عودة: عجلة الدّولة تدور عند انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تُجري الإصلاحات

11 : 50



شبّه متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، زُعَمـاء هـذا البلد بالفَرِّيسيِّيـن، لأنهم "لا يُـريـدونَ خَـلاصَ البَلَـدِ والشَّعـب، ولا يَتَـزَحْـزَحـونَ مِـنْ دَرْبِ الَّـذيـنَ يَشـاؤونَ الـعـمـلَ مِـنْ أجـلِ الإصـلاحِ وانتِهـاءِ الأَزَماتِ والـوُصـولِ إلـى دَوْلَـةِ مُـؤَسَّسـاتٍ لا فَسـادَ فيهـا ولا مَحسـوبِيَّـاتٍ ولا استِقـواء، دَوْلَـةٍ جَيْشُهـا واحِـدٌ، وحُـدودُهـا واضِحَـةٌ، وقضاءُها عادلٌ".


اضاف: "يَتـوقَّفون عـنـد شُـغـورِ مـركـزٍ ويُـقيـمـون الأرضَ وما فـيـها مِـنْ أجـلِ مِـلـئـه ويَتَنـاسَـون أنَّ المـشـكـلـةَ في شُـغورِ الـمـركـزِ الأول، أي في غِـيـابِ الـرأس، وأنَّ كـلَّ الـمراكـزِ تُمْـلأُ وعَجَلَةَ الـدولـةِ تَدورُ عِنـدَ انـتـخـابِ رئـيـسٍ وتَـشـكـيـلِ حـكـومـةٍ تُـجري الإصـلاحـاتِ اللازِمَـة".



مواقف عودة جاءت في العظة التي القاها خلال ترؤسه خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، والتي جاء فيها: "أحبَّائـي، عـندمـا حـان أوانُ خـلاصِنا بِتَجَسُّدِ الإبنِ الوحيدِ كانتْ البشريةُ بـأسرِهـا، يـهوداً وأمميّين، تُـعـانـي مِنَ العَمـى الروحيّ. فاليهودُ أعماهم تَمَسُّكُهم الحَرفيّ بالناموس وقسوةُ قلوبِهم، أمّا الوثنيون فَضَلالُهم أبقاهُم خارجَ الهَدْي الإلهي. إنجيـلُ اليَـوم يُحَدِّثُنا عَـنْ شِفـاءِ الـرَّبِّ يَسـوعَ لأَعْمَيَيْـنِ وأَخـرَس. الأعميان يُمثِّلان العالمَ بِجَناحَيْه، اليهودُ والأممُ، الـعائِدُ إلى السيّدِ تائِـبـاً، مُلْتَمِسـاً مـنه الشفـاء.

الإِعـاقَـةُ الجَسَـدِيَّـةُ لَيْسَـتْ مُشْكِلَـةً عِنْدَ الـرَّبِّ يَسـوع، لأَنَّـهُ قـادِرٌ علـى كُـلِّ شَـيءٍ، خُصـوصًا شِفـاءِ الجَسَـد. لـكـنّ المُشكِلَـةَ الحَقيقيَّـةَ هِـيَ الإِعـاقَـةُ الرُّوحِـيَّة، لِذا يَطْـرَحُ الـرَّبُّ دائِمًـا الأَسئِلَـةَ الإِيـمانِيَّةَ علـى طـالِـبِ الشِّفـاء، لـيَتَـأَكَّـدَ مِـنْ رَغْبَتِـهِ الحُـرَّةِ فـي شفاءِ نفسِه أَوَّلًا، ثُـمَّ يَـأتـي شِفـاءُ الجَسَـد. لَقَـدْ قـالَ الـرَّبُّ: «أطلُبـوا أوَّلًا مَلَكـوتَ اللهِ وبِـرَّهُ، وهَـذِهِ كُلُّـهـا تُزادُ لَكـم» (مـت 6: 33). الأَهَمُّ عِندَ الرَّبّ، وما يَجِـبُ أَنْ يَكـونَ الأَهَـمَّ لَـدَينـا، هُـوَ شِفـاءُ الـرُّوحِ قَبْـلَ الجَسَـد، الأَمـرُ الَّـذي نـلمَسُـه فـي سائِرِ الشِّفـاءاتِ والمُعجِـزاتِ الَّتي قـامَ بِهـا.


يُخـاطِـبُ الإنجيليُّ متى في إنجـيـلِ اليوم الشَّعْـبَ اليَهـودِيَّ ويُقـيـمُ مُقارَنَـةً بَيْنَـهُ وبَيْـنَ الأُمَمِيِّيـن، ليؤكِّدَ أَنَّ اللهَ هُـوَ إِلَـهٌ واحِـدٌ عـالَمِـيٌّ، أَيْ لَيْـسَ حِكْـرًا علـى شَعْـبٍ واحِـدٍ فَقَـط. الأَعْـمَيـانِ في الإنجيل يَرمُزان إلـى الشَّعْـبِ اليَهـودِيِّ الَّـذي أُصيـبَ بِـالعَـمـى بِسَبَـبِ كِبْـرِيـائِـه، ظَنًّـا مِنْـهُ أَنَّـهُ الشَّعْـبُ المُختـارُ والخـاصُّ لله، وإلـى الأُمَـمِ الَّـذيـنَ أَعْـمَتْهُـم وَثَنِيَّتُهُـم عَـنْ رُؤيَـةِ الإِلَـهِ الحَـقّ. الشَعـبان أَعمـاهُمـا «إِلَـهُ هَـذا الـدَّهـرِ»، فَظَهَـرا غَيْـرَ مُـؤمِـنَيْـن. لِـذَلِـكَ، يَسـأَلُهُمـا المَسيـحُ: «هَـلْ تُـؤمِنـانِ أَنِّـي أَقْـدِرُ أَنْ أَفْعَـلَ هَـذا؟». لا يَكْفـي أَنَّهُمـا اعْتَرَفا أَنَّـه «ابـنُ داود»، لأَنَّنـا رَأَينـا فـي حادِثَةِ دُخـولِ الشَّياطيـنِ إلـى قَطيـعِ الخَنـازيـرِ قَبْـلًا، أَنَّ الشَّيـاطيـنَ تَعْـتَـرِفُ بِهُـوِيَّـةِ المَسيـح، لَكِنَّهـا لا تُـؤمِـنُ بِـهِ. لِـذا، اعْتِـرافُ الإِيمـانِ مُهِـمُّ جِـدًّا فـي سَبيـلِ الحُصـولِ علـى الشِّفـاء. فـي القُـدَّاسِ الإِلَهِـيّ، نَحْـنُ نَتلـو دُستـورَ الإِيمـانِ، ونَعْتَـرِفُ «بِـآبٍ وابْـنٍ ورُوحٍ قُـدُسٍ، ثـالـوثٍ مُتَسـاوٍ فـي الجَوهَـر، وغَيْـرِ مُنْفَصِـل»، قَبْـلَ أَنْ نَصِـلَ إلـى الاشْتِـراكِ فـي القُـدُسـاتِ لِشِفـاءِ النَّفْـسِ والجَسَـد. هَـذا مـا حَصَـلَ مَـعَ تِلْميـذَيْ عِمْـواس، اللَّـذَيـنِ أُغْلِقَـتْ أَعيُنُهُمـا عَـنْ مَعْـرِفَـةِ الـرَّبّ، مَـعَ أَنَّهُمـا كـانـا مِـنْ تَـلامِيـذِهِ، ذَلِـكَ لأَنَّهُمـا غَـرِقـا فـي هُمـومِ هَـذا الـدَّهر، وفـي الأَخْبـارِ المُتَنـاقَـلَـة، ولَـمْ تَنْفَـتِـحْ أَعْيُـنُهُمـا إِلَّا عِنْـدَمـا كَسَـرَ الخُبْـزَ، فَعَـرَفـاهُ، لَكِنَّـهُ اخْتَفـى عَنْهُمـا. هَـذا الاخْتِفـاءُ كـانَ بـابًـا فَـتَحَـهُ لَهُمـا لِكَـيْ يَذْهَبـا ويُخْبِـرا عَنْـهُ، أَيْ لِكَـيْ يَنْطَلِـقَ لِسانـاهُمـا بِـالبِشـارَةِ الإِلَهِيَّـة، فَـلا يَعـودُ الخَـوْفُ يُخْـرِسُهُمـا. كـذلـك نَحْـنُ، كَمُـؤمِنيـنَ مُسْتَنـيرينَ بِالرُّوحِ القُدُسِ بِالمَعمـودِيَّـة، يَجـبُ عَلَيْنـا أَنْ نَعْـرِفَ الـرَّبَّ، إِلَّا أَنَّ هُمـومَ هَـذا العـالَـمِ تَحجُـبُ المَسيـحَ مِـنْ أَمـامِ أَعْيُنِنـا، فَتُعْمينـا عَمَّـا فيـهِ خَـلاصُنـا، ونُصْبِـحُ مُشـابِهِيـنَ لِـلأَعْمَيَيْـنِ مَعًـا: مُتَكَبِّـرِيـنَ بِسَبَـبِ انتِمـائِنـا إلـى المَسيـحِ، ظـانِّيـنَ أَنَّنـا أَفضَـلُ الجَميـع، ومُستَعْـبَدِيـنَ لِـوَثَنِيَّتِنـا بِعِبـادَتِنـا المَـادِّيَّـاتِ الَّتـي أَسْقَطَنـا هَـذا العـالَـمُ فـي وَهْـمِ الحـاجَـةِ إِلَيْهـا أَكْثَـرَ مِـنَ الـرَّبّ.


بَعْـدَمـا شُفِـيَ الأَعمَيـان، طَلَـبَ مِنْهُمـا الـرَّبُّ أَلَّا يُخْبِـرا أَحَـدًا بِمَـا فَعَلَـهُ، لَكِنَّهُمـا لَـمْ يَسْتَطيعـا إِلَّا أَنْ يُبَشِّـرا بِمَحَبَّتِـهِ غَيْـرِ المَحـدوَدَة، وبِقُـوَّتِـهِ الشَّـافِيَـةِ لِلنَّفْـسِ والجَسَـد، فَـأَخْبَـرا كُـلَّ الأَرْضِ عَنْـهُ.


عِنْـدَمـا يَلْمُـسُ الـرَّبُّ النَّفْـسَ، يُغْـدِقُ عَليْـهـا فَرَحًـا عَظيمًـا لا تَسـتَـطيعُ كَـبْتَهُ، لأَنّهـا لا تتَسِّعُ لَهُ، فَتَـهْـرَعُ إلى مُشـارَكَتِـهِ مَـعَ الجَمـيعِ، فَيَكـونُ فَـرَحٌ عَظيـمٌ فـي كُـلِّ الأَرض.


أَمَّـا الأَخْـرَسُ فَيُظْهِـرُ لَنا كَـمْ أَنَّ الشَّيْطـانَ، بِقُـوَّتِـهِ، يَسْتَطيـعُ التَّحَكُّـمَ بِـالإِنْسـانِ المُستَسلِمِ لَـهُ، فَـيُحَـرِّكُـهُ علـى هواه وتُهْلَـكُ نَفْسُـهُ إلـى الأَبَـد. فـي المُقـابِـل، مَـنْ تَنْفَتِـحُ عيناه لِـرُؤيَـةِ الله، يَعْـرِفُ اللهَ حَقًّـا، فَيُحِبُّـهُ، وتَنْفَـكُّ عِقْـدَةُ لِسـانِـهِ، ويَطْفُـرُ فـي الأَرْضِ مُسَبِّحًـا الـرَّبَّ ومُخْبِـرًا الجَميـعَ بـعَظَمَتِـه. هَكَـذا، مَـنْ يَـرَى المَسيحَ ويُسَبِّحُـهُ، يَكـونُ كَـأَحَـدِ مَـلائِكَـةِ السَّمـاءِ، إِنَّمـا عـائِشًـا عـلى الأَرْضِ، مُتَذَوِّقًـا المَلَـكـوتَ مُـسْبَـقًـا.


يقَـوْلُ النَّبِـيِّ إِشَعيـاء: «تَشَـدَّدوا لا تَخـافـوا، هُـوَذا إِلَهُكُـم، الإِنتِقـامُ يَـأتـي، جَـزاءُ الله، هُـوَ يَـأتـي ويُخَلِّصُكُـم. حينَئِـذٍ تَتَفَتَّـحُ عُيـونُ العُمِي، وآذانُ الصُّمِّ تَتَفَـتَّـح، حينَئِـذٍ يَقْفِـزُ الأَعْـرَجُ كَـالأَيِّـل، ويَتَـرَنَّـمُ لِسـانُ الأَخْـرَس» (35: 4 - 6). لَقَـدْ حَضَـرَ الـرَّبُّ لِكَـيْ يَنْتَقِـمَ لَنـا، ويُخَلِّصَنـا مِـنْ بَـأْسِ الشَّيـاطيـنِ وتَسَلُّطِهـا عَلَيْنـا بواسطة الخَطـايا. لَكِـنّ كَثيـرينَ يُعايِنون خَـلاصَ الـرَّبِّ بِـأَعْـيُـنِهِـم ويَبْقـى مَـوقِفُهُـم سَلْبِـيًّـا مِثْـلَ الفَـرِّيسِيِّيـن القـائِليـن: «إِنَّـهُ بِـرَئيـسِ الشَّيـاطيـنِ يُخْـرِجُ الشَّيـاطيـن». هَـؤلاءِ يَتَشَبَّثـونَ بِعَمـاهُـم ولِسـانِهِـم المَعْـقـود، ولا يُـريدونَ رُؤيَـةَ الحَقيقَـةِ والتَّبشيـرَ بِهـا، لأَنَّـهـا لا تُنـاسِـبُ مَصْلَحَتَهِـم. لَقَـدْ ظَـنَّ الفَـرِّيسيُّـونَ أَنَّهُـم إِنْ اعْـتَـرَفـوا بِـالمَسيحِ يَفْقِـدُونَ وَظيفَـتَهُـم كَمُتَحَكِّميـنَ بِـالشَّعـب، وجَهِلـوا أَنَّهُـم كـانـوا لِيَتَحَـوَّلـوا إلـى صَيَّـاديّ نـاس، تَمـامًـا كـالـرُّسُـل، يـوصِلـونَ البشرَ إلـى المَلَكـوتِ السَّمـاوِيّ، بَـدَلًا مِـنْ إِهـلاكِ نُفـوسِهِـم. لِهَـذا يَقولُ عَنْهُـم المَسيـح: «وَيْـلٌ لَكُـم أَيُّهـا الكَتَبَـةُ والفَـرِّيسيُّـونَ المُـراؤون، لأَنَّكُـم تُغْلِقـونَ مَلَكـوتَ السَّمـاواتِ قُدَّامَ النـاس، فَـلا تَـدْخُلونَ أَنتُـم، ولا تَدَعـونَ الـدَّاخِلـينَ يَـدْخُلـون» (مـت 23: 13).


يـا أَحِبَّـة، زُعَمـاءُ هـذا البلد يُشبِهـونَ الفَـرِّيسيِّيـن، فَهُـم لا يُـريـدونَ خَـلاصَ البَلَـدِ والشَّعـب، ولا يَتَـزَحْـزَحـونَ مِـنْ دَرْبِ الَّـذيـنَ يَشـاؤونَ الـعـمـلَ مِـنْ أجـلِ الإصـلاحِ وانتِهـاءِ الأَزَماتِ والـوُصـولِ إلـى دَوْلَـةِ مُـؤَسَّسـاتٍ لا فَسـادَ فيهـا ولا مَحسـوبِيَّـاتٍ ولا استِقـواء، دَوْلَـةٍ جَيْشُهـا واحِـدٌ، وحُـدودُهـا واضِحَـةٌ، وقضاءُها عادلٌ، ورِزْقُهـا لِلخَيْـرِ العـام، لا لِلجُيـوبِ الخاصَّة. يَتـوقَّفون عـنـد شُـغـورِ مـركـزٍ ويُـقيـمـون الأرضَ وما فـيـها مِـنْ أجـلِ مِـلـئـه ويَتَنـاسَـون أنَّ المـشـكـلـةَ في شُـغورِ الـمـركـزِ الأول، أي في غِـيـابِ الـرأس، وأنَّ كـلَّ الـمراكـزِ تُمْـلأُ وعَجَلَةَ الـدولـةِ تَدورُ عِنـدَ انـتـخـابِ رئـيـسٍ وتَـشـكـيـلِ حـكـومـةٍ تُـجري الإصـلاحـاتِ اللازِمَـة. لـقـد حـانَ الـوقتُ لإعـادَةِ إدخـالِ مَـفـاهـيـمَ إلـى سـلـوكِ الـسـيـاسـيـيـن كـاحـتـرامِ الـدسـتـورِ وتَـطـبيقِ الـقـوانـيـنِ والـنـزاهـةِ والـشـفـافـيـةِ والـصـدقِ والـقـيـامِ بـالـواجـبِ والـمُـحـاسـبـة، مـفـاهـيـمَ ضـاعتْ لـكـنَّـهـا ضـروريّـةٌ لإنتظـامِ الـحـيـاةِ الـعـامـة.


دَعْـوَتُنـا اليَـوْمَ أَنْ نَفْـتَـحَ أَعْيُنَنـا لِـرُؤيَـةِ الحَقيقَـة الـوَحيـدَة، أَي المَسيـح، وأَنْ نُطْلِقَ أَلْسِنَتَنـا بِـالتَّسبيـحِ الـدَّائِـمِ والاعتِـرافِ بِـالإِلَـهِ الحَـيِّ بِـلا خَجَـلٍ، مُخْبِـريـنَ كُـلَّ الأَرْضِ عَـنْ عَظَمَتِـهِ ومَحَبَّتِـهِ غَيْـرِ المُتَنـاهِيَـة". 

MISS 3