تحفيز الدماغ المكثّف يُزيل الاكتئاب في 90% من الحالات!

04 : 35

تكشف دراسة أولية أن شكلاً مكثفاً من تحفيز الدماغ المغناطيسي المستهدف قد يكون حلاً سريعاً وآمناً لتخفيف الاكتئاب وتجنب الأفكار الانتحارية.

يُعتبر الاكتئاب من أبرز أسباب الإعاقة حول العالم. تشير تقديرات "المعهد الوطني للصحة النفسية" إلى إصابة 17.3 مليون راشد بنوبة من الاكتئاب الحاد في العام 2017 في الولايات المتحدة وحدها. وتكون الأفكار الانتحارية شائعة أيضاً لدى المصابين باكتئاب حاد أو بالاضطراب ثنائي القطب.

تستطيع الأدوية المضادة للاكتئاب أن تخفف الأعراض، بما في ذلك الأفكار الانتحارية، لكنها لا تبدأ بإعطاء مفعولها قبل أسابيع. لذا يضع العلماء تطوير علاجات جديدة آمنة وفاعلة وسريعة المفعول على رأس أولوياتهم. أصبح الكيتامين والعلاج بالصدمة الكهربائية خيارَين مثبتَين لمعالجة الأفكار الانتحارية سريعاً. لكن يخشى بعض الخبراء الآثار الجانبية المرتبطة بتلك العلاجات. كذلك، توسّعت وصمة العار التي ترافق استعمال العلاج بالصدمة الكهربائية، ما يعني أن الناس لا يختارون هذه الطريقة في معظم الحالات.

علاج متسارع

لمعالجة الحاجة إلى علاج فاعل وسريع للاكتئاب، طوّر باحثون من كلية الطب التابعة لجامعة "ستانفورد" في كاليفورنيا شكلاً جديداً من التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة. حمل العلاج الجديد اسم "علاج ستانفورد بالتعديل العصبي الذكي والمتسارع".

وفق دراسة صغيرة وأولية نشرتها "المجلة الأميركية للطب النفسي"، خفّف هذا العلاج أعراض الاكتئاب سريعاً لدى 90% من المرضى. لكن لم تكن التجربة عشوائية بل مفتوحة، بمعنى أن المشاركين والباحثين كانوا يعرفون طبيعة العلاج. ولم تُستعمل أي مجموعة مرجعية لتقييم أثر الدواء الوهمي. مع ذلك، كان معدل النجاح مرتفعاً على نحو غير مسبوق. يقول المشرف الرئيس على الدراسة، نولان ويليامز: "لم يسبق أن تجاوز أي علاج للاكتئاب المقاوم للأدوية عتبة 55% من معدلات ركود المرض في هذا النوع من الاختبارات المفتوحة. يُقال إن العلاج بالصدمة الكهربائية هو المعيار الذهبي في هذا المجال، لكن تقتصر نسبة غياب الأعراض بفضله على 48% في حالات الاكتئاب المقاوم للعلاج. لم يتوقع أحد هذا النوع من النتائج".

يبدو أن "علاج ستانفورد بالتعديل العصبي الذكي والمتسارع" يتخلص من الأفكار الانتحارية سريعاً لدى جميع المرضى، وتقتصر آثاره المعاكسة على الإرهاق وبعض الانزعاج خلال العلاج.



النسخة التقليدية من التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة

في العام 2008، صادقت "إدارة الغذاء والدواء" الأميركية على استعمال التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة للمصابين باكتئاب مقاوم للعلاج.تقضي هذه التقنية ببث نبضات كهربائية عبر لفافة مغناطيسية توضع على فروة الرأس فوق منطقة دماغية اسمها قشرة الفص الجبهي الظهري الأيسر. هذه المنطقة مسؤولة عن الوظائف التنفيذية، مثل الانتباه والذاكرة العاملة واتخاذ القرارات.

يقوم الحقل المغناطيسي الذي ينتجه التحفيز المتكرر عبر الجمجمة بتنشيط الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي الظهري الأيسر، ما يزيد قوة نقاط الاشتباك العصبي التي تربط بينها مع مرور الوقت. كما تزيد فاعلية تلك النقاط في نقل الإشارات العصبية.

يظن علماء الأعصاب أن الدماغ يتعلم أساليب جديدة للتفكير والتصرف بهذه الطريقة، فيعيد توصيل أسلاكه بناءً على المبدأ القائل إن الأعصاب التي تنشط معاً تتّصل في ما بينها أيضاً.

تتطلب الأشكال المعروفة من التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة جلسات تحفيز يومية طوال ستة أسابيع، وهي تخفف أعراض الاكتئاب لدى نصف المرضى تقريباً.

إفترض الباحثون في "ستانفورد" أنهم يستطيعون تحسين النتائج سريعاً عبر زيادة كثافة التحفيز المغناطيسي وتقصير مدة العلاج وحصره بخمسة أيام متلاحقة. يشمل العلاج الجديد عشر جلسات من عشر دقائق يومياً، تفصل بينها 50 دقيقة.

إستهدف الباحثون أيضاً النبضات المغناطيسية بدقة عالية. كشفت دراسة سابقة أن نجاح التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة يتوقف على درجة "الرابط العكسي" بين نشاط قشرة الفص الجبهي الظهري الأيسر بعد تحفيزها ونشاط قشرة التلفيف الحزامي الأمامية تحت الثفنية. لذا استعمل علماء "ستانفورد" التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لرصد المنطقة التي تسجّل أقوى أثر كابح على قشرة التلفيف الحزامي الأمامية داخل قشرة الفص الجبهي الظهري الأيسر.

لم يتجاوب مجموع المشاركين (21 فرداً) مع العلاجات الأخرى، بما في ذلك الأدوية المضادة للاكتئاب والعلاج بالصدمة الكهربائية والنسخة التقليدية من التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة. لكن بعد إنهاء العلاج الجديد، اكتشف الباحثون أن الأعراض تلاشت لدى 19 مشاركاً (90%).

صحيح أن جميع المشاركين راودتهم أفكار انتحارية قبل الخضوع للعلاج، لكن اختفت تلك الأفكار لديهم بعد تلقي "علاج ستانفورد بالتعديل العصبي الذكي والمتسارع". وبعد شهر على انتهاء العلاج، لم يتجدد الاكتئاب لدى 60% من المشاركين.

خطط مستقبلية

يستنتج العلماء في تقريرهم: "يثبت نجاح علاج "ستانفورد" في طمس الأفكار الانتحارية وتراجع مدة البروتوكول المستعمل أن الابتكار الجديد يشكّل نهجاً سريعاً لضمان سلامة أصحاب الميول الانتحارية".

يعمل الباحثون اليوم على إجراء تجربة عشوائية وأكبر حجماً، حيث يتلقى نصف المشاركين نسخة مزيفة من التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة. يعني ذلك أن العلماء والمشاركين لن يعرفوا ما إذا كانت اللفافة المغناطيسية ناشطة أو معطّلة.

يخطط العلماء أيضاً لتقييم مدى فاعلية "علاج ستانفورد بالتعديل العصبي الذكي والمتسارع" في حالات أخرى، مثل اضطرابات الوسواس القهري والإدمان وطيف التوحد.


MISS 3