في عاشوراء دموع ولطميات وتطبير، وفيها توزيع الهريس أو الهريسة، عن روح الحسين، مجاناً على البيوت أو على الحواجز العاشورائية، وهي عبارة عن طبق من القمح المغلي مع اللحم يتم تحضيره بكميات كبيرة وتوزيعه بمناسبة عاشوراء. غير أنّ العبارة تقال عمن بكى على ما فاته من الأطباق لا على الحسين.
الممانعة جعلت التعطيل طقساً من طقوس الجمهورية، أمّا إذا ما لوّح به أحد من خصومها، مجرد تلويح، فهو موضع إدانة. الإدانة لعبتها للتسلية ومادتها للخطابة. هكذا يتصرف جمهور الشيعية السياسية حيال إدانة الفقهاء لظاهرة التطبير. لا يكترثون ويضاعفون اللطم على الصدور والتطبير حتى على رؤوس الأطفال.
تتظاهر الممانعة بالبكاء على حوار موؤود وهي تعرف أنّ الحوار قائم لكنه حوار طرشان، وأنّ اللاعبين يتقاذفون وجهات النظر على مرأى ومسمع الشعب اللبناني وشعوب العالم عبر كل المنصات المحلية والدولية في مكبرات الصوت ووسائل الإعلام أو تحت الطاولة أو عبر الوسطاء. مرتا الممانعة تهتم بأمور كثيرة وتتداول أفكاراً عديدة والمطلوب واحد، انتخاب سليمان فرنجية.
الممانعة تستنكر تعطيل الحوار وتتمادى في تعطيل الدولة كلها بدستورها وقوانينها ومؤسساتها. في نظرها تعطيل الحوار أخطر من تعطيل الدولة. ذاك ينال من كرامة رئيس البرلمان ومن مشروع الثنائي، أما الثاني فغاية ما ترمي إليه بمماحكاتها المكشوفة، وهو ما يمكن تداركه بالصبر وبلعبة عض الأصابع. يقول قائلها، لا تضيعوا وقتكم. في نهاية الأمر ستذعنون كما سبق لكم أن أذعنتم.
الممانعة تحصل على هدايا مجانية من الفدراليين. لهم القول والضوضاء والصيت غير الحسن ولـ»حزب الله» الفعل. له مستشفاه ومدرسته وصيدليته وقرضه الحسن وله محاكمه وأدواته الأمنية وسيادته على حدود الغيتو ولهم الندب وبكائيات أين منها بكائيات كربلاء. لا ينقصهم إلا اللطم والتطبير حتى تكتمل الحكاية و»يتمّ النقل بالزعرور».
الممانعة تتصرف بمقاييس مقلوبة تشبه أحكام قراقوش. تطلب من اللبناني أن يستجدي من النظام السوري الموافقة على عودة النازحين. أجبرهم على النزوح ثم يجبرهم على طلب اللجوء السياسي إلى بلدهم مع تدفيع لبنان الجزية، لكن من خارج الشروط المدرجة في مواثيق حقوق الإنسان.
الممانعة تنسحب من الجلسة الثانية فتعطل النصاب، ثم تدين المعارضة لأنّها لوحت بالتعطيل. التلويح بالتعطيل أخطر من التعطيل الفعلي. تماماً مثل حكاية الفدرلة. معادلة قرقوشية تشبه عقاب جحا الاستباقي لابنته حتى لا تكسر جرة الماء وهي عائدة من النبع.
الممانعة تطمئن اللبنانيين إلى أنها لا تبغي تعديلاً ولا تغييراً في النظام ولا في دستور الطائف، لكنها بالشغور الذي تصنعه في الرئاسة والحاكمية وقيادة الجيش ومجلس القضاء الأعلى، وهي كلها مواقع للطائفة المارونية، إنما تبغي إلغاء النظام والدستور والدولة لا تغييرها أو تعديلها فحسب. إذ بأي مؤسسات وأجهزة وإدارات ستمارس الدولة سيادتها في ظل الشغورات الأربعة، وبأي لغة سنعيد قول رفيق الحريري أننا أوقفنا العد؟
يتظاهر الثنائي بالبكاء على سقوط الحوار، لكنه في قرارة نفسه مغتبط وسعيد، لأن في ذلك خير تمهيد لتكريس الفراغ. وفي هذه الحالة إما أن تذعن المعارضة لمجيئ رئيس ممانع أو تسقط الدولة فتصبح هوية الرئيس تفصيلاً سخيفاً.
تسقط عبارة «البكاء على الهريسية لا على الحسين» كالحفر والتنزيل على مشهد إفراغ الدولة من محتواها. فهل من مستفيد؟ أعتقد أنها لعبة خطرة على الوطن وعلى أصحابها. ففي المشهد ما هو أقرب إلى اللعب بالنار.