جيريمي هودج

تمرّد مجموعة فاغنر قد يقوّي إيران في سوريا

7 تموز 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

بوتين خلال لقاء افتراضي لمناقشة موضوع سوريا مع قادة إيران وتركيا | 1 تموز 2020

حين بدأت عملية التمرد التي أطلقها يفغيني بريغوجين في مدينة «روستوف أون دون» الروسية، في 23 حزيران، ألقت الشرطة العسكرية الروسية في سوريا القبض على أربعة من كبار القادة في «مجموعة فاغنر» على الأقل وأرسلتهم إلى قاعدة «حميميم» الجوية، في الساحل الغربي السوري، كتدبير احترازي. تتعدد المصادر التي ذكرت أنهم لا يزالون محتجزين في منشأة مغلقة في «حميميم»، لكن ما من مؤشر علني حتى الآن على مكان وجودهم. تشمل قاعدة «حميميم» آلاف الجنود والمتعاقدين الروس، وتُعتبر مركز القيادة والتحكم الروسي في سوريا ومقر الخدمات اللوجستية لجميع عمليات «فاغنر» في الخارج.



في الوقت الراهن، تشمل «فاغنر» بين ألف وألفَي عنصر في سوريا، وهم جزء من شبكة أكبر حجماً فيها أكثر من 10 آلاف متعاقد عسكري محلي من القطاع الخاص. يقدم هؤلاء المساعدة لحراسة البنية التحتية الخاصة بإمدادات النفط والغاز والفوسفات في صحراء البلد.

وبما أن روسيا تُعتبر واحدة من أبرز مصدّري الطاقة والسلع في العالم، تبقى العائدات المكتسبة من موارد سوريا الطبيعية ضئيلة بالنسبة إلى الدولة الروسية. لكن يعتبرها النظام السوري في المقابل مصدراً بالغ الأهمية للعملات الأجنبية، وتحصل روسيا على نفوذ كبير بسبب سيطرتها عليها، ما يضمن لها ألا تتراجع دمشق عن التزاماتها الجيوستراتيجية للكرملين في أي ظروف بعد الحرب.

تشمل هذه الالتزامات الحفاظ على حق روسيا باستعمال قاعدة «حميميم» كمنصة لاستعراض قوتها في أفريقيا، والأهم من ذلك هو نشر سفن ذات قدرات نووية في ميناء طرطوس السوري. يُعتبر هذا الالتزام الأخير من أهم إنجازات موسكو الجيوستراتيجية منذ فترة السبعينات، وهو يسمح لروسيا بنشر نظام ردعها النووي على طول الجناح الجنوبي لحلف الناتو.

بغض النظر عن ما يقرره قادة «فاغنر» الفرديون في المرحلة المقبلة، يعني احتفاظ روسيا بنفوذها في دمشق ضمان ولاء آلاف المتعاقدين العسكريين السوريين بقيادة بريغوجين. قد تستغل إيران، منافِسة روسيا الأساسية، تعليق أو تقليص الحوافز التي تحصل عليها تلك القوات بسبب الارتباك السائد في موسكو، فهي تستطيع تحسين الأسلحة والرواتب التي يتلقاها هؤلاء المقاتلون.

في الوقت الراهن، يُعتبر مرتزقة «فاغنر» وشبكة المتعاقدين التابعة لهم في مواقع النفط والغاز في أنحاء سوريا جزءاً من بقايا أساسية خلّفها الاحتلال الروسي حتى الآن. تدعم عائدات مستقلة ومستدامة هذه الجماعة التي أثبتت حتى هذه المرحلة رفضها للعروض الإيرانية.

لكن إذا انهارت ركيزة أخرى من نظام بوتين، قد يتغير هذا الوضع فيتبع المرتزقة السوريون في «فاغنر» مسار عدد كبير من عملاء روسيا السابقين. تكثر الأمثلة على ذلك.

في نيسان 2021، تجاهلت روسيا طلبات الدعم من ميليشيات تؤيدها القبائل وتحارب القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. فتح المقاتلون القبليون أبوابهم لإيران بعد تعرضهم للهزيمة والطرد من منازلهم، فسلّمتهم طهران كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمعدات واستبدلت الرواتب التي خسرتها هذه الجماعة.

كان اللواء الثامن في الجيش السوري الوحدة الأكثر ولاءً لروسيا داخل القوات المسلّحة في جنوب سوريا. لكن بحلول أواخر العام 2021، شعرت موسكو بالاستياء بسبب فشلها في إرسال قوات كافية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» واضطرارها لتخفيض الرواتب إلى النصف. في العام 2022، أوقفت روسيا جميع أنواع التواصل معهم، ويحارب اللواء الثامن راهناً لصالح مديرية الاستخبارات العسكرية السورية التي كانت سابقاً من أقوى عملاء إيران وهي متورطة في تهريب المخدرات إقليمياً، إلى جانب «حزب الله» وجماعات أخرى.

وفي تموز 2022، حصل خلاف بين موسكو والميليشيات التابعة لقوات الدفاع الوطني في شرق دير الزور بقيادة حسن الغضبان، بعدما فشلت روسيا في دفع رواتبهم طوال ستة أشهر. بعد فترة قصيرة، اندمجت تلك الجماعة مع الشعبة الرابعة التي تُعتبر من أهم الوحدات المدعومة من إيران في سوريا، بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، علماً أن تلك الوحدة تشرف على أهم عمليات تجارة المخدرات في سوريا.

إذا خسرت روسيا ولاء المرتزقة السوريين الذين يحرسون شبكات الطاقة في البلد، فلن تتمكن من إجبار الأسد على السماح للكرملين باستعمال الأراضي السورية لتهديد حلف الناتو والتوسّع في أفريقيا.

بعد هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العام 2018، أطلقت روسيا حملة عدائية لإصلاح الجيش السوري المتهالك، وكانت موسكو تأمل بهذه الطريقة في أن تقيم شراكة معه باعتباره أهم عميل لها في حقبة ما بعد الحرب. نتيجةً لذلك، حصل الجنرالات السوريون الناطقون باللغة الروسية على الدعم، وطردوا مئات الضباط المرموقين، وصادروا الأسلحة والبطاقات العسكرية من الميليشيات المدعومة من إيران، واعتقلوا من يموّلونها.

أطلق هذا البرنامج موجة من العنف ضد القوات الروسية وعملائها على يد الجماعات المدعومة من إيران، فقد رفضت هذه الأخيرة التخلي عن أسلحتها وقررت تسريع تسللها إلى المؤسسات السورية.

بحلول العام 2020، استسلمت روسيا. بسبب الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة «كوفيد- 19» والفشل في فرض أي شكل من النظام، خفّضت وزارة الدفاع الروسية جهودها ولجأت إلى شبكتها الخاصة من المتعاقدين العسكريين لبناء قوة غير نظامية تسمح بإدارة مصالحها المتراجعة.

تَسارع هذا التحول بسبب موقف روسيا العدائي من تركيا، علماً أن موسكو خاضت صراعَين منفصلَين مع عملاء الأتراك في العام 2020، فأصبحت الحاجة مُلحّة إلى مجندين جدد.

بين كانون الأول 2019 وآب 2020، جنّدت «مجموعة فاغنر» آلاف المرتزقة السوريين، عبر أكثر من 12 شركة أمن خاصة، للقتال في ليبيا ضد الحكومة المدعومة من تركيا، إلى جانب أمير الحرب المنشق خليفة حفتر.

خلال القتال، سيطرت «فاغنر» على حقلَين واسعَين للنفط ومنشآت تصدير ومُجمّع للبتروكيماويات، وقد استعملت الجماعة هذه المواقع للتلاعب بأسواق الطاقة بطريقة انتقائية عبر فرض الحصار. خلال الفترة نفسها، شاركت الميليشيات المدعومة من «فاغنر» في صراع أقصر ضد ثوار مدعومين من تركيا في منطقة إدلب السورية، ما أدى إلى استيلاء نظام الأسد على أراضٍ واسعة.

بعد هذه الحملات، اضطرت روسيا للتحرك مجدداً، ضد «الدولة الإسلامية» في وسط سوريا هذه المرة. خلال الأشهر الثمانية بين آب 2020 وآذار 2021، خرجت الجماعة من مناطق نائية من الصحراء وقتلت أكثر من 460 جندياً ومدنياً وأصابت مئات الأشخاص. تركّزت معظم تلك الاعتداءات في محيط محطات معالجة الغاز وحقول النفط، وهي محاولة أطلقتها «الدولة الإسلامية» لابتزاز الشركات التي تدير إنتاج تلك الإمدادات.

طرحت اعتداءات «الدولة الإسلامية» تهديداً مباشراً على مصالح روسيا الأساسية، واستنزفت موسكو جميع خياراتها للرد عليها. عاد المتعاقدون العسكريون الذين استُعمِلوا لتجنيد السوريين للقتال في ليبيا إلى جميع أنحاء البلد، وراح المجندون يتدربون في بلدة السقيلبية ذات الأغلبية المسيحية الأرثوذكسية، في ضواحي الصحراء حيث جنّدت روسيا أكثر المرتزقة ولاءً لها. أصدرت وزارة الدفاع الروسية إنذاراً للوحدات الموالية لها داخل الجيش السوري: إما أن ترسل المقاتلين أو تتوقف الرواتب التي تصل إليها.

أخيراً، وللمرة الأولى منذ العام 2017، عقدت الوحدات الروسية التي تحارب في الصحراء شراكة مع عملاء إيران، بما في ذلك الميليشيات الشيعية الأفغانية. في أول ثلاثة أشهر من العام 2021، قصفت هذه القوة المختلطة والمدعومة من القوات الجوية الروسية تنظيم «الدولة الإسلامية»، فدفعت جزءاً كبيراً من المقاتلين إلى العراق أو المناطق الكردية في شمال شرق سوريا.

اليوم، يُعتبر الحفاظ على شبكة المرتزقة التي تطورت على مر العام 2020 أساسياً لإدارة احتياطيات الطاقة والفوسفات بسلاسة في سوريا، علماً أن تلك الاحتياطيات أصبحت منذ ذلك الحين على رأس أولويات روسيا. في غضون ذلك، استغلت إيران الفرصة لإضعاف موسكو المتهالكة وانتزاع عملاء سابقين لم يعد الكرملين قادراً على دعمهم.

يحارب عناصر «فاغنر» والسوريون المتعاقدون معهم لتحقيق المكاسب المادية لأنهم مرتزقة. يشعر البعض بدرجة من التعاطف مع روسيا أو يعتبرونها حصناً منيعاً ضد الطائفة الشيعية الإيرانية المتوسعة، لا سيما السكان المسيحيين الأرثوذكس في السقيلبية وبلدات مجاورة. لكن إذا سحبت موسكو دعمها لبريغوجين بالكامل، سيضطر جميع عملاء «فاغنر» لاتخاذ قرارات عملية.

من بين قادة «فاغنر» المعتقلين في سوريا منذ أواخر الشهر الماضي، تواجد اثنان منهما في قاعدة «حميميم»، وواحد في دمشق، وآخر في محافظة دير الزور الغنية بالنفط، والأخير في السقيلبية. إذا استمر اعتقالهم، قد يضطر المسيحيون في السقيلبية وجماعات أخرى لتقبّل عروض الإيرانيين المغرية.

كذلك، قد تصبح إيران قريباً في موقعٍ يسمح لها بتقديم هذا النوع من العروض. بعد أشهر من المفاوضات الهادئة، استأنفت الولايات المتحدة في أواخر شهر حزيران محادثات غير مباشرة مع طهران لاستكشاف خيار إعادة إحياء الاتفاق النووي أو استبداله باتفاق مؤقت. كإثبات على حُسن النوايا، وافقت الولايات المتحدة حديثاً على الإفراج عن 2.7 مليار دولار من ديون العراق للبنوك الإيرانية.

طلبت طهران بدورها الإفراج عن 7 مليارات دولار من ديون كوريا الجنوبية التي تجمدت سابقاً بسبب العقوبات، وعرضت إطلاق سراح مواطنين أميركيين محتجزين مقابل هذه الخطوة.

لكن قد يؤخّر موقف روسيا الضعيف في الوقت الراهن أي خطوات مؤثرة لكبح مسار بريغوجين في سوريا. لا يهدف الاحتلال الروسي إلى تحقيق الأرباح، وسيكون السماح لبريغوجين بمتابعة مساعيه لجمع ثروة متواضعة ثمناً بسيطاً مقابل استمرار وجود موسكو على البحر الأبيض المتوسط، وإلا قد يجازف الكرملين بإحداث شرخٍ سيسارع عملاء إيران إلى استغلاله قريباً.


MISS 3