د. علي خليفة

مانيفست للإعتراض الشيعي

4 تموز 2023

02 : 00

هذا البيان ليس اعتراضاً عابراً على تحولات الصيغة الطائفية اللبنانية وصولاً إلى الشيعية السياسية التي اختزلت الطائفة الشيعية بالثنائي «أمل» و»حزب الله»، وصادرت قضايا الوطن كالمقاومة بموجب وكالة حصرية للثنائي الشيعي، وانتزعت اللبنانيين الشيعة من أقوامهم ووهبتهم للنفوذ العابر للحدود، وساهمت في تحلّل مؤسسات الدولة وتجويف الممارسة السياسية وتعميم الخراب.

هذا البيان ليس توصيفاً مطوّلاً لمظاهر الولاء والطاعة، ومسلسل الترغيب والترهيب وتقنين الخدمات والمساعدات التي أنسَت المواطنين ما لهم من حقوق، حتى صاروا مستلبي الإرادة وأدنى مقومات الحياة وتحقيق الذات.

هذا البيان ليس نذيراً من تمدّد التعبئة التربوية لتطال، تحت غطاء حرية التعليم، أجيالاً يتمّ غسل دماغها واستبدال ولائها وسلامها الوطني بالولاء للخامنئي والسلام فرمانده... فأصبح للشيعة نظام تربوي رديف لنظام التعليم اللبناني، كما أصبح لهم، في ذات السياق، نظام مالي ونقدي رديف عماده أموال الخمس وتجارة الكبتاغون وغسيل الأموال، ونظام استشفائي رديف تحمله الهيئات الصحية، ونظام قضائي رديف تسيّره الفتاوى... فضلاً عن النظام الأمني والعسكري المتمثّل بالأجنحة العسكرية لإيران والحرس الثوري.

هذا البيان هو إعلان اعتراض ثابت على الشيعية السياسية من داخل الطائفة الشيعية، لا من أجلها وحدها، بل من أجل لبنان. إعلان اعتراض دائم حتى ينفكّ أسر الطائفة الشيعية ويعود الشيعة إلى قضايا الوطن ضمن حدوده السياسية وفي إطار الدولة المدنية كجهاز ناظم للمجتمع.

يطال هذا الإعتراض إقصاء النخب ومصادرة دورها وثقافة الموت وصولاً إلى الإعتراض على التعامل مع الطائفة الشيعية من خلال الثنائي «أمل» – «حزب الله» والعمل على تحرّر الطائفة الشيعية كشأن وطني تنخرط فيه كل الطوائف.

إعتراض على إقصاء النخب

كانت حركة الإمام السيد موسى الصدر لنصرة المهمّشين والمحرومين تندرج في إطار النضال الإجتماعي، فالتفّ حوله المهمشون والمحرومون من جميع الطوائف. لم يكن في الحسبان أن يتحول هذا النضال الإجتماعي ذو البعد الوطني إلى مشروع سلطة تحمله جماعة طائفية. أكثر من ذلك، انقلبت نصرة المهمّشين والمحرومين في الطائفة الشيعية إلى إقصاء النخب الإجتماعية والسياسية عن مراكز القرار الحزبية وفي الدولة. ففرغت المواقع القيادية من النخب وأصحاب العلم والكفاءة.

والأمثلة كثيرة على خلو المواقع الشيعية الحزبية والرسمية من أصحاب الكفاءة العالية والإنجازات الرفيعة ليحلّ محلّهم من هم بمواصفات متدنية ويدينون بالولاء الأعمى والطاعة لأولياء نعمتهم بعدما كانوا حتى الأمس القريب في عداد المهمشين والمحرومين. أدى ذلك إلى إحكام الخناق على كافة المستويات الحزبية والرسمية للطائفة الشيعية، بالتوازي مع تصحّر كبير في العمل والإنجاز حيث لا تظهر أي بادرة تجديد أو تطور في ظل إقصاء النخب ومصادرة دورها.

«الموت لنا عادة» عنوان حادثة تاريخية فرضتها أسباب عرضية. وهي بالتالي ليست ثقافة متمحورة حول الموت تطال يوميات المواطن الشيعي في كل مناسبة وتُغرق بالسواد الشوارع، ويتم استغلالها في كل ظرف للتحشيد وللتجييش. إنّ إعادة قراءة ذكرى عاشوراء وواقعة كربلاء تدفع باتجاه استخلاص القيم والمبادئ العامة الداعية إلى مناهضة الظلم ورفض التطبيع معه. ومن هذا المنطلق، فإنّ عاشوراء ليست مشروع سلطة ولا الإمام الحسين طامع بالحكم. إنّ الحث على التضحية بالنفس من خلال استخدام عناصر الثقافة العاشورائية في أي مشروع سلطة انقلاب على قيم عاشوراء والإمام الحسين.

تحت وطأة الأرقام التي تعكس اكتساح لوائح الثنائي في الإنتخابات، يجري التعامل مع الطائفة الشيعية من خلال الثنائي «أمل» – «حزب الله». إن في هذا الأمر ظلماً على أحرار الطائفة الشيعية كما على الطائفة ككلّ. ومن حلقات هذا الظلم، غداة الإنسحاب السوري من لبنان، طعنة الإتفاق الرباعي الذي أطاح بالأصوات المتمايزة داخل الطائفة الشيعية. وعلى مستوى الطائفة ككل، فإنّ أرقام الإنتخابات في مناطق الثنائي «أمل»– «حزب الله» لا تعكس بالضرورة التوافق والتفويض والمبايعة، بل جزء كبير من هذه الأصوات يأتي مقابل خدمات مقدّمة قبل وخلال الإنتخابات تحت طائل فقدانها، ومقابل ترهيب كبير يمارسه الثنائي على الناس وفي أقلام الإقتراع التي تشبه المكاتب الحزبية وتغيب عنها المراقبة والنزاهة.

إن مسألة التحرر الشيعي يجب أن تكون خياراً مطروحاً من قبل جميع الطوائف اللبنانية فتسعى إلى العمل من أجل تحقيقه. ويقتضي الأمر أن تحمل كلّ الطوائف ومن فيها من أحزاب وتيارات مشروع تكريس التمايز في البيئة الشيعية وخرق جدار الثنائي. قد يتمثل المشروع في تأييد أفراد مستقلين داخل الطائفة الشيعية، أو أن تتمثل الأحزاب السنية أو الدرزية أو المسيحية بشيعي من خارج مظلة الثنائي. لأن التحرر الشيعي بما يعنيه من عودة الشيعة إلى قضايا الوطن وفي إطار الدولة، هو خيار السنة والدروز والمسيحيين أيضاً.

(*) أستاذ جامعي باحث في شؤون المواطنة والتعدّدية وناشط سياسي


MISS 3