شربل داغر

عن الممثل والممثل

10 تموز 2023

02 : 00

لم أقرأ، في ما أقرأ، ما يشير إلى التطابق شبه التام في هويتَين متباينتَين ل-الممثل: ممثل الشعب والأمة في المجلس النيابي، والممثل الفني فوق الخشبة وفي الشاشتَين الصغيرة والكبيرة.

ومع ذلك، للغة العربية «حكمتُها»، وربما لواضع الألفاظ الاصطلاحية هفوتُه... الموفقة، التي قد تعود إلى مساوئ في الترجمة وحسب.

لهذا يُستحسن التقريب بين الهويتَين المتلابستَين، لا سيما في واقع التجارب السياسية المحلية، وفي «أداء» كل من الممثلَين المعنيَين: هذا مثلُ ذاك يتكفل بشخصية هي غير ما هو عليه في الحياة، لا سيما ممثل الخشبة.

فيما يشدّ الممثل السياسي «الدورَ» القانوني والسياسي إلى شخصه الطبيعي، إلى بيته، مثل إرث مستعاد، أو مثل رأسمال قابل للاستثمار والتنمية.

الممثل السياسي فردٌ باسم مجموعة من الناس، فيما الممثل الفني فردٌ بدل عن ضائع، قابع ربما في عتمة الصالة.

أدخلَ المسرحي الألماني الشهير برتولت برشت مفهوم «التبعيد» إلى العمل المسرحي. وعنى هذا عنده أن على كاتب النص، أو على مخرج المسرحية، إيجاد المواقف والحوارات ومظاهر الزي بما يجعل المتفرّج يتنبّه إلى أن ما يشهده أمام أنظاره... مسرحٌ، وأن هناك اثنين متلابسَين في الممثل: الشخص الطبيعي والدور.

أراد برشت من هذا إشعارَ المتفرّج بأن ما يشهده «لعبة»، فيخفّ بالتالي منسوب التوهّم في التجربة المسرحية.

هذا التبعيد لا نجده في التمثيل السياسي في هذه البلاد، بل يجد المتابع ألوفاً وألوفاً تُقدم على تأييد ممثلِيها... «بالروح، بالدم».

بل يجد أن من له أن يكون «ممثلاً»، بفضل «وكالة» مؤقتة ومشروطة، يتحوّل إلى «زعيم»، و»شيخ»، أو ممثل قوى الغيب المنتَظَر على الأرض.

حتى رؤساء أحزاب يتحوّلون إلى أصحاب ملكية حصرية في التمثيل، الذي يتمدّد ويتجدّد ما دام الوارث السياسي على قيد الحياة وقادراً على أداء واجبات التمثيل.

إلا أن السيّئ في هذا كله، هو أن الجمهور «يندمج» في العمل السياسي، ويزداد توهّمه بما يجري أمامه، لدرجة أنه الخائب دوماً مما يجري.

التجربة المسرحية عند الإغريق كانت لـ»تطهير» النفوس، أما في هذه البلاد فهي لتجديد الوهم، والتأكد من طاعة الجمهور، على أن من يدورون فوق الخشبة... آلهة، أو ممثلو القدر، فيما المتفرجون صاغرون بدهشة إلى من يتفننون في الأداء، قبل أن يعودوا من جديد إلى عتمة عيشهم البائس وآمالهم المرجأة.


MISS 3