شربل داغر

عن عدائيّة شائعة للغرب

24 تموز 2023

02 : 00

كم أقع في كتب، في مقالات، في دراسات، على أوصاف وتقديرات وأحكام في خصوص سياسات أو مؤسسات أو إنتاجات أو فعاليات أوروبية أو غربية. ما أقرأ عنه، يتم وصفه والحكم عليه، كما لو أنه نتاجُ وحاصلُ سياسات أوروبية وغربية... استبدادية.

هذا يكشف عن عدائية شائعة ضد الغرب، ضد أوروبا، كما لو أنها ذات نشاطية استعمارية مستمرة بل متمادية.

كما لو أن لهذه الدول «جوهراً» ثابتاً، والسياسات عينها، وعداء مستحكماً ضد الإسلام والمسلمِين، من دون أن يعني كلامي تبرئتها التامة من كل هذا.

إلا أنه يعني في تعبير مزدوج: الجهل بما هو عليه الغير بين اليوم والأمس، من جهة، وتصويرُ سياسات الغير- من دون قصد- كما لو أنها سياسات الاستبداد المحلية، من جهة ثانية.

هذا الجهل، بل المعرفة الناقصة، يعود- في ما يعود إليه- إلى نواقص واعتيادات في الأجهزة الإعلامية، والثقافية، والسياسية، تتماشى مع شعبوية متعاظمة، ومع سياسات رسمية تعمل على تقوية الخصم أو العدو للتخفيف من مسؤولية الحاكم عمّا يجري في بلده: الإمبريالية دائماً أقوى؛ والصهيونية «متفوقة»...

هكذا تبدو السياسات أقرب إلى عالم الجن وأفلام جيمس بوند، منها إلى أشكال السيطرة، ورسم السياسات، وصِيَغ الحكم وغيرها.

إلا أن الأمر الثاني، في هذا الوصف، أشد تمثيلاً للمزاج العام، بما فيه الثقافي: يُصور سياسات الغير كما لو أنها سياسات الحكم، التي لا يقوى على وصفها أو التنديد بها: نجد معارضِين لا يقوون على التعرض لحكامهم، فيقولون، في تشنيع حكومات خارجية، كما لو أنها حكوماتهم الخاصة.

ما يحصل من هذا كله، هو تناقصُ المعرفة والفهم، واستبدالُها بتصورات شعبوية، عنصرية، مبسطة.

كان يتم الكلام، قبل عقود، عن الإمبريالية و»أذنابها المحليين»، فيما بات كلام اليوم يتحدث عن «الشيطان الكبير»، و»الشيطان الأصغر»... وما كان يتم النظر إليه في نظّارة ايديولوجية، بات يُنظر إليه وفق منظورات سحرية، شعبوية، أقرب إلى عالم الجن والعفاريت.

إلا أن لهذا كله كلفة... ثقافية، لا سياسية وحسب، إذ بات يُنظر إلى العلوم الإنسانية، إلى المناهج الحديثة، إلى مؤسسات المعرفة، وإلى ضوابط الدرس والعلم، كما لو أنها «صنيعة» غربية قامت وبُنيت لكي تُوظف ضد هذه الشعوب بالذات، ضد علومها «الراسخة»، وضد دينها «القويم»، والمهدَّد من دون غيره.

هذه الثقافة الشيطانية تتعمّم، حتى عند من يَظنون أنفسهم معارضي الاستبداد المحلي، أو الممانعة البلدية، إذ تراهم يسوقون من الأحكام والمواقف ما لا يَبعد عن تجهيل الحاكم المحلي من كل سياساته، ومن أكلاف تخلّفها الباهظة.


MISS 3