أحمد الأيوبي

هل يَدخُلُ سُنّة ومسيحيّو الشّريط الحُدوديّ في "حَقِّ المقاومة"؟

21 تموز 2023

02 : 00

سيلجأ «حزب الله» إلى المزيد من التصعيد الداخلي والحدودي

تتحرّك الأحداث في الجنوب عند الشريط الحدودي فتستقطب الإعلام لأنّها تشكّل خطّ الاحتكاك الإيراني - الإسرائيلي ويُخشى أن تشهد ترجمةَ الاختناقات الدولية والإقليمية بإشعال توترات وتنفيسات تعلو وتخبو حسب احتياجات من يحرِّكها، وكان آخر فصولها استعراضات ما قبل التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية وما جرى من مناورات حول استهداف حقل كاريش الذي أصبح إسرائيلياً.

وبينما يدير «حزب الله» المشهد السياسي والميداني، تتحوّل وجهة المساحات التي يقطنها مواطنون لبنانيون يكافحون لتوفير سبل صمودهم في أرضهم. ويتصرّف «الحزب» باعتباره صاحب الأرض بالجملة والتفصيل، من دون أن يعرف أحد رأي السكان وأصحاب الأرض وواقعهم وماذا يريدون؟

تصعيد «الحزب» ربطاً بخسارة الحليف الفرنسي

سيلجأ «حزب الله» إلى المزيد من التصعيد الداخلي والحدودي بعد إخراج فرنسا عملياً من التأثير في الشأن اللبناني وانكشاف ذلك في الاجتماع الأخير للّجنة الخماسية، وفي هذا الإطار سيستغلّ «الحزب» المساحات الحدودية بكامل تفاصيلها وسيعمل على ابتداع أشكال متنوعة من التحرّكات، بدءاً من نصب الخيمتين وليس انتهاءً بأعمال التجريف في تلال كفرشوبا على أراض تتجاوز ما يعرف بخط الانسحاب في المنطقة الحدودية في خطوة لم تحصل منذ العام 2000.

تبرز أهميّة الشريط الحدوديّ الآن بشكلٍ خاص كونه الميدان الأخير للاحتكاكات بين «حزب الله» والكيان الإسرائيلي، وعلى أرضه سنشهد المزيد من المناورات الميدانية ما يُعطي هذه المساحة خصوصية واعتبارات خاصة، غير أنّها تحمل مفارقة لا يمكن تجاوزها ولا يتنبّه إليها الرأي العام الذي يرى في مشهد الجنوب لوناً شيعياً غالباً، خاصة عندما يتعلّق الأمر بقضية المقاومة وقرار التوتير أو التهدئة وصولاً إلى قرار الحرب والسلم.

الجغرافيا السكانيّة: أغلبيّة سنيّة مسيحيّة

عند استطلاع الجغرافيا السكانية لقرى وبلدات الشريط الحدودي الممتدِّ من الناقورة حتى شبعا، نقع على مفارقة لافتة للانتباه وهي أنّ أغلبية هذا الشريط سنيّة ثم مسيحية وأخيراً شيعية: الناقورة (شيعية)، علما الشعب (مسيحية)، الضهيرة (سنية)، يارين (سنية)، البستان (سنية)، مروحين (سنية)، عيتا الشعب (شيعية)، رميش (مسيحية)، عين إبل (مسيحية)، بنت جبيل (شيعية)... إستكمالاً إلى العرقوب: الهبارية وكفرحمام وصولاً إلى شبعا ومزارعها وكفرحمام ومزارعها... قرى وبلدات سنية يواجه أهلها صعوبات في الوصول إلى أراضيهم التي يصنِّفها «حزب الله» مناطق «محرّمة»، كتلك التي استشهد فيها الضابط الطيار سامر حنّا.

يعيش السكان السنّة في المنطقة الحدودية التي يستمدّ منها «حزب الله» شرعية مقاومته، حالة من العزل غير المعلنة عن التصرّف في مصيرهم وممتلكاتهم، فعندما يقرِّر «الحزب» تحريك الميدان تتحوّل هذه الأراضي إلى مساحات مستباحة تغيب فيها هوية أصحاب الأرض أنفسهم، لتحضر هوية «الحزب» وإرادته السياسية والعسكرية.

منع الوصول إلى الأراضي

هذا الواقع أنتج احتكاكات كثيرة لا يصل معظمها إلى الإعلام، لأنّ «الحزب» يمنع على أصحاب الأراضي التصرّف فيها كما يحرمهم من دخول أراضٍ محدّدة، وقد سُجل اشتباك في فترة خلت مع أصحاب أرض منعهم «الحزب» من الصيد فيها، ما أوقع جرحى من الطرفين في بلدة مروحين، وهذا ينقل البحث إلى مدار آخر يتعلَّق بتصنيف اللبنانيين بالنسبة لحقهم في المقاومة والردع، هل يشمل الجميع أم أنّه محصور بفئة وطائفة محدّدة؟

يأخذ «حزب الله» شرعية مقاومته بعد العام 2000 من خلال اعتباره أنّه يحتفظ بسلاحه لتحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة في الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهو شريط سنّي مسيحي في أغلبه، فهل يدخل أهل الشريط الحدودي من السنّة والمسيحيين في إطار ما يُعرف بـ»حقّ المقاومة»؟ وهل يمكنهم امتلاك السلاح للدفاع عن أنفسهم في ما لو حصل تهديد إسرائيلي، كما يفعل مواطنوهم الشيعة في الجنوب وغيره... خاصة أنّ «الحرتقات» الحدودية تصدر من أراضيهم ومن بلداتهم، كما أنّهم تلقّوا المنسوب الأعلى من التدمير خلال الحروب الإسرائيلية على الجنوب، وكان آخرها حرب تموز 2006؟

شهداء مروحين ومنع الحق بالمقاومة

في حرب تموز شهدت بلدة مروحين سقوط الدماء الأولى فاستشهد من أبناء العشائر العربية 26 شهيداً كانوا القافلة الأولى من ضحايا تلك الحرب، من دون أن تمنحهم تلك التضحيات أيّ اعتبار أو امتياز لدى «الحزب»... ولم يُسجّل حتى انخراط بعضهم في إطار ما يسمى «السرايا اللبنانية للمقاومة» التي خصّصها «الحزب» لاستقطاب غير الشيعة، بل كان هناك توجّه دائم لصبغ المنطقة بالأصفر السياسي والأمني واستبعاد الهوية المتنوعة في بيئة حساسة، ومنع تطوير أوضاع سكانها بما يتوازى مع حالات التسلّح الدفاعي المفترض أن تكون متاحة في حالات القرى الحدودية، وفق منطق «المقاومة».

مع إصرار «حزب الله» على التحكّم بحياة ومصير أهالي الشريط الحدودي، وفي الاعتماد على نظريته في المقاومة ما دام الخطر الإسرائيلي ماثلاً، ماذا عن الحقّ في مقاومة سنيّة ومسيحية مستقلة تعبِّر عن أهلها وتوجهاتهم الوطنية بعيداً عن المحاور الخارجية؟

ربما يبدو الطرح مثيراً للاستغراب، لكنّ الأكثر غرابة أن تضيع هوية وحقوق أهل الأرض باسم مقاومة تمارس الكثير من الأساليب التي تبعدها عن «المقاومة» إلى أبعد الحدود.


MISS 3