركة، مثل رفرفة الأجنحة والقفز.

من خلال فحص أدمغة الطيور المتوزعة على تلك المجموعات الثلاث، تبيّن أن تنشيط «الكتلة إن» يرتبط باضطراب الهجرة أكثر من علاقته بالليل أو النهار. كلما زاد اضطراب الطيور، كانت الخلايا العصبية في «الكتلة إن» تزداد نشاطاً.

بعبارة أخرى، لا ينشط هذا الجزء من الدماغ تلقائياً خلال موسم الهجرة أو حتى أثناء الليل. تكشف دراسات سابقة أن «الكتلة إن» تنشط دوماً في الليل، لكن كان الوضع مختلفاً هذه المرة.

تزيد هذه الدراسة المعلومات التي نملكها عن ما تفعله الطيور وحيوانات أخرى لاستعمال حقل الأرض المغناطيسي لتحديد وجهتها، وقد ترتكز هذه العملية على عامل بسيط مثل الانجرار الخفيف نحو الجزيئات المغناطيسية، أو عامل معقد مثل الاتكال على دفعة من كيمياء الكم.

توضح برودبيك: «التفكير بالحقول المغناطيسية أمر ممتع لأنها غير مرئية للبشر. لا يمكننا رؤيتها أو الشعور بها، لكن تتعامل معها معظم الحيوانات بطريقة معينة. بالنسبة إلى الطيور، من الواضح أن استعمال حقل الأرض المغناطيسي للتحقق من توجّهها نحو القطب أو خط الاستواء يفيدها لتحديد وجهتها والهجرة إلى مكان آخر. من المدهش أن تتمكن من تنشيط دماغها بهذه الطريقة، بينما يعجز البشر عن فعل الأمر نفسه».

بالإضافة إلى جمع معلومات جديدة عن طريقة هجرة الطيور وتنقّلها حول العالم، تُذكّرنا هذه الاستنتاجات أيضاً بأن المدن قد تؤثر على العمليات الطبيعية الحاصلة من حولنا.

إذا تعرّفنا على طريقة عيش الحيوانات، قد نصبح أكثر قدرة على عدم إعاقة طريقها أو مساعدتها على إيجاد ممر آمن لها. يعترف الباحثون بضرورة اكتشاف معلومات أخرى كثيرة عن «الكتلة إن» في أدمغة الطيور عبر الدراسات المستقبلية، بما في ذلك طريقة تأثير أحوال الطقس أو مخزون الدهون على نشاطها.

في النهاية، يستنتج الطبيب النفسي وعالِم الأحياء، سكوت ماكدوغال شاكلتون، من جامعة «وسترن أونتاريو»: «الطيور لا تستعمل بوصلتها المغناطيسية بكل بساطة. نعرف أنها تتنبه إلى الشمس والنجوم باعتبارها مؤشرات توجيهية. ونعرف أيضاً أن عوامل مثل الضوء خلال الليل، أو النوافذ في المباني، أو جميع الأجسام التي نضيفها إلى العالم، تعيق مسار هجرتها. هذا النوع من الأبحاث الأساسية يبلغنا بالطريقة التي تنظر فيها الحيوانات إلى العالم أثناء هجرتها ويكشف لنا ما يجب أن يفعله البشر لتخفيف تأثيرهم على البيئة المحيطة بهم».


MISS 3