عماد موسى

أنا أتبرّع إذاً أنا موجود

16 نيسان 2020

09 : 30

أن يتبرّع وليد جنبلاط بـ 500 ألف دولار لمستشفى رفيق الحريري وبمائة ألف للصليب الأحمر اللبناني وبـ 50 ألفاً لمستشفى قبر شمون وبمائة ألف دولار لدار الأيتام وبمثل هذا المبلغ لمستشفى المقاصد... فلا أظنّ أنه في مبادراته الإنسانية تلك يستجدي دعاية سياسية أو يكفّر عن ذنب، أو يستلهم تجربة كمال بك جنبلاط يوم دشّن تاريخه الإشتراكي بتوزيع قسم كبير من أملاك المختارة على الفقراء متجاهلاً غضب الست نظيرة على تبذيره الإرث والأرض...كل ما فعله وليد جنبلاط في زمن الكورونا يعني أمراً واحداً، أن الرجل مرتبط بهموم الناس، وارتباطه قدرٌ مثلما هو خيار.

وأن يبني رفيق الحريري أول مدرسة في مدينته بعد أول مشروع ضخم نفّذه في السعودية قبل أربعة عقود وأن يتطوع لترميم وسط بيروت في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، وأن يعلّم آلاف الجامعيين، فيعني ذلك أن الرجل هو رجل عطاء وما كان يزرع ليقطف منصباً!

مثلان في زمنين مختلفين، عن رجلين تباعدا وتقاربا وتنافرا وجمعتهما ميزة العطاء، وأحدهما يأخذ، على طريقته، ثم يعطي. مرات في السرّ ومرّات في العلن.

في زمن الكورونا فوجئنا بحجم العطاء وعدد المتبرعين اللبنانيين، مجهولين ومعلومين ومنهم سياسيون، فنانون، رجال أعمال، إعلاميون، مغتربون، صناعيون، جمعيات. فيض من المتبرعين يشعرونك أنك في مزاد مفتوح. هذا يفتتح التيليتون بخمسة ملايين فيزيد آخر"عشرة ملايين"... أو يذكرونك بـ "نقوط" العرسان و"الشوبشة" وهي عادة قروية جنوبية حيث تكون الهدية مالية وتعلن للملأ يوم العرس فإذا "نقّط" خال العروس بـ 200 دولار "يدبله" خال العريس ويدفع 400 دولار وهكذا تتضاعف غلة العرس. أحد النواب المتنيين المستشعرين بالأزمة الإقتصادية وزّع، بالتعاون مع إحدى الجمعيات، حصصاً من البذور الزراعية (200)، ووثق الحدث. ونائب كوراني تبرّع بفحص الكورونا في منطقته شرط أن يكون طالب الفحص مزوداً بوصفة طبيب. (ووصفة الطبيب أغلى من الفحص!) ونائب شمالي تبرّع بجهاز تنفّس، نواب آخرون ووزراء تبرّعوا بمخصصاتهم لشهر أو لشهرين لمستشفى أو لجمعية أو قدموا فندقاً، أو قدّموا أرقى المشاعر...، وتنطبق على بعض المتبرعين الإستعراضيين على الشاشات وعلى مواقع التواصل الإجتماعي عبارة "أنا أتبرّع إذاً أنا موجود" أما التفكير فغير مرتبط بوجودهم وبصيرورتهم مخلوقات سياسية.

أقدّر الجميع، بمعزل عن رغباتهم ونواياهم ومكرهم أو صدقهم، واُقدّر بشكل خاص هذا المواطن المعدم المتصل بالرقم 1122 للمساهمة بـ 1500 ليرة تستقطع من فاتورة خطه الخلوي. تبرّعه يضعه في مصاف الكبار الكبار.


MISS 3