جوزيف حبيب

الاغتصاب... "سلاح قذر" في حروب "التطهير"!

24 تموز 2023

02 : 00

الإعتداء الجنسي على فتيات في مانيبور أثار غضباً عارماً في الهند والعالم (أ ف ب)

يكاد لا يمرّ نزاع أهلي أو حرب بين دولتين أو أكثر، إلّا ويُستخدم «سلاح الاغتصاب» بطريقة ممنهجة وعشوائية على حدّ سواء، بغية بثّ الرعب في نفوس المُستهدفين وإرغامهم على مغادرة أراضيهم أو العيش صاغرين. آخر «ملاحم» الوحوش الناطقة في هتك الأعراض التي تخرج إلى العلن، ما كشفه فيديو مقزّز يعود إلى شهر أيّار الفائت وانتشر كالنار في الهشيم في الهند أخيراً، ويُظهر كوكبة من «الرجال» من مجموعة ميتي ذات الغالبية الهندوسية يُجبرون فتاتَين من مجموعة كوكي المسيحية على السير عاريتَين وسط حشد من الغوغاء في مانيبور، قبل أخذهما إلى أحد الأدغال حيث تعرّضتا لاغتصاب جماعي.

هذا الفيديو ليس سوى رأس جبل جليد الانتهاكات الجسيمة التي تطال أفراداً من أقليّة كوكي، خصوصاً الفتيات والنساء، من قِبل رعاع من مجموعة ميتي، مع تفجّر أعمال عنف عرقية دموية في مانيبور بشمال شرق الهند، تتخلّلها عمليات اغتصاب وقتل وقطع رؤوس واسعة النطاق. ما يحصل في مانيبور مشهد مأسوي فظيع مصغّر لما حصل خلال الحرب الأهلية الرواندية في تسعينات القرن الماضي، حين تعرّضت أقليّة التوتسي لإبادة جماعية بعد صدام أهلي مع إثنية الهوتو التي تُشكّل الغالبية.

الإغتصاب كان «سلاحاً فتّاكاً» معتمداً أثناء التطهير العرقي في البحيرات الأفريقية العظمى، إذ اغتُصبت عشرات آلاف الفتيات والنساء في عمليّات فرديّة، وجماعيّة مخطّط لها، استُخدمت خلالها أدوات حادة أحياناً كثيرة. وبالعودة سنوات إلى الوراء، تعرّضت الأقليّة الأيزيدية لمصير مماثل على يد جهاديي تنظيم «الدولة الإسلامية» عندما نجحوا بالسيطرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. فقد عمد «جنود الخلافة» إلى ارتكاب إبادة جماعية بحق الأيزيديين في شمال العراق، واتّخذوا من الأيزيديات «سبايا» حرب، وقاموا ببيعهنَّ لمقاتليهم ولمَن يرغب بشرائهنَّ في «أسواق الرق» لاستعبادهنَّ جنسيّاً على مدى أعوام.

إضافةً إلى الإضطهاد والقتل، لجأ الدواعش إلى العنف الجنسي والاغتصاب الجماعي بهدف تجريد الأيزيديين من إنسانيّتهم وإذلالهم وتفكيك عائلاتهم وتفتيت مجتمعهم وضربهم في الصميم لإلغائهم من الوجود. وهكذا حصل عبر تاريخ طويل من الغزوات والصراعات، مروراً بالحرب العالمية الثانية وفجاعاتها وصولاً إلى الفظاعات المتنقّلة التي هزّت جنوب شرق آسيا والبلقان والسودان ونيجيريا والساحل الأفريقي ومختلف البؤر الساخنة في «القارة السمراء» وأميركا اللاتينية، وسوريا وأوكرانيا... والقمع المشبّع بالعنف الجنسي في إيران وبيلاروسيا وغيرهما. «الجنون الجماعي» أخطر وأعمق وأكثر تحطيماً للإنسان بما لا يُقاس من الجنون الفردي. وعندما يصل هذا الجنون إلى ذروته ويغدو حرباً ضروساً، يُحوّل المجتمع برمّته إلى «مسلخ للأمراض العقلية»!

لطالما استُخدم الاغتصاب كسلاح حرب واحتقار قذر، ويبدو أنّه سيبقى سيفاً مصلتاً في وجه الأقليّات و»الآخر المُختلف» والمعارضين السياسيين لترهيبهم وإخضاعهم أو تهجيرهم، فيما تظلّ إحصائيّات مثل هذه الانتهاكات الخطرة بعيدة كلّ البُعد عن حصيلة الحالات الحقيقية التي غالباً ما تُدفن في ذاكرة المُغتَصبات اللواتي يحملنها بألم قاتل للحياة حتّى الهلاك. قد تتمكّن المحكمة الجنائية الدولية من محاسبة بعض قادة مرتكبي الإبادات والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، إن توفّرت إرادة دوليّة جدّية لذلك، لكنّها لا تستطيع منع حصولها. والخوف يكمن في أن هذه التجاوزات اللاإنسانية تحظى في غالبية الأحيان بـ»غطاء مؤسّسي» ونوع من «الشرعيّة المجتمعيّة» في أزمنة «التطهير» الديموغرافي والمخاطر الوجودية.


MISS 3