جورج بوعبدو

ضيفة Meet The Artist (لقاء مع فنّان)

نادين لبكي: أؤمن بالسينما وسيلةً فاعلةً للتغيير

3 تموز 2023

02 : 04

ضمن سلسلة "لقاء مع فنان" في نسخته العاشرة، حلّت المخرجة والممثلة نادين لبكي ضيفةً على السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا في أمسية ودية جمعت المخرجة بحشد من طلّاب الإخراج والتمثيل من مختلف الجامعات اللبنانية. وخلال اللقاء عرض فيلم قصير سلّط الضوء على أفلام لبكي ورؤيتها الى تقنيات الإخراج والتمثيل ومكانة لبنان في سوق السينما العالمية وتحديات الحاضر والمستقبل في هذا الحقل أعقبته فقرة "سين وجيم" أدارتها السفيرة شيا بنفسها وطُعّمت بأسئلةٍ للطلاب الناشئين.


شدّدت لبكي خلال اللقاء بأسره على أهمية السينما في حياتها مؤكدة أنّ صناعة الأفلام سمحت لها بالهروب من واقع الحرب في لبنان وتخطي حدودها الضيّقة معلّقة بحزم: "لإنتاج حقائق مختلفة عن حقائقي الخاصة كان عليّ أن أكون مخرجة أفلام، كي أحكي قصص الآخرين". وأكملت: "فهمت لاحقاً عندما بدأت العمل واكتساب الخبرة أهمية رسالة السينما ومقدار تأثيرها على حياة الآخرين. أؤمن فعلاً بالسينما وسيلةً فاعلةً للتغيير".


تلقّفت السفيرة الأميركية الفرصة لتشير الى إعجابها البالغ بفيلم "كفرناحوم": "لا أخفي عنك سرّاً إن أخبرتك هنا بأنّ فيلمك كفرناحوم غيّر حياتي. ومشاهدة بعض المقتطفات منه الآن ذكّرتني بما شعرت عندما شاهدته للمرة الأولى. أقدّر ما قدّمته لنا في هذا الفيلم الرائع الذي يحمل أكثر من رسالة إنسانية واحدة" علّقت شيا. وفي سؤال عن العناصر التي أدّت الى نجاحها المنقطع أجابت لبكي: "ما من وصفة محدّدة. أحاول استعمال أدواتي لتسليط الضوء على مواضيع يجب أن نتطرّق إليها ومسائل تستحقّ النقاش لأن العالم يجهل ما يحصل. في معظم الحالات، يجب أن يتغيّر كل شيء. وفي معظم الأوقات تنتشر مشاعر الغضب والإحباط بسبب الظلم أو اختلال موازين العدالة. لكنّ أهم عامل برأيي هو السبب الذي يدفعني إلى القيام بكل ما أفعله. لماذا أريد التكلم على مسائل معينة؟ لماذا أريد التطرق الى موضوع محدّد؟ ما الذي أريد قوله عبر أصغر التفاصيل والمشاهد؟ لماذا أختار مشهداً ما وما الهدف منه؟ أين يبدأ وأين ينتهي؟ وما هو خط الأحداث ولماذا أريد عرض هذا المشهد بالذات؟ إنه أهم عنصر بالنسبة إليّ. أنا أطرح على نفسي هذا السؤال في كل ما أفعل، سواء أكنتُ أكتب أم أصوّر مشهداً. هل ألتزم بنواياي أو دوافعي الأصلية؟ هل أتمسّك بأول مشاعر الهوس أو خيبة الأمل أو الغضب التي انطلقتُ منها؟ أحياناً يؤجّج الغضب كل ما أريد قوله للأسف. في معظم الأوقات، تبدأ الفكرة بشعور سلبي مثل الخيبة أو الغضب، لكني أحاول قدر الإمكان تحويله إلى أمر إيجابي بدل الاكتفاء بالتشاؤم والتعبير عن الغضب والإحباط والتكلم بسلبية على كل شيء. بالتالي يهمّني جداً أن أعكس، كما في عدسة تكبير، قضايا ينبغي التطرق إليها ومناقشتها ففي عالمنا أمور كثيرة ينبغي أن تتغيّر".




أسئلة الطلابوفي معرض ردّها على أسئلة الطلاب حول تطرّقها إلى "المحرمات" في أفلامها وأهمية أن يطرح صانعو الأفلام مواضيع من هذا النوع أكّدت لبكي أنّ الأمر بالغ الأهمية، لأنّ ذلك جزء أساسي من أهداف الفن. "يجب أن تطلق الفنون النقاشات وتتطرّق إلى مواضيع لا يجرؤ الآخرون على التكلم عليها أحياناً أو يكتفون بالتحدث عنها في أوساطهم الخاصة. ذلك جزء من رسالة الفن والفنانين، لكن تزداد هذه المهمة صعوبة اليوم للأسف. بدأنا نشعر أن الفن يخضع لدرجة من الرقابة في ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار ثقافة الإلغاء وتسييس المواضيع. بدأنا نشعر أن الفنانين باتوا يخضعون للرقابة، ما يعني ضرورة تلميع الأفكار قبل طرحها علناً وإلا فسنتعرّض لكثير من الهجوم، ويكون هذا الهجوم شخصياً أحياناً ولا يستطيع الجميع تحمّل هذا الوضع. أظنّ أنّ الفن يتمتّع بقوة دافعة لتغيير الكثير، لكننا نشعر بخوف متزايد اليوم، وهو وضع بالغ الخطورة لأنه بدأ يُغيّر قِيَمنا كبشر، لا كفنانين فقط. هم يحاولون تعديل قِيَمنا كي تتماشى مع قيم الآخرين لجعلها مقبولة. هذا الوضع بدأ يُجرّدنا من براءتنا، نحن الفنانين. نستطيع أن نلجأ إلى الأعمال الفنية لإطلاق نقاش يصعب خوضه بطريقة مباشرة، لكن بدأت هذه النقاشات تتّخذ منحىً عدائياً أو عنيفاً أحياناً لدرجة يفضّل البعض معها الاختفاء أو وقف أعماله حفاظاً على سلامته لأنه موقف صعـب"، أشارت لبكي.

تــــحــــدّيــــات وهــــويّــــة

وتطرّقت المخرجة في إجاباتها الى التحدّيات التي واجهتها لدى تنفيذ أفلامها، مشدّدة على "نقلها وقائع شاهدتها بالعين المجرّدة قد أجرت أبحاثاً عنها في الكتب وغيرها" ومشيرة الى أن "الواقع يكون أحياناً أقسى من المشهد بكثير ولكن ذلك لا ينفي التأثير الذي يمكن أن يكون له على المشاهد، لا سيّما عندما نتعامل مع قصص حقيقية، فنحن مصنوعون لنتفاعل مع الآخرين، لنتحسّس آلامهم ولنتعامل مع هذه الآلام كأنها تمسّنا شخصياً".

وعن تمثيلها في الأفلام التي تخرجها أوضحت لبكي: "ككاتبة ومخرجة أنا أعرف جيداً ماهية الشخصيات التي أتعاطى معها عندما أخلقها كتابة، لذلك فمن الطبيعي أن تنتابني الرغبة في تمثيل الأدوار المذكورة وبالنسبة لي لا يتعدّى الأمر كونه مسألة لوجستية نستطيع دوماً حلّها وإيجاد طريقة لنكون في فيلمنا ولنصنع فيلماً جيداً في الوقت عينه، بالرغم من كونه أمراً معقّداً في الظاهر إلا أنه يساعدني على التقرّب أكثر من الممثلين".

وأشارت رداً على سؤال عن تراجع الصعوبات بعد تنفيذها عدة أفلام ناجحة الى أن الصعوبة اليوم "ليست في إخراج فيلم بل في الزمن نفسه الذي نعيشه والمرحلة التي يمرّ بها لبنان وكيفية التطرّق الى الواقع بمسؤولية، والمسألة إذاً هي حجم المسؤولية، وليست مسألة نجاح فيلم".

وتعليقاً على "كونها محفزاً للتغيير من خلال أفلامها"، قالت لبكي: "يقدّمني البعض كناشطة وذلك يفاجئني لأنني لم أخطط البتة لهذا الأمر. أنا كائن بشري معنيّ بمشاكل الآخرين، وقد قال أحدهم لا يمكن للعدالة أن تسود إلا عندما تغضب اللاعدالة الأشخاص غير المعنيين بها بمقدار ما تغضب الذين تعرّضوا لها؛ وهذا ما أحاول فعله من خلال أعمالي، إذ لا يمكنني أن أرى الظلم وأكمل حياتي وكأن شيئاً لم يكن، بل يدفعني الأمر الى البحث والتوغّل عميقاً في الموضوع من أجل فهم أكبر، ومن أجل فعل شيء حيال الواقع المعيّن، فالسينما إذاً هي وسيلتي للتعبير عن تضامني العميق مع هذه القضايا ومع أصحابها الذين يعانون، وهي محفّز للتغيير".

وفي سؤال حول دور صانعي الأفلام في أن يعكسوا الهوية اللبنانية في أفلامهم اعتبرت لبكي أن ذلك لا يحصل للأسف دوماً. "تتعدّد التجارب والمغامرات في السينما اللبنانية. بعضها يتماشى مع الهوية اللبنانية، وبعضها الآخر لا يفعل. ما يجب أن نفعله هو أن نرسّخ تلك الهوية قدر الإمكان وألا ننكرها وأن نفهم حقيقة ما يُميّزنا كلبنانيين. ما هي هويتنا الحقيقية؟ يجب أن نتعمّق في هذا الموضوع. لا متعة في نسخ أعمال سينمائية أخرى أو هويّات أخرى. يمكننا أن نستعمل هذه الأداة كعدسة مُكبّرة لتحسين المجتمع اللبناني والشخصية اللبنانية والهوية اللبنانية. إنها تجربة مثيرة للاهتمام لأنها تعكس هوية مميزة ويجب أن نتقبّلها بدرجة إضافية. نحن نميل أحياناً إلى نسيانها أو إنكارها لأننا نريد تقليد الغرب أو تبنّي العادات الغربية. نحن خليط من الثقافات الغربية والشرقية ويجب أن نتقبّل هذا الجانب"، ختمت لبكي.




MISS 3