خضر حلوة

نهج المافيا والتغيير السياسي

21 نيسان 2020

03 : 20

لا بد من رص الصفوف وشرح الأخطار ووضع خطة داخلية موحدة (فضل عيتاني)

ما يشغل البال فعلاً وما يجب ان يخشاه الناس، افراداً ومجموعات، وما يجب ان يتنبه اليه الجميع ويستدركه كل المعنيين بالانتفاضة او الحراك او الثورة سواء أكانوا كتاباً او منتفضين او محللين، هو ما يتوالى يومياً من اجراءات نقدية ومالية تعكس نوعاً من التخبط والعشوائية والاستنسابية المفرطة، سواء عبر قرارات او اجراءات مصرفية، او ممارسات جارحة غير مقنعة وغير قانونية تطال 98/100 من العملاء، خاصة المودعين منهم او حتى المقترضين - الصغار والمتوسطي الحجم - بما يعني عملياً انها تطال جميع الناس اذا اضفنا اليهم الفقراء والمعدمين الذين بات عددهم نصف المجتمع اللبناني.

وبمعزل عن المواجهات السياسية التي بدأت تزداد حدة، الى جانب الضياع السياسي الحكومي والتخبط الظاهر لدى عددٍ من المسؤولين والوزراء والمستشارين، فان ما يتوجب التنبه اليه هو ما يعرف بخطر المافيا التي تتربص عادة خلال الأزمات والحروب والثورات، باعتبار انها عادةً ما تملك المال النقدي غير النظيف والمتوفر بين ايديها. وهذا ما حدث في بلدان كثيرة اذ ان هذه المافيات تستغل حالات الفقر هذه، والغضب لدى غالبية الناس التي وصلت الى حافة الهاوية لقلب الاسس السياسية ووضع اليد على القرار.

هذا الخطر لطالما كان موجوداً بسبب الاعمال غير الشرعية التي تمارسها عصابات المافيا عادةً، وقد ازداد نفوذها في السنوات الخمس عشرة الاخيرة، وبدأ يتعاظم سنةً بعد سنة، و بخاصة منذ العام 2018 وصولاً للعام 2019، وتحديداً بعد اغلاق أحد المصارف بين ليلة وضحاها في منتصف العام الماضي، نتيجة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة الاميركية حين بدأت ايادي المافيا على اختلاف انواعها بالظهور وعدم التخفي او عدم الاكتراث لما هي متورطة به.

وقد ساعدها في ذلك بدء تهريب رساميل وارباح شرعية او مشبوهة بالعملة الصعبة، وتحديداً الدولار، الى الخارج سواء من افراد او من شركات او من مصارف، مما اتاح لها فرصة تعاظم نفوذها نتيجة حيازتها لهذه العملة، وتحديداً النقدية - الورقية اي ما يعرف بالبنكنوت المتوافرة في خزائنها وصناديقها، وبامتلاكها لها تكون قد خلقت اداة ضغط سياسي وليس اقتصادياً فحسب. مما يدفعنا الى الشك بانه من غير المستبعد ان تتهيأ لتغيير المضمون والشكل السياسي للبلاد، وليس فقط النظام الاقتصادي. وهي لن تتردد في محاولة الشروع بشراء الولاءات لدى هذه الشريحة الكبيرة والواسعة من الناس الفقراء والمعدمين والغاضبين. وباعتقادنا انها ليست عاجزة عن استكمال هذه القوة السياسية عبر قنواتها الموجودة في البلد كله: في المناطق وداخل الطوائف وبعض المؤسسات النقابية والاجتماعية والتربوية والصحية الخ... وهو أمر ليس بالصعوبة على من يملك الداتا شبه الكاملة لمكونات البلد، وللقنوات البشرية المرتبطة بها والمنتشرة في كل منطقة وقرية ومدينة.

هذا النهج هو المعروف لدى دول تسيطر عليها مافيات متنوعة تبدأ من تجارة المخدرات الى العاب القمار والدعارة وصولاً الى تجارة البشر، ومروراً بكل انواع الاعمال غير المشروعة من تهريب بضائع واسلحة ونفوذ في مرافئ ومرافق وجمارك واماكن اللهو، الى ما هنالك من موارد المال غير الشرعي وغير النظيف وغير الموجود في صناديق المصارف التي لم تتجاوب بالتساهل مع هؤلاء، بل موجودة في صناديق المافيات النافذة والقوية التي تهدف الى الامساك المحكم بأي دولة تحت سيطرة نفوذها المالي، والتي تقاطعت مصالحها مع مصالح جهات سياسية تتخذ من التغيير شعاراً وكلام حق يراد منه باطل، فتستعين بقوة المافيا لتغيير ركائز النظام المالي والنقدي والاقتصادي.

هذا الخطر ذو البعد السياسي يمكّن حامل النقد الورقي من شراء الفقراء والمعوزين مقابل ولائهم وانتمائهم ثم الزامهم - حين يأتي الأوان - باختيار من يريدونهم للحكم، ومن ثم التحكم بالقرار السياسي الكامل والشرعي عبر المؤسسات، بعد تغيير كل ما له علاقة بالدستور والقوانين والانظمة. ليصار بعدها الى استكمال التركيبة والمنظومة السياسية الجديدة ثم المالية ثم الاقتصادية والاجتماعية، والتي تستتبعها الدفاعية والتربوية وكل ما له علاقة بلبنان القديم بعمر الماية عام الذي يلفظ انفاسه منذ بداية هذا القرن.

أما كيف تكون مواجهة هذا الخطر الكبير ومحاولة درء هذا التحول والمنعطف؟ فلا بد من رص الصفوف اولاً وشرح الاخطار ثانياً، ثم وضع خطة داخلية موحدة ومتماسكة تطلب الدعم من دون حرج من قوى خارجية دولية وعربية، كي تمنع الانهيار المقصود للقطاع المصرفي، والعمل على تنقيته، ثم العمل على ايجاد الحلول لضخ السيولة بالعملة الصعبة النظيفة منعاً لاستدراج الناس - المنهوبين واليائسين حالياً والفاقدين كلياً للثقة التي بنيت على اساسها المصارف - الى احضان هذه المافيا المتربصة للانقضاض على السلطة بالسياسة وبالقرار السياسي وبالتركيبة التاريخية للبلد، التي تحتاج الى اعادة نظر واعادة تكوين واستعادة عافيته ولو بعد حين، والا يكون الخيار المافياوي هو البديل المر والامرّ من اي وباء.


*سفير سابق

MISS 3