"لست نادماً على ما قمت به طيلة ممارستي لمسؤولياتي العامّة"..

حرب عمّم مذكّرته إلى ديوان المحاسبة: ما طاولني من إتّهام مخالف للمنطق والعقل والقانون

16 : 31

أعرب الوزير الاتصالات السابق بطرس حرب عن أسفه وألمه في مذكرة قدمها الى ديوان المحاسبة، إلى "حد المرارة، أن يرد إسمي في لائحة الوزراء الذين تحوم حولهم الشبهات، لاسيما أنني، أتعاطى الشأن العام منذ أكثر من أربعين سنة، قضيتها في خدمة بلدي، محترما نفسي أولا، ملتزما مبادئ النزاهة ونظافة الكف وما يمليه علي الواجب والضمير، وعدم توقيع أي قرار مخالف للدستور والقوانين"، معلنا انه تولى "وزارات عديدة، أدرتها وفق أحكام الدستور والقانون، ولم أرتكب مخالفة واحدة فيها، ما تسبب لي بعداوات عديدة لعدم مراعاتي لأي اعتبار شخصي أو عائلي أو عاطفي أو حزبي أو طائفي".


عمم حرب، نص المذكرة التي قدمها الى ديوان المحاسبة، في القضية رقم الأسس: 15/2023 - مؤخرة - موظفين رقم القرار : 11/ رق/ غ2 موقت، وفيها:


"عدم اتخاذ أي إجراء لاسترداد المال المهدور سواء من الإدارة السابقة في وزارة الاتصالات أو من الشركة المشغلة ومتابعة محاسبة الجهات والأشخاص أمام القضاء المختص، الذين تسببوا بهذا الهدر، وعدم اتخاذ أي إجراء بحق الشركة المشغّلة عن قيام رئيس مجلس إدارة شركة "ميك 2" المعين منها بيتر كاليوبولوس بالرجوع عن قرار فسخ عقد الإيجار خلافا للتعليمات المعطاة له، وعدم اتخاذ أيّ تدبير تجاه الشركة المشغّلة على أساس عقد الإدارة الموقّع بين الدولة وبينها لإلزامها في تحمّل أيّ ضرر قد ينتج عن تصرّف ممثلها المذكور.


تعليقاً على هذا القرار ندلي بالآتي:


1- في عرض موجز للوقائع:

عند توليّي لوزارة الاتّصالات في شباط 2014، تلقّيت أكثر من اتصال يحذّرني من الاستمرار في تنفيذ عقد إيجار مبنى قصابيان، لأنّ وراءه صفقة مشبوهة، وأنّ البناء غير صالح للاستعمال بسبب عيوب أساسيّة فيه وعدم قدرته على تحمّل أثقال المعدّات اللازمة لتشغيل شبكة الهاتف الخليوي، ما دفع الوزير صحناوي آنذاك إلى الاتفاق مع مالك المبنى، على تقاسم نفقات تدعيمه وتأهيله، التي تبلغ مليون ونصف مليون دولاراً أميركياً.


اكتشفت عند التدقيق في الأمر، أنّ الوزير صحناوي قد امتنع عن دفع بدل إيجار السنة التعاقديّة الثالثة من دون أيّ مبرّر، كما لم يتّخذ موقفاً من طلب شركة "ميك 2" (تاتش) صرف مبلغ يفوق أحد عشر مليون دولار أميركي لتجهيز المبنى الجديد، الذي مضى على استئجاره ثلاث سنوات دون إشغاله من الشركة المذكورة، ما أثار استغرابي وعزّز شكوكي حول الأمر..


استدعيت رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك لاستيضاحه حول هذا العقد، ففوجئت به يتنصّل منه، ويبلغني أنّه لم يوقّعه، بل وقّعه كلّ من وائل أيوب وشربل قرداحي، وأنّه سيتقدّم باستقالته من الشركة.


ولدى التحقيق مع من بقي في الوزارة من أعضاء "هيئة المالكين"، (لجنة إشراف المالك)، حول هذا الموضوع، ازدادت شكوكي حول وجود صفقة مشبوهة، خاصة بعد أن قام الوزير صحناوي باقتراح تعديل عقد التشغيل لشركتي "زين" و"أوراسكوم"، ونقل المصاريف التشغيليّة "OPEX" من على عاتق الشركتين إلى عاتق وزارة الاتّصالات، وحصل على موافقة الحكومة على ذلك عام 2012.


عُرض عليّ الموافقة على صرف مبلغ يفوق الأحد عشر مليون دولاراً أميركياً لتجهيز البناء المستأجر، وهو ما لم يبتّه الوزير صحناوي عندما عرض عليه، فاستمهلت لدراسة الملفّ. فتبيّن لي أنّ وراء عمليّة استئجار المبنى دوافع وأهدافاً تتناقض ومصلحة الدولة، وتسبّب بهدر المال العام، فقرّرت ممارسة حق الوزارة، المنصوص عنه في عقد الإيجار المعقود لعشر سنوات، بفسخ العقد في نهاية السنة الثالثة لاقتناعي بأنّ "استئجار المبنى خطأ فادح، وأنّ كلفة الانتقال إليه وهو بناء قديم العهد، سيكلّف الخزينة أموالاً طائلة، وأنّه غير صالح للاستعمال للغاية التي تمّ استئجاره من أجلها، وأنّه يكبّد الخزينة العامّة الأموال لتدعيمه، وأنّه لم يعد بالضرورة الملحّة بعد استئجار شركة "ميك 2" (شركة زين) لطابقين في مركز بيروت الرقمي "B.D.D" في خندق الغميق بالإضافة إلى الملابسات الكثيرة التي رافقت الصفقة ".


لم أكتفِ بذلك، بل طلبت إلى فريق العمل الذي يعاونني متابعة التحقيق في الأمر لتحديد هويّة المسؤولين عن هذا الهدر، لاتخاذ التدبير الملائم بحقهم، إلاّ أنّ فريق العمل لم يتمكّن من كشف الملابسات التي رافقت توقيع العقد، وتحديد المسؤوليّات التي تترتب على المسؤولين عنه، بالنظر لعدم تمتّعه بصلاحيات استجواب المشتبه بهم، ولاسيّما غير الموظّفين أي الوزير صحناوي ومعاونيه الذين تركوا الوزارة معه، ما دفعني إلى عدم الاستسلام واللجوء إلى القضاء المختصّ (النيابة العامّة الماليّة) طالباً إليه إجراء تحقيق في المعلومات التي نشرتها صحيفة الأخبار حول هدر في المال العام والتي تفيد أو تلمّح إلى طرف أو أطراف كان لهم تدخّل مباشر وغير مباشر أدّى إلى المساس بالماليّة العامّة، فوجّهت، بتاريخ 12/10/2015، كتاباً إلى النائب العام المالي، طلبت فيه إجراء تحقيق في معلومات تتعلّق بهدر المال العام، وكشف أيّ طرف أو فئة أو شخص يمكن أن يكون قد تورّط أو اشترك أو ساهم فيه، وأودعته كامل الملفّ مع موجز عن محتواه ومراحله، عرضت فيه المعلومات المتوفّرة لديّ، لافتاً نظره إلى أنّ الوزير صحناوي وافق على استئجار مبنى قصابيان بعد تخفيض في قيمة الإيجار، وبعد أن أكّد له بعض معاونيه وإدارة شركة "زين" صلاحية المبنى، وأنّ مهندسيها عاينوه وتأكّدوا من متانته وصلاحيته، وأنّه بعد تسعة أشهر على توقيع العقد، وإثر كشف دار الهندسة على المبنى، تبيّن وجود عيوب في متانة المبنى، وأنّه غير صالح، في حالته الحاضرة، لانتقال شركة "ميك 2" (Touch) ومعدّاتها الثقيلة إليه، وأنّه بعد مفاوضات طويلة تمّ الاتفاق بين الشركة ومالك المبنى على إعادة تأهيله وتقاسم كلفته، التي حُدّدت بمبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي. ثم عادت الشركة وطلبت إلى الوزير صحناوي الموافقة على تخصيص مبلغ إضافي يتجاوز الأحد عشر مليون دولاراً أميركياً، من أجل متابعة الأشغال في البناء وتجهيزه، فتريّث الوزير صحناوي في الموافقة تاركاً أمر الموافقة أو الرفض للوزير الذي سيخلفه.


وأرفقت الطلب بصورة عن كلّ المستندات المتعلّقة بالقضيّة التي بحوزة وزارة الاتّصالات، وطلبت إجراء التحقيق الكامل والوافي للتوصّل إلى معرفة ما إذا كان قد حصل هدر للمال العامّ، وتحديد الشخص أو الجهّة التي أقدمت أو اشتركت أو تدخلت في هذا الهدر واستفادت منه، وختمت الطلب بالإعراب عن استعداد الوزارة لتقديم أيّ مستند آخر قد يراه النائب العامّ المالي ضرورياً لاستكمال النظرة الشاملة إلى الملف.


وإنّني أبرز ربطاً صورة طبق الأصل عن طلب إجراء التحقيق (مستند رقم 1).

ما يبيّن أنّ الطلب المقدّم إلى النائب العام المالي لم يكن مجرّد إخبار، بل طلب إجراء تحقيق وافٍ وشامل ليصار إلى ملاحقة من يثبت ضلوعه في هدر المال العام، وقد سجّل الطلب في قلم النيابة العامّة الماليّة تحت رقم 5825/2015.


إلاّ أنّ النائب العام المالي المفترض فيه، حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، تولّي مهام الملاحقة في جرائم إختلاس الأموال العموميّة (مادة 18)، أصدر بتاريخ 30/12/2015 قراراً بحفظ الأوراق، دون أن يبلّغنا إيّاه أو بمضمون التحقيقات التي يفترض أن يكون قد قام بها. وتبيّن لي لاحقاً، وبعد تركي وزارة الإتّصالات، وبعد صدور قراركم المؤقّت موضوع هذه المذكّرة، أنّ حضرته قرّر دعوة الوزير السابق نقولا الصحناوي للإستماع إلى إفادته بتاريخ 26/10/2015، حسب ما ورد في المحضر التأسيسي للتحقيق، وأنّه، لسبب بقي مجهولاً؟! صرف النظر عن الاستماع إليه، وتجاوز عدم انعقاد الجلسة من دون أيّ تبرير، وحتى دون ذكر عدم حصول الجلسة وعدم حضور الوزير صحناوي، واكتفى بالاستماع شكليّاً إلى إفادة صاحب المبنى في 25/11/2015 وإلى إفادة شربل قرداحي، بصفته عضواً في مجلس إدارة شركة "بيك 2" (Touch) وأحد موقّعي عقد الإيجار في 29/12/2015، وقرّر حفظ الأوراق.


وإنّنا نبرز صورة طبق الأصل عن المحضر التأسيسي ومحضر إفادة كلّ من مالك المبنى وشربل قرداحي للإثبات. (مستند رقم 2 - 3 و4).


وأنّنا رغم مساعينا مؤخّراً للإستحصال على صورة كاملة عن الملفّ والتحقيقات التي أجراها النائب العام المالي عام 2015، لم نتمكّن من ذلك، ما دفعنا إلى تقديم طلب خطّي بذلك، فاكتفى النائب العام المالي بإحالتنا إلى قاضي التحقيق في بيروت بيرم، الذي أفادنا أنّ النيابة العامّة الماليّة أحالت إليه بتاريخ 17/11/2020، وبناءً على إخبار وزارة الاتصالات، برقم 4511/1/و، ورقة طلب تحمل رقم 7958/2019 تاريخ 24/9/2020 المدعى فيها الحق العام - وزارة الاتصالات بوجه المدّعى عليهما وائل أيّوب وشربل قرداحي وكلّ من يظهره التحقيق بجرم هدر وسوء إدارة المال العام مع علمهما بالأمر، ولم يرد أيّ معلومة عن التحقيقات التي أجرتها النيابة العامّة عام 2015.


وإنّنا نبرز صورة عن طلبنا والإفادة. (مستند رقم 5).


وبعد شقّ النفس وتهويلنا بطرح أمر اختفاء التحقيقات عام 2015، تمكّنا من الاستحصال على صورة عن طلب إجراء التحقيق الذي كنّا تقدّمنا به عام 2015 وعلى صورة عن المحضر التأسيسي اللّتين أبرزناها أعلاه، واختفى باقي الملف؟!.


في ضوء ذلك لا بدّ من طرح التساؤلات والشكوك العديدة حول سلوكيّة النائب العام المالي، الذي قرّر بصورة مستغربة كلّياً، حفظ الأوراق دون التحقيق فيها، ولأسباب لا تمتّ بعلاقة إلى خطورة الجرم المطلوب التحقيق في حصوله.


أمّا المضحك المبكي في هذه القضيّة، فهو ما طرأ من أمور نقتصر على ذكرها بإيجاز. فجأة، وبتاريخ 9/3/2021، قرّر حضرة النائب العام المالي التوسّع بالتحقيق، دون ذكر الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وطلب إليّ الحضور للإللاستماعى إفادتي في القضيّة بتاريخ 20/2/2021. استمعت المحامية العامّة الماليّة الرئيسة دوره الخازن إليّ، واستوضحتني حول قضية مبنى قصابيان، والظروف التي دفعتني لفسخ عقد الإيجار، وعمّا إذا كنت قمت باستئجار مبنى بديل لشركة " ميك 2 "، فنفيت الأمر لأنني لم استأجر أيّ مبنى بديل، فسألتني حضرة المحامية العامّة الماليّة عمّا إذا كنت قمت باستئجار مبنى آخر في محلّة السوديكو تملكه زوجتي، أو تملك فيه أسهماً، وهو ما زعمه صاحب مبنى قصابيان، فأكّدت لها أنّني لم أستأجر أيّ مبنى بديل للشركة من ناحية، وأنّ زوجتي لا تملك بناء في منطقة السوديكو أو تملك أيّ أسهم في بناء في تلك المنطقة. وأعربت عن رفضي للانهيار الأخلاقي لصاحب المبنى ومحاولته التشكيك في دوافعي لفسخ العقد.


نبرز نسخة طبق الأصل عن إفادة جان قصابيان تاريخ 5/11/2019 وعن إفادتي تاريخ 20/2/2020 . (مستند رقم 6 و7)


أحيل الملفّ إلى حضرة قاضي التحقيق الأوّل في بيروت في 17/11/2020 مع إدّعاء على موقّعي العقد، فاستدعاني للإستماع إلى إفادتي، فأدليت بالمعلومات المتوفرة لديّ، وفوجئت أيضاً، بقراره الذي قضى، خلافاً لمطالعة النيابة العامّة الماليّة، بمنع المحاكمة عن وائل أيوب وشربل قرداحي وكلود باسيل، واعتبار المسؤوليّة الجزائيّة عن الأفعال المدعى بها تقع على عاتق شخص وزير الاتّصالات، دون تحديد أيّ وزير للاتصالات، وإعلان عدم صلاحيّة القضاء العدلي لملاحقة وزير الاتصالات المسؤول (من دون تحديد هويته أيضاً) سنداً للمادة /70/ من الدستور، وإحالة نسخة عن الملفّ إلى الأمانة العامّة لمجلس النوّاب لاتخاذ القرار المناسب بشأن ملاحقة الوزيرين نقولا صحناوي وبطرس حرب، أو عدم ملاحقتهما، أو ملاحقة أحدهما، بجرم هدر المال العام.


وكانت المفاجأة الأخيرة صدور قراركم المؤقّت بتاريخ 4/5/2023 موضوع هذه المذكّرة، والذي استند، بكلّ أسف، إلى معلومات ناقصة ومشوّهة، ما يستدعي إعادة النظر فيه والعودة عنه للأسباب القانونيّة الآتية:


2- في القانون:

2- 1- مــلاحظــة أوليّــــة:

على الرغم من تحفّظي ورفضي لمضمون القرار، الذي أعتبر أنّني قصّرت في متابعة محاسبة المسؤولين عن الهدر، لا بدّ لي من تسجيل إيجابية إخراج اسمي من لائحة من تسبّبوا بهدر المال العام في قراركم، وذلك بتأكيد، أنّني، بفسخ عقد الإيجار. وضعت حدّاً للهدر الحاصل نتيجة صفقة مبنى قصابيان، ما أزال كلّ غموض أو التباس حول دوري، وما منع على من يتربّص بي شرّاً من تجّار السياسة الزعم بأنّني هدرت الأموال العامّة.


2- 2- في عدم مخالفتي للقانون :

من العودة إلى قانون تنظيم ديوان المحاسبة الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 82/83، يتبيّن أنّ المادة الأولى منه تولي ديوان المحاسبة صلاحيّة السهر على الأموال العموميّة ومحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلّقة بها، وتنص المادة /60/ من القانون على الآتي:


"يعاقب... كلّ موظف ارتكب أو ساهم في ارتكاب إحدى المخالفات الواردة في هذه المادة:


/8/ - ارتكب خطأً أو تقصيراً أو إهمالاً من شأنه إيقاع ضرر مادي بالأموال العموميّة أو بالأموال المودعة في الخزينة. /10/ - خالف النصوص المتعلّقة بإدارة أو استعمال الأموال العموميّة أو الأموال المودعة في الخزينة."


ويتبيّن من البند الذي حمّلني المسؤوليّة في القرار رقم /11/ أنّه ينسب إليّ" أنّني اكتفيت باتّخاذ قرار بفسخ عقد الإيجار على خلفيّة معلومات وصلتني" من أكثر من مصدر عن وجود صفقة مشبوهة تتعلّق بعقد إيجار مبنى قصابيان.".


"ورغم علمي الواضح بحصول هدر للمال العام، كما يستشفّ من كتابي المؤرّخ في 29/3/2016، فأنّني لم أتّخذ أيّ إجراء لاسترداد المال المهدور، سواء من الإدارة السابقة في وزارة الإتّصالات أو من الشركة المشغّلة وفق عقد الإدارة بين الدولة وبينها، علماً أنّ واجبي الدستوري (المادة 66 من الدستور اللبناني) يرتّب عليه ليس فقط وضع حدّ للهدر الحاصل بنتيجة الصفقة إنما أيضاً متابعة محاسبة الجهّات والأشخاص أمام القضاء المختصّ الذين تسبّبوا بهذا الهدر الذي تجاوز 10 ملايين دولار أميركي في حينه.


"وجلّ ما فعلت، هو تقديم "إخبار" (وليس شكوى) حول وجود شبهات في الملفّ إلى النيابة العامّة الماليّة بناء على التحقيقات الصحفيّة من دون أن أتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامّة الماليّة، كأن أطلب التوسّع في التحقيق مع إرسال ما لديّ من مستندات وتقارير من شأنها جلاء العديد من الملابسات المحيطة بالصفقة ".


فتعليقاً على هذا الاتهام، أدلي بما يلي :

2- 2- 1- في عدم "علمي الواضح والأكيد" بحصول جرم هدر للمال العام وهويّة مرتكبيه:

أكرّر القول، بأنّه عند تولّيي وزارة الإتّصالات، ورد في أكثر من اتصال حول وجود شبهة حول عقد إيجار مبنى قصابيان، وأنّني لم أكن أملك معلومات أكيدة ودامغة وواضحة عن حصول جرم هدر المال العام، وأنّني، في دراستي للملفّ، ولظروفه وشروط العقد وحالة المبنى، تولّد لديّ شكّ جدّي حوله، دفعني لاعتبار توقيع العقد ومتابعة تنفيذه خطأً فادحاً، بالنظر لكلفته على الخزينة، لعدم حاجة شركة "ميك 2" (Touch) الملحّة إليه، ولاسيّما أنّ متابعة تنفيذه كانت سيكلّف الخزينة عشرات ملايين الدولارات الأميركيّة، فاتّخذت القرار بفسخ العقد، ممارسة لحقّ الوزارة في الفسخ عند انتهاء السنة الثالثة الوارد في عقد الإيجار، وأوقفْت هدر المال العام.


بالإضافة إلى ذلك، لم أكتفِ بقرار الفسخ، بل اتّخذت الإجراء القانوني الجدّي والضروري للتحقّق من وقوع جرم هدر المال العام، وفي حال ثبوته وبيان هويّة مرتكبيه، العمل على استرداده من أيّ جهّة أو شخص كان، خلافاً لما ورد في متن القرار رقم 11 موضوع المذكّرة، ومارست واجبي الدستوري والقانوني في إدارة مصالح الوزارة المنوط إدارتها بي، وطبّقت، بحِرَفِيّة القانوني والمحامي، الأحكام القانونيّة الواجب تطبيقها، وحرصت في إدارة الوزارة وشؤونها، على أداء دوري كأب صالح بمفهومه القانوني، وحاولت حماية حقوق الدولة من جهّة، وممارسة صلاحيّاتي كخصم شريف لكلّ من له علاقة مع الدولة من جهّة ثانية.


ومن المستغرب ما ورد في القرار رقم /11/ حول هذا الأمر، إذ كيف يمكن لي اتخاذ إجراء لاسترداد المال المهدور، قبل ثبوت حصول جرم هدر المال العام، وممّن، قبل تحديد هويّة هادر المال العام، وهو ما دفعني، بعدما عجزت عن توفير الأدلّة الدامغة على حصول الجرم ومرتكبيه من الملفّ، إلى توجيه طلب إجراء تحقيق في الملفّ من قبل القضاء المختصّ، أي النيابة العامّة الماليّة، التي تتمتع بكلّ الصلاحيات للتحقيق والاستجواب والتوقيف والتدقيق، وهي صلاحيّات لا يتمتّع بها الوزير والإدارة، وأرفقت بالطلب المستندات والوثائق والتقارير التي من شأنها جلاء كلّ الملابسات المحيطة بالصفقة وتسهيل مهمّة القضاء.


أمّا لماذا لم أتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامّة؟ فبكلّ بساطة، لأنّ النائب العام لم يبلّغني بقرار حفظ الأوراق، ولم أعلم بصدوره إلاّ بعد تركي وزارة الاتصالات وتعيين وزير بديل، ولأنّني اعتبرت أنّ وضع يدّ القضاء على الملف كفيل بجلاء الحقيقة، ولم أتصوّر يوماً أنّ النائب العام المالي سيتعامل بخفّة مع الملفّ، وسيكتفي بأخذ إفادتيْ شخصين مشبوهين، دون التدقيق في صحّة أقوالهما، ودون الاستماع إلى المعني الأساسي في الملفّ الوزير صحناوي، وبالتالي لفلفة الملفّ دون استكمال التحقيقات الجدّية لمعرفة الحقيقة حول حصول، أو عدم حصول، جرم هدر المال العام واختلاسه.


فإذا كان هناك من خطأ أو تقصير أو إهمال في هذه القضيّة، فمصدره ومرتكبه هو النائب العام المالي بالذات، وليس من طلب منه إجراء تحقيق جدّي في ملف استئجار المبنى، ومع المسؤولين عن توقيع عقد الإيجار، وأرسل إليه كلّ المستندات والتقارير المتعلّقة بالملفّ، ووضع إدارته بتصرّف القضاء لمدّه بأيّ معلومات أو مستندات يطلبها، وأنّه ليس من العدل والإنصاف استبدال مسؤوليّة النائب العام المالي وإلقائها على عاتقي، فهو الذي قصّر وامتنع عن ممارسة واجباته في كشف الحقيقة حول حقيقة هدر المال العام وهويّة مرتكبيه وإحالة الجهّات والأشخاص أمام القضاء المختصّ لمحاسبتهم واسترداد المال المختلس من المال العام منهم. وإذا كان من جهّة ارتكبت ما يُنسب إليّ ويجب اعتباره مسؤولاً فهو النائب العام المالي بالذات.


في الخلاصة أنّ ما نسبه القرار رقم /11/ إليّ من مسؤوليّة في غير محلّه القانوني، ويستوجب إعادة النظر فيه وإعلان عدم مسؤوليّتي في هذه القضيّة.


2- 3- في قيامي بكامل موجباتي الوزاريّة حسب أحكام المادة /66/ من الدستور:

تنصّ الفقرة الثانية من المادة /66/ دستور على ما حرفيّته :

"يتولّى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويُناط بهم تطبيق الأنظمة

والقوانين كلّ بما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به..."


ما يعني إدارة الوزير لمصالح الوزارة التي يتولاّها بروحيّة الأب الصالح الحريص على حقوق الدولة وعلى منع الأضرار بها، وتطبيق القوانين لحماية هذه الحقوق أمام القضاء المختصّ.


ولما كانت ظروف عقد الصفقة قد أثارت الشبهات لديّ حول حصول هدر للمال العام، ولم تبلغ درجة "العلم الأكيد والواضح" بالهدر، كما ورد في قراركم، وتحديد مرتكبيه للادعاء عليهم مباشرة، قمت بتقديم طلب إجراء تحقيق من القضاء المختصّ، أيّ النيابة العامّة المالية، لكشف الهدر من جهّة وهويّة من تسبّبوا به، لملاحقتهم تحديداً، تفادياً لتقديم ادعاء بحق شخص أو أشخاص بارتكاب جرم هدر المال العام والرشوة دون أن يكون الفعل ثابتاً وأكيداً والتعرّض لادعاءات مقابلة بالافتراء والذمّ والقدح.


ولما كان طلب إجراء تحقيق من القضاء يشكّل الخطوة الضروريّة الجدّية الأولى على مسار ملاحقة المرتكبين، بعد تحديد هويّتهم، وقد قمت بها.


ولما كنت، في ما قمت به، حرصت على تطبيق القانون والأنظمة المتعلّقة بوزارة الاتصالات، ورفضت تحويل الملاحقة القضائيّة من ملاحقة جدّية إلى معركة "دونكيشوتيّة " أو سياسيّة، ولاسيّما أنّ الوزير صحناوي ومعاونيه، الذين كانوا وراء الصفقة، ينتمون إلى تكتّل سياسي أعارضه الرأي والمسلك.


ولما كان ما قمت به يترجم حرصي على تطبيق القانون، خاصة أنّه لا فرق قانوني بين الشكوى الشخصيّة والإخبار، إذ المطلوب في الحالتين أن تتحرّك النيابة العامة، بمعزل عن الطريقة التي علمت بها، وأن تحقّق في القضيّة وتحرّك الادعاء العام في حال تبيّن لها وجود جرم جزائي ومرتكبين له.


فالإخبار (Dénonciation) هو علم وخبر مقدّم من شخص عن وقوع جريمة لا علاقة له بها ولا مصلحة شخصيّة له فيها، وهو ما دفعني إلى تقديم طلب إجراء تحقيق في ملفّ مبنى قصابيان إلى النائب العام المالي، تطبيقاً لنص المادة /25/ من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، التي تنيط بالنيابة العامّة الاطلاع على الجرائم بالتقارير التي تردها من السلطة الرسميّة، أو من موظف علم بوقوع جريمة أثناء قيامه بوظيفته أو في معرض أو بمناسبة قيامه بها. ولقد وقّعت الطلب الخطّي بإسمي، كوزير للاتصالات، تطبيقاً أيضاً لنصّ المادة /28/أ. م. ج.، على أن يعود للنيابة العامّة، بعد التحقيق، تحريك الحق العام ضدّ المرتكبين، ويعود للوزارة، عند ثبوت ارتكاب الجرم وتحديد هويّة مرتكبيه، الادعاء على الفاعلين وطلب إلزامهم باسترداد المال المختلس وبالتعويض عن الضرر اللاحق بالخزينة بواسطة القضاء الجالس.


ما خلاصته أنّني، لدى شكّي في ما جرى في ملف مبنى قصابيان، وعدم تمكّني من التثبّت منه بالتحقيقات الإداريّة التي قمت

فيها، طلب إلى النيابة العامة الماليّة، ذات الصلاحيّة القضائيّة في استدعاء أي شخص والتحقيق معه، وضع يدها على ملفّ القضيّة للتحقيق فيها لبيان صحّة أو عدم صحّة هدر المال العام وتحديد هويّة مرتكبيه وملاحقتهم، على أن أتابع ملاحقة ومحاسبة الجهّات والأشخاص، الذين تدلّ التحقيقات على أنّهم تسببّوا بالهدر، أمام القضاء المختصّ، وهو ما لم يحصل، بسبب امتناع النائب العام المالي عن القيام بواجباته في التحقيق الجدّي واكتفائه بتحقيق شكلي، وإصدار قراره غير المعلّل بحفظ الأوراق.


فالوزير ليس محقّقاً أو نائب عام أو قاضي تحقيق، وقد قمت بواجبي في تزويد النيابة العامة بكلّ المعلومات والمستندات المتوفّرة في الوزارة حول الملف، وأعربت عن استعدادي لتقديم أيّ معلومة إضافيّة يحتاجها التحقيق، إلاّ أنّ حضرة النائب العام المالي، ولأسباب غير معروفة وبعيدة عن الملفّ ومشكوك في خلفيّاتها، قرّر الإهمال وعدم التحقيق وصرف النظر عن الاستماع إلى الوزير صحناوي ومعاونيه والمسؤولين في شركة "ميك 2" (Touch) وحفظ الأوراق.


لقد فسخت عقد الإيجار لوقف هدر المال العام، وطلبت إلى القضاء (النيابة العامة المالية) إجراء تحقيق في الملف، وقمت بذلك بكلّ الموجبات المترتّبة عليّ كأب صالح حريص على حماية المال العام ووقف الاعتداء عليه، ما يدفعني إلى استغراب ما ورد في القرار رقم /11/ المؤقت الصادر عن غرفتكم، لافتاً إلى أنّني لم يكن لديّ "علم واضح" بحصول هدر المال العام، بل شكوك جدّية حول حصوله، وأنّني، وقبل تثبيت حصوله عبر القضاء، لم يكن يمكنني أن "أتخذ أيّ إجراء لاسترداد المال المهدور، سواء من الإدارة السابقة في وزارة الاتصالات أو من الشركة المشغّلة وفق عقد الإدارة بين الدولة وبينها، بالإضافة إلى أنّ حضرة النائب العام المالي لم يبلّغني قراره بحفظ الأوراق لاتخاذ أيّ إجراء إضافي في ضوئه.


2- 4- في معاقبة رئيس مجلس إدارة "ميك 2 Mic 2" إثر مخالفته لموقفي:

عينت شركة "زين" التي تشغّل مع شركة "أوراسكوم" قطاع الخليوي، السيد بيتر كاليوبولوس اليوناني الجنسية رئيساً جديداً لمجلس إدارة شركة "ميك 2 Mic 2" بعد استقالة السيد وسيم منصور. لم يمرّ وقت طويل حتى بدأ السيد كاليوبولوس مطالبتي بالعودة عن قرار فسخ عقد إيجار مبنى قصابيان، ما أثار استغرابي، ودفعني إلى التواصل مع رئيس مجلس إدارة شركة "زين" السيد بدر الخرافي طالباً إليه استبدال رئيس مجلس الإدارة لتعارض توجّهه مع توجّه الوزارة، ورفضي التعاون معه لعدم ثقتي به، وهدّدته بفسخ عقد الإدارة معهم إذا لم يستجيبوا لطلبي، وقرّرت رفض الاجتماع بالسيد كاليوبولوس، خاصة بعد أن بلغني إقدامه على التواصل مع مالك البناء، وإبلاغه سعيه لتعديل موقف الوزير بفسخ العقد، ودعوت السيد خرافي إلى إجتماع طارئ أبلغته فيه رفض الوزارة التعامل مع شركة "ميك 2 "، إذا لم تعاقب السيد كاليوبولوس وتطرده من الشركة، وتعيّن شخصاً بديلاً، كما وجّهت إليه كتاباً أؤكّد فيه على قرار فسخ عقد الإيجار، ما دفع الشركة إلى طرد السيد كاليوبولوس وتعيين السيد الخرافي شخصيّاً رئيساً لمجلس إدارة شركة "ميك 2"، وذلك خلافاً لما ورد في القرار المؤقّت موضوع هذه المذكّرة، من "أنّه لم يثبت إتخاذي أيّ إجراء بحق الشركة المشغّلة عن قيام رئيس مجلس إدارة شركة "ميك 2" المعيّن السيد بيتر كاليوبولوس بالرجوع عن قرار فسخ عقد الإيجار خلافاً للتعليمات المعطاة له، وفي تجاوز واضح لصلاحيات وزير الإتّصالات ولجنة إشراف المالك... وإلزامها في تحمّل أي ضرر قد ينتج عن تصرّف ممثلها المذكور".


هذا مع العلم أنّ لا قيمة قانونية ملزمة لما قام به رئيس مجلس الإدارة المخالف لقراري، ولا نتائج مضرّة قانونياً يمكن أن يولّدها تصرف ممثلها، إذ أنّ القرار بيد وزير الإتّصالات ولا أحد غيره، وأنّ ما قام به السيد كاليوبولوس لا يمكن أن يلزم الوزارة بأيّ موجب، ولا يرتّب أيّ حقّ لصاحب المبنى، ولا يعزّز موقعه القانوني في مواجهة الدولة.


3- في معنويات القضية:

في الخلاصة يؤسفني ويؤلمني إلى حدّ المرارة، أن يرد إسمي في لائحة الوزراء الذين تحوم حولهم الشبهات، ولاسيّما أنّني، أتعاطى الشأن العام منذ أكثر من أربعين سنة، قضيتها في خدمة بلدي، محترماً نفسي أولاً، ملتزماً مبادئ النزاهة ونظافة الكفّ وما يمليه عليّ الواجب والضمير، وعدم توقيع أي قرار مخالف للدستور والقوانين.


لقد تولّيت وزارات عديدة، أدرتها وفق أحكام الدستور والقانون، ولم أرتكب مخالفة واحدة فيها، ما تسبّب لي بعداوات عديدة لعدم مراعاتي لأيّ إعتبار شخصي أو عائلي أو عاطفي أو حزبي أو طائفي، ولست نادماً على أيّ فعل أو عمل قمت به طيلة ممارستي لمسؤولياتي العامة، واعتبر أنّ ما طاولني من إتّهام في هذا الملف مخالف للمنطق والعقل والقانون، ويذكّرني بقصّة ذاك الفارس العربي الذي كان يمتطي حصانه في الصحراء، ووجد شخصاً مفترشاً الأرض جائعاً عطشاناً مريضاً، فأشفق عليه، وترجّل عن حصانه وساعده في ركوب حصانه، وما كاد "الجائع" يركب على الحصان حتى فرّ به تاركاً الفارس في وسط الصحراء، ما دفع هذا الأخير لمناداته قائلاً : "بالله عليك خذ الحصان وما عليه، لكن استحلفك بالله ألاّ تخبر أحداً بما جرى لئلاّ يكفر الناس بالمروءة ".


نعم أيّها السادة، تسلّمت وزارة الإتّصالات وكان بإمكاني متابعة تنفيذ العقد، والتغاضي عن الشبهة التي تحوم حوله، وتفادي الضجّة التي أثارها قرار فسخي له، إلاّ أنّني مارست واجبي، كوزير حارس لحقوق الدولة والخزينة، وفسخت العقد لاشتباهي بشروطه وظروفه وموضوعه، ولوقف صفقة مشبوهة أدّت إلى هدر المال العام، وستؤدّي إلى استمرار هذا الهدر. وبدلاً من أن يُسجّل لي هذا الموقف، أجد نفسي على مقعد المتّهمين بالإخلال بواجباتي الوظيفيّة، وهو ما لا أقبل به أو أسكت عليه لعدم صحّته وقانونيته، وأنتظر من هيئتكم الكريمة تصحيح هذا الخطأ لئلا أكفر بدوري بالمروءة، ولئلا "تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، كما جاء في الآية القرآنيّة الكريمة.


بكل تحفظ واحترام".

MISS 3