وليد شقير

تحرّك أميركي استباقاً لأي تصعيد

5 تموز 2023

02 : 05

لأنّ جهود ملء الفراغ في الرئاسة في إجازة طويلة، لأسباب تتعلق بالانسداد الداخلي أو بانتظار الحراك الخارجي سواء ما يتناول التفاوض على التسويات أو تبادل الضغوط بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، يرتفع منسوب القلق من الفلتان الداخلي على الصعيد الأمني، والحوادث التي مرت على البلد شاهد عليه.

لا يقتصر القلق على الفلتان الأمني في الداخل. فالبلد أفلت من عقاله إدارياً وسياسياً ودستورياً، ما يجعله ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات داخلياً وخارجياً، بغياب مؤسسات الحكم عن إدارة شؤونه، حتى لو تظاهر بعض القيّمين عليه بأنهم يقومون بواجبهم. إذ أنّ فراغ المؤسسات، نتيجة شغور الرئاسة، استفحل إلى درجة أنّه صار مستباحاً أمام كل أنواع المفاجآت.

أحد مظاهر القلق هو أنّ تفلت الأمور من عقالها على الحدود الجنوبية، التي تشهد تصعيداً لإجراءات إسرائيلية، سواء في بلدة الغجر أو في منطقة مزارع شبعا وكفرشوبا، تقابلها خطوات للمقاومة. يحرّك هذه المخاوف عاملان يثيران القلق:

الأول هو الخشية من لجوء بنيامين نتانياهو إلى مواجهات عسكرية خارجية، كعادة قادة الكيان، هروباً من أزمته الداخلية جراء تنامي المعارضة الشعبية للتعديلات الإصلاحية التي طرحها على النظام القضائي من جهة، وجراء المزايدة على المتطرفين الذين شاركهم الحكومة ولا سيما وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير من جهة ثانية. فالأخير منذ دخوله الائتلاف الحكومي، باشر حرباً على فلسطينيي 1948 وللاستيلاء على السيادة على المسجد الأقصى. ويأمل نتانياهو من توسيع المواجهة العسكرية توحيد الإسرائيليين خلفه في زمن الحرب، وفي جموحه نحو زيادة الاستيطان اليهودي.

أمّا العامل الثاني للخشية من جر نتانياهو المنطقة إلى مواجهة عسكرية، مع مخاطر أن يكون لبنان أحد ميادينها، هو اعتراضه على المسودة الأولية التي قيل إنّ الولايات المتحدة الأميركية توصلت إليها في مفاوضاتها المباشرة والسرية مع إيران في سلطنة عُمان في الأسابيع الماضية حول النووي، وتتناول الإفراج عن رهائن أميركيين، وعن أرصدة إيرانية في كوريا والعراق لنسفها... فالدوائر الإقليمية والدولية تبقي على رصدها لأفعال وتصريحات القادة الإسرائيليين الحاليين، بالتهديد بعمل عسكري على الأقل ضد أذرع إيران في المنطقة، بحيث تشتعل الجبهات الفلسطينية والسورية، والأخيرة ملتهبة أصلاً بالضربات الجوية ضد المواقع الإيرانية في بلاد الشام.

في الأشهر الماضية وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي آلته العسكرية ضد الفلسطينيين، وينشِّط بالحديد والنار خطط تهجيرهم وقمعهم في الضفة الغربية، في إطار الهدف الاستراتيجي لتهويد القدس. في هذا السياق تحصل الحرب ضد مخيم جنين الفلسطيني منذ أيام. ومرة أخرى يقف الشعب الفلسطيني وحده في وجه هذه الآلة بتصميم منقطع النظير يقوده جيل جديد من المقاومين الشباب الذين أفرز صلف الاحتلال ووحشيته ورغبته في محو هويتهم وإهانتهم وإخضاعهم، الصلابة التي يتمتعون بها... كل ذلك وسط انتقادات غربية خجولة وعجز عربي، إزاء خطوات إسرائيل.

المخاوف من جرّ لبنان إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل لا تقف، بالنسبة إلى بعض دوائر القرار والمحللين، عند حدود ما ينويه نتانياهو، بل تتعداها إلى الخشية من أن تلجأ طهران إلى الإفادة من تصعيد إسرائيل حيال الفلسطينيين، إلى توتير الجبهات إذا لم تصل مفاوضاتها مع واشنطن إلى الهدف الذي تريده، وخصوصاً الإفراج عن الأرصدة المالية. فلطالما كانت لإيران يد في إشعال الجبهات مع الدولة العبرية، انطلاقاً من غزة أو غيرها، أو من لبنان، وفق قناعة خصوم محور «الممانعة»، لأسباب تتعلق بانسداد التفاوض على النووي، أو لتوجيه رسائل محددة لأميركا أو لدول الغرب. إلا أنّ نتانياهو «يشتري» في الظروف الدولية الراهنة شبه السكوت الغربي عنه بما يهم واشنطن وسائر أوروبا هذه الأيام، أي الوقوف معها في دعم أوكرانيا بالأسلحة ضد روسيا.

الخشية من انفلات الأمور على الجبهة اللبنانية لأي من الأسباب المذكورة، تحرّكت أمس السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في سياق اتصالات أميركية إقليمية من أجل ضمان الهدوء على سائر الجبهات. وثمة ذرائع قائمة في هذا الصدد، من إقامة خيمتين داخل المنطقة المحتلة من مزارع شبعا، وتحريك الجيش الإسرائيلي السياج التقني هنا وهناك، وقطع أشجار في حولا... إلى آخره من حوادث.

يبدو أنّ السفيرة شيا أثارت مع رئيس البرلمان نبيه بري أمس، أهمية استمرار الهدوء على الجبهة اللبنانية، وتجنّب أي تصعيد، لأنّ واشنطن لا تريد للتوتر أن يتصاعد، أو يتسبب بمواجهة. وبالنسبة إلى لبنان يعتقد الجانب الأميركي أنّه طالما هناك مرجعية الخط الأزرق، وقوات «اليونيفيل»، واللجنة الثلاثية العسكرية اللبنانية الدولية الإسرائيلية التي تلتقي دورياً في الناقورة لمعالجة إشكالات الحدود، يفترض الاستناد إليها لإبقاء الأمور تحت السيطرة منعاً لأي تصعيد.


MISS 3