ميشيل باربيرو

الإتحاد الأوروبي يبني جداراً مضاداً للهجرة...بالقانون على الأقلّ

5 تموز 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

جثث الضحايا بعد غرق قارب يحمل مهاجرين في البحر الأيوني - اليونان (15 حزيران 2023)

في ظل استمرار تراكم جثث الضحايا الجدد لمراكب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، حيث أصبح المئات في عداد المفقودين أو القتلى بعد غرق سفينة صيد قبالة الساحل اليوناني في الأسبوع الماضي، يتّجه الاتحاد الأوروبي إلى تمرير إصلاح جارف وتشديد قواعد الهجرة فيه. مجدداً، يظنّ النقاد أن حقوق طالبي اللجوء لم تعد تحتل الأولوية.



أصبحت المفاوضات قيد التنفيذ في بروكسل لإعطاء موافقة نهائية على صفقة كبرى صادق عليها وزراء الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي، في وقتٍ سابق من هذا الشهر، وهي تشمل تشديد الإجراءات وتسريعها في بعض ملفات طالبي اللجوء، وتخفيف قواعد ترحيل مقدّمي الطلبات المرفوضين، ونقل حوالى 30 ألف طالب لجوء سنوياً من بلدان الخط الأمامي، مثل إيطاليا، واليونان، وإسبانيا، إلى دول أعضاء أخرى في الاتحاد. ستضطرّ البلدان الداخلية التي ترفض المشاركة في هذه الخطة لدفع 20 ألف يورو عن كل شخص ترفضه، وستتجمّع هذه المبالغ المالية في صندوق تديره المفوّضية الأوروبية. لم تتّضح بعد طريقة إنفاق تلك الأموال النقدية، لكن يظنّ الكثيرون أنها ستُستعمَل للتعويض على الأعضاء الجنوبيين أو لدعم جهود السيطرة على الحدود والتنمية الاقتصادية في دول المغادرة.



في هذا السياق، تقول ستيفاني بوب، مستشارة في سياسة الاتحاد الأوروبي للهجرة في منظمة «أوكسفام إنترناشونال»: «في المحصّلة، تجازف هذه الاقتراحات بتفاقم النقص المزمن وانتهاكات حقوق الإنسان داخل نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي بدل تحسين هذه المعايير».



كما يحصل في الولايات المتحدة، لطالما كانت الهجرة مسألة سياسية شائكة في الاتحاد الأوروبي، إذ تطالب البلدان الجنوبية في الخط الأمامي بمساعدات إضافية، بينما يشتكــــــــــــــــــــي أعضاء آخرون مثل ألمانيا وفرنسا من السماح لعدد مفرط من طالبي اللجوء بالتجوّل بكل حرية داخل دول الاتحاد، بدل إنهاء ملفاتهم منذ وصولهم بموجب القواعد المعمول بها راهناً. أصبحت هذه المسألة في الفترة الأخيرة محور بعض الخلافات الدبلوماسية الجدّية. في شهر أيار الماضي، ألغى وزير الخارجية الإيطالي رحلة مقررة إلى باريس بعدما اتّهم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين إيطاليا «بالعجز عن تحمّل ضغوط الهجرة» والسماح بمرور عدد مفرط من المهاجرين غير الشرعيين إلى فرنسا.



لا يزال عدد الوافدين أقل بكثير من الرقم القياسي الذي تسجّل في ذروة أزمة الهجرة التي شهدتها أوروبا في العام 2015، حيث تجاوز عددهم عتبة المليون مهاجر، لكن بدأ هذا الرقم يتصاعد راهناً ويزيد الاضطرابات سوءاً.



وفق أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وصل أكثر من 66 ألف شخص إلى أوروبا بين كانون الثاني وأيار، ما يشير إلى زيادة بنسبة 60% مقارنةً بالفترة نفسها من العام 2022. كذلك، مات 1159 شخصاً على الأقل أو أصبحوا في عداد المفقودين خلال تلك الرحلات حتى هذه المرحلة من السنة الحالية.



وبما أن الأغلبية الساحقة من المهاجرين تصل إلى إيطاليا، تُعتبر الآلية الجديدة لإعادة توزيعهم بين الدول الأعضاء تنازلاً مهماً لصالح رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتطرّفة، جورجيا ميلوني، التي وصلت إلى السلطة في السنة الماضية بعد التعهّد بكبح موجات الهجرة ورفع صوت إيطاليا في بروكسل.



في هذا الإطار، تقول لورينا ستيلا مارتيني، محللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في روما: «مجرّد اعتبار هذه المسألة أوروبية بطبيعتها، ما يعني ضرورة التعامل معها بطريقة جماعية، هو انتصار لإيطاليا».



اعتبر كبار المسؤولين في بروكسل هذا الاتفاق، الذي يضع حداً لأزمة امتدّت على سنوات، «خطوة تاريخية». يجمع الإصلاح الذي يجري عليه العمل راهناً بين «مساعدة المحتاجين إلى حماية دولية، ومنع عمليات الهجرة غير الشرعية، ومحاربة شبكات التهريب الإجرامية، وتأمين مسارات شرعية وآمنة للمهاجرين، وإعادة من لا يملكون الحق في البقاء».

لكن يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان بالقلق ممّا يحصل. بموجب تنازل آخر لصالح إيطاليا، تسمح مسودة الاتفاق برفض استقبال طالبي اللجوء إذا كانت إعادة توجيههم نحو «بلد آمن ثالث» خارج دول الاتحاد الأوروبي ممكنة. وفق القواعد الجديدة، يجب أن يحصل شكل من التواصل بين المهاجرين والبلدان التي يتم إرسالهم إليها، لكن يحق للدول الأعضاء الفردية، لا بروكسل، أن تقرّر مستوى الالتزام بالمتطلبات المستجدة في نهاية المطاف. يشعر النقاد بالقلق من أن تُمهّد هذه الخطوة لنقل المهاجرين عشوائياً إلى أماكن تحمل سجلات شائكة في مجال حقوق الإنسان. تقول ستيفاني بوب: «توحي هذه الإجراءات بفكرة بسيطة: سنُسهّل عليكم ترحيل الناس».



لطالما كان ترحيل المهاجرين بعد رفض طلبات اللجوء عملاً شائكاً. يتعلق جزء من السبب بغياب التعاون مع بلدان المنشأ. تذكر أرقام المكتب الإحصائي الأوروبي أن أقل من ربع الأشخاص الذين تلقّوا أمراً بالرحيل في العام 2022 (يفوق مجموعهم 422400 ألف شخص) تم ترحيلهم على أرض الواقع. وبما أن جزءاً كبيراً من الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية يغادر من تونس في الوقت الراهن، يشتبه الكثيرون في أن حكومة ميلوني ستستعمل هذه القواعد المتساهلة لمحاولة إعادة المهاجرين إلى هناك مقابل مساعدات مالية معيّنة وبغض النظر عن انزلاق البلد نحو الحُكم الاستبدادي في عهد الرئيس قيس سعيد.



يواجه سعيد تُهَماً باعتقال خصومه السياسيين، وإضعاف استقلالية السلك القضائي، وتنظيم حملات عنصرية ضد السكان السود. لكنّ هذه العوامل كلها لم تمنع القادة الأوروبيين من محاولة استرضائه رغبةً منهم في كبح موجات الهجرة. قامت ميلوني بزيارته مرتَين هذا الشهر، وقد رافقتها في إحدى المناسبات رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أعلنت أن المفوضية تفكّر بتقديم مساعدات تفوق قيمتها المليار يورو مقابل تحسين السيطرة على الحدود وتشديد التدابير التي تقمع تهريب البشر.



هذه ليست المرة الأولى التي تغدق فيها سلطات الاتحاد الأوروبي الأموال النقدية على أنظمة شائكة، في محاولة منها لإبقاء موجات الهجرة تحت السيطرة. تدفع إيطاليا والاتحاد الأوروبي أصلاً عشرات ملايين اليورو إلى السلطات الليبيــــــــــــــــــــــــة لمساعدتهم على اعتــــــــــــراض القوارب المتّجهة إلى أوروبا، وبغض النظر عن التقارير التي تتطرق إلـــــــــــــى زيادة الانتهاكات الحاصلة في مراكز الاحتجاز الليبية. كذلك، تلقّت تركيا المليارات كجزءٍ من اتفاق تم إبرامه في العام 2016 لإبقاء المهاجرين السوريين خارج الاتحاد الأوروبي، مع أن الحقوق الأساسية ليست مضمونة في هذا البلد.





على صعيد آخر، كانت الإجراءات المُسرّعة التي وافق عليها وزراء الداخلية في الاتحاد الأوروبي خلال هذا الشهر مفاجئة، فهي تفرض على دول الخط الأمامي إنشاء مراكز احتجاز جديدة على الحدود تَسَع حوالى 30 ألف شخص، وإنهاء معاملات طالبي اللجوء بسرعة تزامناً مع تراجع فرص منح صفة اللجوء، لا سيما في حالة حاملي الجنسيات التي يتراجع معدل الموافقة عليها إلى أقل من 20%. لكن لا يذكر الاتفاق نوع الموارد المخصصة لإدارة المنشآت الجديدة وتسريع الإجراءات. يشعر الكثيرون بالقلق أيضاً من أن تتحول تلك المراكز في نهاية المطاف إلى معسكرات مشابهة للسجون التي تم بناؤها حديثاً بتمويل من الاتحاد الأوروبي في اليونان، فقد اعتبرها الزعيم اليوناني اليميني كيرياكوس ميتسوتاكيس «مثالية»، لكنها تخضع في الوقت الراهن للتحقيق على يد أهم هيئة رقابة في الاتحاد الأوروبي بسبب تقارير عن تلقي السجناء كميات غير كافية من المياه والرعاية الصحية والدعم القانوني.

توضح بوب: «لم نفهم بعد كيف يمكن اعتبار هذا النموذج فاعلاً لدرجة أن يتم تطبيقه الآن في أنحاء الحدود الأوروبية».



يشعر المسؤولون في الاتحاد الأوروبي بالتفاؤل بشأن الاقتراحات التي تتّجه للتحوّل إلى قانون رسمي خلال بضعة أشهر، مروراً بالعملية التشريعية المعقّدة في الاتحاد، لكن لا بدّ من التخلص من عوائق كثيرة أولاً. صادق معظم وزراء الداخلية على هذه الخطة، لكن بدأت المفاوضات للتوّ بين ممثّلي الحكومات الوطنية، والبرلمان الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، للتوصل إلى موقف موحّد، ولا بدّ من التصويت على القرار مجدداً في المرحلة اللاحقة.



لكن حتى لو أصبحت هذه الخطة سارية المفعول، تتعدّد العقبات التي تحول دون تنفيذها بشكلٍ عملي. فُرِضت آلية إعادة التوزيع بين الدول الأعضاء رغم المعارضة الشرسة التي أبدتها الحكومات اليمينية المتطرفة في بولندا والمجر. تستضيف بولندا في الوقت الراهن مليون لاجئ من أوكرانيا، وسبق وأعلنت أنها لن تفتح أبوابها أمام المزيد من المهاجرين القادمين من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي ولن تدفع أي مساهمات نقدية إضافية.



لن تكون هذه الخطة أول تجربة تُطبّق هذا النوع من نظام الحصص وتضعه في إطار الإنجازات قبل أن يتم تجاهلها بشكلٍ شبه كامل. فُرِضت خطة مشابهة لنقل حوالى 160 ألف لاجئ بدعمٍ من قادة الاتحاد الأوروبي في العام 2015، لكنها ترافقت مع ترحيل أقل من 35 ألف شخص ولم تستقبل المجر وبولندا حينها أياً منهم. كذلك، أدى برنامج إعادة توزيع المهاجرين طوعاً، بموافقة دول الاتحاد الأوروبي في السنة الماضية، إلى نقل أقلّ من 1500 شخص حتى الآن، مع أن العدد المستهدف يبلغ 8 آلاف.



في النهاية، تقول مارتيني: «يجب أن نعرف الآن إلى أي حد ستكون آلية التضامن فاعلة».

MISS 3