عبده جميل غصوب

مدى صلاحية الحكومة الحالية في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان

17 تموز 2023

13 : 25

تكاثرت الآراء مؤخرا عن تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من قبل الحكومة الحالية المناط بها ـ وفقا للمادة 62 ( المعلة بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 ) ـ " صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة "؛ فضلا عن كونها كانت اصلا مستقيلة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ـ الذي قبل الاستقالة بتاريخ سابق لتركه السلطة ـ فما هي صلاحيات هذه الحكومة بصورة عامة (اولا ) وهل يصل مدى اختصاصها الى حد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان (ثانيا) واخيرا ما هو الحل المقترح (ثالثا).



اولا: مدى صلاحيات الحكومة الحالية بصورة عامة:



تناط بهذه الحكومة، خلال فترة الفراغ الرئاسي، الصلاحيات الاتية:



أ ـ ادارة شؤون الدولة بشكل عام. ولها ان تتخذ بهذه الصفة جميع القرارات اللازمة لضمان استمرارية العمل الحكومي وسير الاعمال العامة.


ب ـ ادارة الامن وضمان الاستقرار العام في البلاد.


ج ـ تمثيل لبنان على المستوى الدولي والقيام بالتفاوض مع الدول الاخرى.


د ـ اصدار القرارات والمراسيم الضرورية للبلاد وتعديل بعضها.


هـ ـ وضع السياسات الاقتصادية واتخاذ الاجراءات اللازمة للتعامل مع الاوضاع الاقتصادية الحالية ودعم الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد.


و ـ تحسين الاوضاع الاجتماعية والصحية والتعليمية في البلاد.


ز ـ اصدار القرارات اللازمة لمواجهة الظروف الاستثنائية واجراء الاصلاحات الضرورية.


يجب الاشارة الى ان هذه الصلاحيات تكون مؤقتة وتستمر حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة.



قد يرى البعض بان هذه الحكومة هي في الاصل حكومة مستقيلة قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، وبالتالي ، فهي " حكومة تصريف اعمال "، فلا يمكن ان "تناط بها وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية "، التي تناط اصلا بحكومة غير مستقيلة.



غير ان هذا القول لا يستقيم قانونا لان الصفة التي آلت الى الحكومة بعد فراغ سدة الرئاسة، وهي ممارسة " صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة " تطغى على الصلاحية الاول المتمثلة بطبيعتها كحكومة مستقيلة تقوم بتصريف الاعمال.



ثانيا: مدى صحة حلول نائب الحاكم الاول محل الحاكم:


قبل الغوص في هذه الاجابة، سنتطرق الى حقيقة موقف نواب الحاكم الاربع، كما يُفهم من بيانهم الاخيروالذي جاء فيه: " ضرورة تعيين حاكم جديد مع اقتراب انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة في 31 تموز الحالي، باقرب وقت، والا سنضطر الى اتخاذ الاجراء الذي نراه مناسبا للمصلحة العامة".


في حين تتباين الآراء حول قرار النواب الاربع للحاكم، وما اذا كان يحق لهم الاستقالة في المبدأ، فمنهم من ذهب الى حد مقاضاتهم اداريا، مدنيا وحتى جزائيا ! عن فعل اقدامهم على الاستقالة، ومنهم من ذهب الى تبرير خطوتهم بأمور شتى.


من جهتنا نرى انه يستحسن عدم الاجابة عن هذه المسألة ما لم تكن بحوزتنا كامل تفاصيل ملفات تعيينهم. ولكننا بصورة عامة، نرى ان تلويحهم بالاستقالة مبرر بالمادة 27 من قانون النقد والتسليف ذاتها ؛ اذ ان المادة المذكورة لا تحل نائب الحاكم الاول محل الحاكم المنتهية ولايته كحاكم بديل لفترة انتقالية ؛ بل انها تحله محله ـ لفترة محدودة ـ في حال غيابه او تعذر وجوده. وفي حال تعذر ذلك على النائب الاول، فنائب الحاكم الثاني، هو الذي يحل محل الحاكم، وفقا للشروط التي يحددها الحاكم نفسه. وهذا يعني ان نائب الحاكم الاول يحل محل الحاكم اثناء ولاية هذا الاخير وفي حال غيابه او تعذر وجوده وليس بعد انتهاء ولايته، والا اذا تعذر ذلك فان نائب الحاكم الثاني هو الذي يحل محله ؛ وذلك وفقا للشروط التي يحددها الحاكم. وهذا يعني ان الحاكم هو الذي يحدد من يحل محله في حال غيابه او تعذر وجوده: نائبه الاول او الثاني، فيكون القول بأنه في حال انتهاء ولاية الحاكم يحل حكما محله نائبه الاول خطأ تفسيريا لنص المادة 27.



ان ما يبرر صحة تفسيرنا للمادة 27 على هذا النحو هو نص المادة 18 من قانون النقد والتسليف التي تنص ان نواب الحاكم " يمارسون الوظائف التي يعيّنها لهم الحاكم ". فليست اشارة المادة 27 الى ان نائب الحاكم الاول ( او الثاني في حال التعذر على الاول ) يحل محله في حال غيابه او تعذر وجوده، وفقا للشروط التي يحددها الحاكم، الا في هذا السياق من الافكار، التي تؤول الى ان النائب الاول ( او الثاني ) يمارس ما يفوضه اياه الحاكم من صلاحيات في حال غياب هذا الاخير او تعذر وجوده.



بعبارة أخرى ان النائب الاول ( او الثاني ) للحاكم يحل محله اثناء ممارسة هذا الاخير ولايته. وليس بعد انتهاء مدة ولايته كحاكم.



ان هذا التفسير المستمد من نص المادتين 27 و 18 من قانون النقد والتسليف معزز بطبيعة عمل الحاكم ذاته؛ اذ ان هذا الاخير ـ خصوصا في ازمتنا الراهنة ـ بات المرجع الاساسي الذي يحدد سياسة الدولة المالية والنقدية، المصرفية وحتى الاقتصادية. وان عمله هذا يتطلب استراتيجية عمل شاملة ومحددة زمنيا.



فكيف يمكن لنائب الحاكم الاول ( او الثاني ) ان يحل محل الحاكم، طالما ان صلاحياته "كحاكم بالانابة " ليست محددة بفترة زمنية ، بل هي مؤقتة، اذ لا يمكنه وضع اي استراتيجية عمل تمتد على فترة زمنية ، طالما انه يجهل مدة ولايته!



كما ان نائب الحاكم الاول، ليس مضطرا اتباع ذات الاستراتيجية التي اتبعها الحاكم. فهو ربما ليس موافقا عليها او ليس مقتنعا بها، طالما انه خاضع للحاكم اثناء توليه مهام نائب الحاكم.



ان وضع نواب الحاكم امام هذا الواقع يبرر استقالتهم، اذ اننا لسنا امام تعسف في الاستقالة او رفض غير مبرر لتحمل اعباء السلطة واستمرارية المرفق العام؛ بل نحن امام وضع الحكام الاربع امام واقع قد يرتب عليهم اضرارا مستقبلية. وهم ليسوا اصلا مؤهلين لتحمل اعبائها.



ثالثا: الحل المقترح:



ان الحل الوحيد المقترح هو ان تعيّن الحكومة الحالية، بطبيعتها القانونية الراهنة، حاكما جديدا يتولى مهامه بعد اداء القسم امام مجلس الوزراء مجتمعا.


فما هو التبرير القانوني لهذا الحل؟


لقد اناطت المادة 62 من الدستور بمجلس الوزراء مجتمعا " صلاحية رئيس الجمهورية وكالة". فعملا بمبدأ اساسي يحكم تفسير النصوص التشريعية، حيث انه " لا اجتهاد في معرض وضوح النص"، أتى النص الدستوري واضحا لا لبس فيه اذ ان " صلاحيات رئيس الجمهورية " تناط وكالة بمجلس الوزراء مجتمعا. فان النص لم يستثنِ اي صلاحية من بين صلاحيات رئيس الجمهورية يبرر ذهابنا الى حظر اي من صلاحيات رئيس الجمهورية على مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحياته وكالة.



هذا التفسير مبرر ايضا بمبدأ آخر يحكم تفسير النصوص القانونية، اذ بموجبه لا يجوز التفريق حيث لا يفرّق النص. فالنص لا يفرّق بين صلاحية واخرى لرئيس الجمهورية يتولاها مجلس الوزراء مجتمعا.



ولكن الحجّة المستمدة من النص Argument de texte ليست كافية دائما لتعليل الحلول القانونية، فالى هذه الحجّة المستمدة من النص سنأتي على حجج أخرى: فالمادة 65 من الدستور تنص انه " تناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء "، ما يجعل هذا الاخير اهلا لتحمّل صلاحيات رئيس الجمهورية الاجرائية دون الصلاحيات الاخرى المنصوص عنها في المادة 53 من الدستور مثل تسمية رئيس مجلس الوزراء وقبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة واعتماد السفراء وقبول اعتمادهم ورئاسة الحفلات الرسمية ومنح الاوسمة بمرسوم الخ.



فهذه الصلاحيات سُميت عن حق صلاحيات لصيقة بشخص الرئيس، لا يمكن انتقالها الى مجلس الوزراء الذي يتولى صلاحياته وكالة عنه عند فراغ سدة الرئاسة.



فهل ان تسمية حاكم جديد لمصرف لبنان مكان الحاكم المنتهية ولايته، يدخل في صلاحيات الحكومة التي آلت اليها وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية؟



ان طرح السؤال على هذا النحو يشكل خطأ قانونيا، لان السؤال المطروح يجب ان يكون كذلك:



هل ان تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان هو ضروري ولازم لمواجهة الظروف الاستثنائية الراهنة وتأمين استمرار المرفق العام المتمثل هنا بمصرف لبنان؟



لا بد هنا من طرح بعض الآراء القانونية جانبا، مثل تكليف حارس قضائي ام مدير مؤقت ام تعيين حاكم جديد وتأجيل استلامه مهماته الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية او التجديد للحاكم الحالي الخ.



ان هذه الطروح مرفوضة قانونا لان الحراسة القضائية تكون في المنازعات ذات الطابع الخاص وليس العام. وهي محددة من بين التدابير الاحترازية ( او الاحتياطية ) المؤقتة المنصوص عنها في المادة 589 أ.م.م ولا يمكن التوسع في تطبيقها الى حقل المرافق العامة، اذ ان ذلك يخالف طبيعتها كمؤسسة قانونية، والغاية من انشائها ! كما لا يصح ايضا اعتماد اقتراح المدير المؤقت، فهذا جائز للمصارف الخاصة وليس لمصرف لبنان.



اما تسمية الحاكم وتأخير استلامه مهامه الى حين حلف اليمين امام رئيس جديد للجمهورية، فهو يعقّد الامور اكثر مما يسهلها. ويؤدي عمليا الى وجود حاكمين لمصرف لبنان ! كما ان طبيعة وظائف الحاكم لا تأتلف مع هذا الاقتراح غير القانوني وغير العملي.



بعد استعراض الوقائع المادية والقانونية المحيطة بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، يتأكد لنا بان اقدام مجلس الوزراء مجتمعا على هذا التعيين هو المخرج القانوني الوحيد لهذه المشكلة، لان الحكومة الحالية لها صلاحية تأمين استمرار المرفق العام خصوصا لمواجهة الظروف الاستثنائية الراهنة.



فلو كان متاحا امام الحكومة اي حل آخر لما اقترحنا تعيين حاكم جديد على هذا النحو. ولكن امام استحالة سد الفراغ في مركز الحاكمية بوسيلة أخرى غير التعيين المباشر، يبقى ان تعيين حاكم جديد كما بينّاه اعلاه هو المخرج القانوني الوحيد؛ والاّ "توكلوا على الله " وانتخبوا يا نواب الامة رئيسا جديدا للجمهورية، فتحل كل هذه المشكلات، كما تحل مشكلات أخرى مثلها.


فاستمرار سير المرافق العامة في خدمة المواطنين، يبقى برأينا المبدأ الاسمى، لان المواطن هو الهدف من التشريع، بمعزل عن اي تفسيرات أخرى مهما بلغت درجة صحتها. الا يكفي المواطن في لبنان عذابا، حتى نضيف الى عذاباته عذابا جديدا؟! 

MISS 3