رواد مسلم

ما السيناريو الأكثر ترجيحاً لسقوط "طائرة بريغوجين"؟

26 آب 2023

02 : 00

من موقع تحطّم طائرة «إمبراير ليغاسي» (أ ف ب)

لكي تسقط الطائرة المدنية «إمبراير ليغاسي» التي كانت تقل زعيم مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين ومساعده ديمتري أوتكين، إضافة إلى أفراد من «فاغنر»، بهذه الطريقة، وبحسب الفيديوات وشهود عيان، هناك أربعة إحتمالات. الأوّل، خلل فني ناتج عن عطل بالمحرّك، الذي هو مستبعد كون الطائرة فقدت عن شاشات الرادارات وأي عطل فنّي بالمحرّك لن يتسبّب بإطفاء أجهزة التتبّع إلّا في حالات انقطاع الكهرباء، وحتى بلا أي إمدادات كهربائية يمكن للمحرّك أن يعمل، وبالتالي يمكن للطيّار قيادة الطائرة إلى أقرب مطار والهبوط، لذلك الخلل الفني مستبعد.

الإحتمال الثاني، أن تكون الطائرة قد استهدفت بصاروخ مضاد للطائرات، ففي هذه الحالة لا يمكن لأي صاروخ إصابة طائرة على إرتفاع 8800 متر عن سطح الأرض دون تعرّضها لخراب شبه كامل، فالصواريخ البعيدة المدى هي بمستوى «سام 4» و»سام 5» التي يزيد وزن رأسها المتفجّر عن 200 كلغ، والذي يوجّه ذاتياً نحو أكثر المواقع الحرارية في الطائرة أي المحرّك أو العادم المتواجدين في الوسط الخلفي لطائرة بريغوجين، وبالتالي سيؤدي إلى تحطّم الطائرة بالكامل. لكن حسب فيديوات شهود عيان فإنّ الطائرة كانت بلا جانح واحد إلى أن ارتطمت بالأرض، فمِن المستبعد أن يكون سبب الحادث خارجياً.

الإحتمال الثالث أن تكون طائرة حربية قد أطلقت صاروخ جو - جو، وفي هذه الحالة نبقى ضمن افتراضية صاروخ أرض - جو الذي يدمّر كامل الطائرة، مع العلم أنّه كانت هناك طائرة مدنية ثانية قريبة من طائرة «فاغنر» وتابعة لمؤسّسة «فاغنر» أيضاً. وبما أنّ الأمن الذاتي لـ»فاغنر» يعتبر عالي المستوى، فإنّ وجود طائرتين يكون عادة للتمويه وبالتالي من الصعب جدّاً تحديد الطائرة التي تقلّ بريغوجين وتدميرها بصاروخ مضاد للطائرات أو صاروخ جو - جو.

أمّا الإحتمال الرابع والأخير، فأن يكون السبب داخلياً من خلال تفخيخ الطائرة قبل إقلاعها في أحد الجناحين وتفجيرها فوق روسيا لاسلكياً، وهذه الإفتراضية أكثر ترجيحاً لسبب الحادث، بحسب تحليل المعطيات، فالتفجير سيؤدي إلى انقطاع الأسلاك الكهربائية وبالتالي إختفاء الطائرة عن الرادار.

أمّا بالنسبة إلى اختفاء الطائرة عن أجهزة الرادارات المتطوّرة والتي يمكن لأي مستخدم تطبيق «رادار 24» أن يتتبّع مسار الطائرة، فقد اختفت بعد 26 دقيقة من إقلاعها من مطار في دولة مالي، فهذه التقنية المتطورة التي تسمح بتتبّع الطائرة يمكن أن يوقفها الطيار إراديّاً لأسباب أمنية، لكن لن يوافق أي برج مراقبة على إقلاع الطائرة دون تشغيل هذه التقنية «أي دي أس بي»، لذلك من الممكن أن يكون الطيار قد أوقفها بعد خروجه من مجال البرج الأوّل.

بريغوجين الذي شارك بالحرب الأوكرانية وحقّق مكاسب للجيش الروسي في باخموت وسوليدار، أجبر على الخروج من الحرب بعد المشاكل الكبيرة مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف بسبب نقص إمداده بالذخيرة. كما أجبر على مغادرة روسيا واللجوء إلى بيلاروسيا بعد تمرّده العسكري المفاجئ للسيطرة على موسكو إنطلاقاً من مدينة روستوف التي سيطر عليها، وبالتالي السيطرة على سلطة الكرملين، وقبوله بالإتفاقية السرية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوساطة رئيس بيلاروسيا، التي تبيّن أنّها تنصّ على دعم بريغوجين مصالح روسيا من بيلاروسيا مقابل العفو عن التمرّد. وبالفعل، تابع بريغوجين العمل بقيادة مجموعة «فاغنر» وكان آخر فيديو له في دولة أفريقية يدافع فيها عن مصالح روسيا باسم «فاغنر».

لم يتقيّد بريغوجين بالإتفاقية من حيث عدم دخوله روسيا، فقد حضر إلى سان بطرسبرغ واجتمع بالقادة الأفارقة خلال القمة التي دعا إليها بوتين أخيراً. لذلك، يبدو أنّ بريغوجين ما زال متمرّداً ويتّضح لبوتين أنّه خطر حقيقي مستقبلي، خصوصاً أنّ بريغوجين كان مندفعاً بزيادة وجود عناصره في غرب بيلاروسيا وتهديد الدول المجاورة، ومندفعاً ايضاً بالملف العسكري في أفريقيا. ومن المؤكّد أنّ بوتين يعرف نوايا بريغوجين غير الصادقة بالدفاع عن مصالح روسيا أكثر من مصالحه الشخصية المستقبلية، وسعيه لإمتلاك نفوذ عالمي كبير، ودعم شعبي داخلي ليتمكن من الإنقلاب على بوتين في المستقبل، وبوتين لا يُريد أن تتكرّر حالة بريغوجين مع أي قائد عسكري في روسيا.

بالطبع، ستستطيع شركة «فاغنر» متابعة عملها الداعم لمصالح روسيا العالمية، فصحيح أنّ بريغوجين كان مؤسّس المجموعة وقائدها، لكن الأخيرة لديها هيكلية تنظيمية يمكنها متابعة العمل حتى تعيين رئيس جديد، الذي ستكون مهمة اختياره من صلب إهتمام بوتين ووزير الدفاع شويغو. أمّا العناصر، فلن يتغيّر أداؤهم طالما لا يوجد ولاء كامل للمؤسّسة، إذ إنّهم يعتبرون مرتزقة يُحاربون مقابل المال فقط.

أمّا بالنسبة إلى إنعكاسات موت بريغوجين على الحرب في أوكرانيا، فبالطبع خبر وفاته أفرح الأوكرانيين ورفع معنويات الجيش الذي تكبّد خسائر فادحة بسبب خطط بريغوجين، لكن لن يغيّر مسار الحرب الميدانية الجارية لمصلحة الجيش الأوكراني، إلّا من خلال جهود الحرب النفسية التي تبيّن للشعب الروسي نسبة الإنشقاقات العالية في القيادة والداخل، إضافة إلى عدم وجود أمان في روسيا بعد الهجمات المكثّفة بالطائرات المسيّرة الأوكرانية «يو جي 22» على موسكو ومدن سكنية أخرى، ما يفقد ثقة الشعب الروسي بقدرة جيشه على الدفاع عن أمن أرضه وشعبه.


MISS 3