سيلفانا أبي رميا

صانع العود الوحيد في سيدني لبناني من طرابلس

زاهر شهال: رسالتي زرع تراثنا في بلاد الغرب

19 تموز 2023

02 : 05

زاهر شهال

بدأت رحلة زاهر شهال مع العود في سن الـ16، حين وقع في غرام الآلة العتيقة وسُحر بصوتها الرخيم فتلقّى الدروس الخاصة لتعلّم أسسها. إلا أنه حين هاجر إلى أستراليا وجد نفسه وحيداً في عالم العود هذا وعانى الكثير لإصلاح آلته المكسورة ومرّ بتجارب متنوّعة جعلت منه اليوم صانع العود الوحيد في سيدني. وفي حديث لـ»نداء الوطن» كسر شهال حاجز المسافات وأدخلنا إلى عمق أسرار وقصص مشغله في نيو ساوث هيلز حيث يعيش منذ العام 2004.



كيف بدأت قصتك مع العود؟

وقعت في حب العود وصوته الشرقي الرخيم حين كنت في الـ16 من عمري، وبعدما تلقيت دروساً خاصة قرّرت الإلتحاق بـ»المعهد الوطني العالي للموسيقى» في طرابلس حيث درست العزف لمدة ثلاث سنوات، قبل أن أتوقّف عنه لظروف خاصة.

في العام 2004 تزوّجت وسافرت إلى سيدني مع زوجتي لنبدأ حياة جديدة وكريمة ونبني مستقبلنا هناك... لم أكن أعرف أن عشقي هذه الآلة سيرافقني إلى بلاد الإغتراب ويجعل منّي ما أنا عليه اليوم.

كيف انتقلت من هاوٍ لعزف العود إلى مصنّعٍ له؟

عندما انتقلت إلى أستراليا حرصت على أن أنقل معي العود خاصتي، الذي تعرّض الى خلل في الرقبة أو ما يُسمّى بالزند أيضاً ما أدّى إلى ارتفاع الأوتار وجعل العزف عليها مستحيلاً. لذلك، بدأت أبحث عن صانع عود في سيدني لإصلاحه من دون أي نتيجة، فأصلحته بنفسي... ونجحت.

بعد نحو السنتين، قرّرت شراء عود احترافي من خارج أستراليا ولكن للأسف لم يكن ذا جودة عالية ولم يراعِ المواصفات التي طلبتها من التاجر. حينها اتخذت قراري بصنع عود احترافي بنفسي، وبدأت في 2008 أبحاثي الخاصة وقراءة الكتب ومشاهدة فيديوات تصنيع هذه الآلة العربية وأصولها وأخشابها على «يوتيوب». حاولت التواصل مع صانعي العود في الوطن العربي لكنهم لم يشاركوني أسرارهم بل اكتفوا بإعطائي معلومات غير كاملة.

دخلت مشواراً صعباً وعالماً معقّداً لم أعرف عنه شيئاً في البداية حتى أنني اضطررت لتعلّم مهنة النجارة من الصفر واشتريت المواد والآلات اللازمة، ووُلدت ورشتي المتواضعة بمعدّات بسيطة في منزلي في نيو ساوث هيلز (شمال شرق سيدني) العام 2010.

ماذا عن أول عود صنعته؟

لم يكن الأمر سهلاً أبداً، كنت أقضي كل وقتي في الورشة بعد العودة من وظيفتي كل يوم. فشلت واستسلمت كثيراً، إلا أنني وبعد حوالي 8 أشهر تمكّنت من صناعة عودي الأول.

أتذكّر كم كنت أشعر بالفخر والانتصار وأنا أقوم بطلاء آلتي الأولى وأضع عليها اللمسات الأخيرة. وقرّرت الإلتحاق بالمعهد المهني الموجود في سيدني حيث درست لثلاث سنوات تقنيات دهان الخشب أو ما يُعرف بالـFrench Polishing، وتخرّجت وحصلت على شهادة رسمية فيها. وها أنا اليوم أنتج من 10 إلى 12 عوداً عربياً كل عام، ويمكنني القول إنني وصلت ونجحت كلبناني في بلاد الاغتراب وتمكنت من نقل شيء من تراثنا وثقافتنا إلى هنا.

هل واجهت صعوبات كونك تصنّع آلة عربية في بلدٍ غربي؟

طبعاً، فعدا عن بحثي الطويل والمضني عن بعض المواد التي تلزمني للتصنيع والتي اضطررت لأن أشحنها في كثير من الأحيان من خارج أستراليا، كانت الصعوبة الكبرى تكمن في تصريف وبيع هذه الآلة العربية في بلد أجنبي لا يعرف ساكنوه عن العود شيئاً. كما أن تكلفة الشحن المرتفعة جداً وقفت في كثير من الأوقات عائقاً أمام تصدير آلاتي لزبائن خارج أستراليا.

ما الذي يميّز عود زاهر شهال؟

يمتاز العود الذي أصنعه بصوته ومقاساته وحتى بطريقة تركيب الزند التي أبتعد فيها عن استعمال الخابور وألجأ لطريقة تُسمّى Dovetail Joint وهي أكثر سلاسة ودقة، بالإضافة إلى أنني أستخدم الكربون في رقبة بعض الآلات. كذلك، أحرص على استخدام الأخشاب الصحيحة، وتركيب مفاتيح عالية الجودة من خشب «الأبانوس» أو «السيسم» بطريقة تمنع ارتخاءها لاحقاً.

كذلك يمتاز عود شهال بصوت نقي، فقد عملت لسنوات طويلة على تطوير الهرمونيك الموجود فيه من خلال دراسة فيزياء الصوت وإجراء بعض الحسابات الدقيقة في عملية تصنيع وجه العود الذي يشكل مصدر الصوت الأساسي لكل الآلات الوترية. وكما أشرت سابقاً، درست طريقة الطلاء الصحيحة وأتقنتها إن كان عن طريق رشّه باللاكر المخصّص للآلات الموسيقية أو الـFrench polishing، مع العلم أن هناك أنواعاً من الطلاء تؤدي إلى كتم الصوت.

ما الخشب الذي تستخدمه؟

كثيراً ما أستخدم الأخشاب الأسترالية الصلبة منها خشب «الورود النيوغيني» و»الميبل» الأسترالي وخشب «البلاكوود». كما ألجأ أحياناً للأنواع المستوردة كخشب الجوز الأميركي، «المهوغني» الأفريقي، «السيسم» الهندي، و»الميبل» الأميركي، وغيرها. أما خشب الوجه فأحصره في نوعين خفيفين فقط هما: خشب الأرز لصوتٍ دافئ ورخيم، وخشب الشوح لصوتٍ حاد وأكثر ارتفاعاً.

كم تستلزمك صناعة العود الواحد وهل أنت الوحيد في سيدني؟

أعتقد أنني صانع العود الوحيد حالياً، لكن في العام 2010 جمعتني الصدفة بخالد غنطوس وهو لبناني مسنّ مقيم في سيدني كان يصلح ويصنّع هذه الآلات. أما في ما يخصّ مدّة التصنيع، فيلزمني بين ثلاثة أسابيع وشهرين لإنجاز آلة واحدة من الألف إلى الياء وتسليمها بالشكل الذي أحبّ: عود كلاسيكيّ بسيط بعيد عن كثرة الزخارف التي عهدناها، فكثرة التطعيم والزخرفة على الوجه تؤثر سلباً على جودة الصوت.




زاهر يضع لمساته



كم يبلغ سعر العود وهل يستهوي الأجانب؟

تبدأ أسعار آلة العود من 2000 دولار وترتفع بحسب أنواع الأخشاب المستخدمة ونوعية الطلاء.

معظم زبائني هم من الجالية العربية من لبنان وسوريا والعراق والكويت والسعودية وإيران ومصر، لكن لديّ بعض الأستراليين والأوروبيين واليونانيين والصينيين الذين نجحت هذه الآلة بموسيقاها الشرقية الجميلة في جذب انتباههم فاشتروها وتعلّموا العزف عليها.



دقة الطلاء



هل تنقل الحرفة إلى أولادك؟

لا أمانع من تعليم صناعة آلة العود لأحد أولادي في المستقبل ولكن فقط إذا شعرت بأن لديهم الرغبة في ذلك، فتعلُّم هذه الحرفة يتطلّب شخصاً يعشق العود ليُبدع.

هل تعتقد أن الحرف اللبنانية إلى زوال؟

للأسف نعم. هناك حرف دخلت مسار الإنقراض في لبنان ولعلّ المهدِّد الأكبر هو البضائع الجاهزة والمستوردة التي لا تضع الحكومة اللبنانية عليها أي قيود. آمل أن يتحرّك المسؤولون لدعم حرفيي لبنان كي تستمرّ هذه الصورة الجميلة والمميزة التي لطالما طبعت اسم بلدنا.



من قلب المشغل في سيدني



هل تفكر يوماً بالعودة إلى لبنان؟

يكذب كل مغترب يقول إنه لا يحنّ يومياً لأرضه ووطنه ويحلم بالعودة إلى جذوره، وأنا أوّلهم. لبنان جزء من قلبي لكن ما أراه من أزمات وويلات بسبب الإدارة الفاشلة يمنعني من اتّخاذ قرار العودة خصوصاً أن ما تقدّمه أستراليا لي ولأولادي من أمن وأمان وحياة كريمة، ليس بالقليل.


MISS 3