الزمن كان أبطأ بخمس مرّات في أولى مراحل نشوء الكون

02 : 00

نظراً إلى الأثر الغريب الذي تعطيه السرعة الإتجاهية على مستوى مرور الزمن، توحي ملاحظات العلماء بأن الزمن بدا أبطأ مما هو عليه اليوم حين كان الكون حديث العهد.

هكذا كان الوضع على الأقل على بُعد 13 مليار سنة. تُسمّى هذه الظاهرة «تمدّد الزمن»، وقد رصد عالِم الفيزياء الفلكية جيرانت لويس من جامعة سيدني في أستراليا، وخبير الإحصاء براندون بروير من جامعة أوكلاند، هذه العملية في مراحل مبكرة من نشوء الكون للمرة الأولى عبر دراسة تقلبات المجرات الساطعة المعروفة باسم «مجرات النجوم الزائفة» خلال الفجر الكوني.

نظراً إلى تسارع توسّع الكون، تتلاحق تلك التقلبات على ما يبدو بمعدل أبطأ بخمس مرات مما كان ليحصل على مسافة أقرب.

إنها أبعد مسافة تشهد ظاهرة تمدّد الزمن، وقد تحلّ هذه العملية مشاكل عدة. هي تثبت أن النجوم الزائفة تتماشى مع ذلك الأثر في مساحات شاسعة من الزمان المكاني، ما يعني أنها لا تتوافق مع نموذج علم الكون الاعتيادي فحسب، بل يمكن أخذ تمدد الزمن بالاعتبار عند دراسة سلوكها أيضاً.

ثمة رابط وثيق بين الزمان والمكان في الكون، مع أننا قد لا نلاحظه في حياتنا اليومية. يمكننا أن نرصد تمدّد الكون المتسارع إنطلاقاً من هذا الرابط بالذات. يمتد الضوء المنبثق من مسافات أبعد تزامناً مع توسّع المساحات، فينتقل باتجاه أطوال موجية أطول وأكثر احمراراً كلما طالت المسافة. تُسمى هذه الظاهرة «أثر دوبلر»، ويمكن اختبارها على كوكب الأرض أيضاً.

يمرّ الزمن بشكلٍ طبيعي في حياة البشر. ويبدو أن إيقاعه يبقى طبيعياً أيضاً بالنسبة إلى أي كائن قريب من انفجار المستعر الأعظم (سوبرنوفا). لكن نظراً إلى السرعة الاتجاهية النسبية بين النقطتَين، يبدو أن انفجار السوبرنوفا يحصل بإيقاع متباطئ.

توقّع البعض أن تحمل النجوم الزائفة في أولى مراحل نشوء الكون أثراً مشابهاً، لكنها تشكّل أنواعاً مختلفة من الأجسام مقارنةً بالسوبرنوفا. تكون مجرات النجوم الزائفة مزوّدة بثقب أسود عملاق في وسطها، وتنتج عملية الالتهام فيها كمية كبيرة من الضوء حين تسخن المادة المحيطة بالثقب الأسود، فتبدأ بالخفقان.

يقول لويس: «تنشط السوبرنوفا وكأنها ومضة ضوئية واحدة، ما يُسهّل دراستها، لكن تكون النجوم الزائفة أكثر تعقيداً، بما يشبه عرضاً متواصلاً للألعاب النارية. قمنا باستكشاف هذا العرض وأثبتنا أن النجوم الزائفة يمكن استعمالها أيضاً كمؤشرات نموذجية على خصائص الزمن في أولى مراحل نشوء الكون».

حلّل لويس وبروير عيّنة من 190 نجمة زائفة منذ فترة تتراوح بين 2.45 و12.17 مليار سنة (حصل الانفجار العظيم منذ 13.8 مليار سنة). إمتدت البيانات المرتبطة بنطاق واسع من الأطوال الموجية على فترة زمنية تصل إلى عقدَين من الزمن. جمع العلماء حوالى مئتي ملاحظة عن كل نجم زائف، ما سمح بإعادة بناء تقلباتها بالتفصيل.

في السابق، ظنّ العلماء أن تقلبات النجوم الزائفة لم تحمل آثار تمدد الزمن، لكن كانت العيّنات المستعملة صغيرة وخضعت للمراقبة خلال فترة زمنية محدودة.

من خلال زيادة عدد النجوم الزائفة وإطالة مدة المراقبة الآن، إكتشف الباحثان أن تلك النجوم تخفق بإيقاع بطيء مقارنةً بالنجوم الزائفة الأكثر حداثة.

في النهاية، يستنتج لويس: «دفعت الدراسات السابقة بالناس إلى التشكيك بطبيعة النجوم الزائفة والتردد في اعتبارها أجساماً كونية، حتى أنهم شككوا بمفهوم توسّع الفضاء. لكن تسمح هذه البيانات والتحليلات الجديدة باكتشاف الآلية الكامنة في النجوم الزائفة، ويبدو أنها تتصرف بالشكل الذي تتوقعه نظرية النسبية لأينشتاين».

نُشـرت نتائج البحـث في مجلـة «ناتشر أسترونومي».


MISS 3