سيلفانا أبي رميا

إعلامية الزمن الجميل التي أتقنت قواعد الشاشة الأنيقة

مي متّى: تفتقر شاشات اليوم للثقافة والرقيّ

4 آب 2023

02 : 00

هي السيدة الأنيقة التي حجزت لها مكانةً نادرةً على الشاشة وفي القلوب، والإعلامية الراقية التي اختارت التواري عن الهواء منذ 13 سنة. بدأت مشوارها في أواخر الثمانينات عبر شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بتقديم نشرة الأخبار مع زميلها طوني خليفة آنذاك، إلّا أن توقّف الأخبار السياسية عن الشاشات اللبنانية لمدة عامين بدءاً من العام 1994 دفعها إلى الإنتقال لبرامج المنوّعات، فأصبحت المقدِّمة الرئيسة لبرنامج «نهاركم سعيد» الصباحي، وشكّلت مع مي شدياق وجورج غانم قامات لبنان الإعلاميّة وذروة الإحتراف. «نداء الوطن» طرقت باب مي متّى التي أعلنت الإنسحاب والتقاعد فكان معها حديث مليء بمحطات النجاح المهني الذي لم تُغرِه الشهرة ولا الأضواء.

متى انطلقت على الشاشة الصغيرة؟

بدأت حكايتي مع الشاشة في العام 1985، حين تلقيت اتّصالاً من «المؤسسة اللبنانية للإرسال» أخبرني خلاله المتّصل أن المؤسسة ستفتح هواءها بعد 10 أيام، مبدياً رغبته في انضمامي إليها. وهكذا صار.

هل كنتم تخضعون لأي اختبارات من إدارات التلفزيون قبل قبولكم؟

لا أذكر خضوعي لأي اختبار أبداً. فيوم انضمامي إلى التلفزيون كنت قد أمضيت 3 سنوات في العمل الإذاعي، وكان صوتي مشهوراً جداً لكن لا أحد يعرف شكلي. إلّا أنّ بعد مرور سنوات علمت أن كل شخص انضمّ إلى هذه الشاشة خضع لاختبارٍ محتّم ودقيق.

ما البرنامج الأحبّ إلى قلبك الذي قدّمته يوماً؟

لكلّ برنامج مكانته في قلبي، فكلٌّ منها أعطاني إضافةً جديدةً: «نهاركم سعيد» كان يبقيني على اطّلاع دائمٍ على الأحداث اليومية الثقافية والاجتماعية والطبية وغيرها. «أهلا بهالطلّة» أدخلني إلى عالم الفنانين وعرّفني إليهم عن قرب، «صارت الساعة 8» الذي اشتهر كثيراً أخرج منّي الوجه الفكاهي والمرِح، أما «كأس النجوم» فرسّخ وجودي في مجال البرامج الفنية لأننا فيه كنّا نقوم بتكريم فنانين على مستوى عالٍ وراقٍ.

كيف ولماذا قرّرت توديع الشاشة؟

في العام 2010، كنت قد وصلت إلى سنٍّ لا تتناسب كثيراً مع إطلالات البرامج التلفزيونية. بلغت الـ60 من العمر، وكانت الموجة المحاذية لي موجة برامج وإطلالات شبابية بامتياز. شعرت بأنني لم أعد أنتمي إلى المكان الذي أنا فيه ولا للجوّ المحيط بي. وكما فعل زملائي من أبناء جيلي، غادرت الشاشة وكنت حينها قد أطفأت الشمعة الـ15 من برنامجي «أجندة».

ما اللحظات الإعلامية التي بقيت محفورة داخلك؟

هي لحظات بشعة جداً بقيت مطبوعة في ذهني وأتمنّى ألا تعود أبداً؛ لحظات تغطياتنا مشاهد الحرب الوحشية المدمّرة. في المقابل، تكثر لحظات المجد والنجاح الجميلة التي تذكّرني بطبيعة مسيرتي كل هذه السنوات.

هل نلت أي جائزة خلال مسيرتك؟

اقتصر تكريمي على المناطق والنوادي والجمعيات. وحديثاً، أعتزّ أنني كُرّمت في «الزمن الجميل»، وتفاجأت يوم اتّصل بي الدكتور هراتش ساغبازاريان، فقلت له بسخرية: «عملت في الإعلام طوال 30 سنة ليأتي اليوم شخص لا أعرفه ليكرّمني!». أشكره على هذه المبادرة التي وضعتني في صفوف الكبار وجعلتني أعرف أنني ربما نجحت في زراعة الكثير واليوم جاء وقت الحصاد.

ماذا عن المهرجانات التي قدّمتها؟

أجمل ما في مجالنا هو التعاطي المباشر مع الناس، فلكلّ منطقة طابعها وخصوصيتها وهواؤها وكيانها. أذكر أننا كنا ننتظر موسم الصيف على أحرّ من الجمر، فيأتي الأستاذ سيمون أسمر ليجمعني مع هيام وماغي وميراي وداليدا ويوزّع علينا المهرجانات من بيت الدين إلى بعلبك إلى طرابلس وجبيل وغيرها. كانوا يستقبلوننا بحفاوة وبطريقة مميزة جداً في المناطق، وتبقى التغطية المباشرة لهذه المهرجانات من أجمل ما قدّمت في مسيرتي.

لطالما ابتعدتِ عن التصنّع فكنت ملكة الشاشة الراقية بإطلالتك، من كان يهتمّ بمظهرك وما الذي يميزه ممّا نراه اليوم؟

ستتفاجأون إذا قلت إنني لم أتبع الموضة يوماً، ولم أستشِر خبراء المظهر أبداً. لدي مرآة في منزلي وأعرف ما يناسب شكلي وسنّي من تسريحات وملابس، فكنت أختار وأشتري ملابسي بنفسي، وأحرص على وضع لمستي الخاصة في تسريحة شعري والماكياج إلى أن بات مصفّفو المؤسسة يعرفون ما أحبّه وأريده.

ما أساسيات الحوار السليم والراقي الذي كنت تعتمدينه مع ضيوفك؟

أؤمن بأن الحوار السليم والناجح يتطلّب معطيات متنوّعة، أوّلها الثقافة الواسعة، الأخلاق وتهذيب المحاوِر، الخبرة والحضور القوي طبعاً. ليست البرامج الحوارية بهذه السهولة أبداً، فلها أربابها وأصولها، وتتطلّب الكثير من العمل والمطالعة لتُبنى الثقافة. مع العلم أن الأخيرة لا علاقة لها بالعلم أبداً، فكَم من حائز شهادات عليا لا يملك ذرّة ثقافة وكم من مثقّفٍ التقيناه لم يدُس في حياته عتبة المدرسة.

كذلك، فإن المحاوِر الناجح يعرف كيف يستمدّ من ضيفه الخبرات ويستخرج منه أهم المعلومات ولبّ الموضوع. أما رُقيّ الحوار فينبع من شخصية الإنسان والأصول التي تربّى عليها.

أين تعتبرين أنك وصلت لذروة العمل الإحترافي والخبرة؟

لا ذروة للعمل والإحتراف، فبغضّ النظر عن المهنة، كل سنة يقضيها الإنسان في الممارسة بتأنٍّ وإتقانٍ تضاف الى مكيال خبرته واحترافه. إلا أن ما اكتسبته من عملي في الإذاعة في بداياتي يختلف كثيراً عمّا أعطاني إيّاه المجال التلفزيوني ببرامجه الثقافية والإجتماعية والسياسية والفنية خصوصاً تلك التي نستقبل فيها كبار الضيوف والشخصيات من مختلف المجالات فنحاورهم ونغوص في خفاياهم ونكتسب الكثير من الإضافات إلى مخزوننا المعرفي.

هل فكرت يوماً في التمثيل؟

تلقّيت عرضاً تمثيلياً في إحدى المسرحيات، لكنني يومها تردّدت... افتقرت إلى الجرأة فلم أدخل المجال. كنت حينها في عزّ عطائي ووهجي التلفزيوني، وقلقت من أن يؤثر التمثيل في مكانتي هذه. اليوم، أتطلّع إلى الوراء وأعتبر قراري هذا جباناً ولربّما حرمني من مسيرة ناجحة في التمثيل لعلّها كانت لتستمرّ حتى اليوم.

هل برأيك فقدت شاشاتنا القيم التي عرفناها لسنوات طويلة؟

فقدت شاشاتنا الكثير من القيم، إن كان بسبب تساهُل القيّمين عن هذه المؤسسات أو الجوّ العام المحيط بنا في مجتمعاتنا أو وضع البلد المتدهور. فبات المذيعون يتفوّهون بكلمات وعبارات نابية ومحرجة لم نكن نسمح لأنفسنا بتمريرها على الهواء، احتراماً لقيمة المؤسسة التي نحن فيها ولرُقيّ مهنتنا.

للأسف يفتقر مذيعو ومذيعات اليوم إلى الكثير، وبكل محبة أقترح إخضاعهم لتدريبات مكثّفة على مستوى الثقافة والأداء والمظهر والنطق. كما أعتبر أن الـLBCI عبرت المستوى المحلي وأصبحت بمثابة «CNN الشرق» ومن تضعهم على شاشتها هم خَلف لكبارٍ أمثال مي شدياق وجورج غانم ومي متّى ما يستدعي الابتعاد عن كلّ ما يمكن أن يمسّ بصورة المؤسسة العريقة.

ما الذي يمكن أن يعيدك إلى الشاشة الصغيرة؟

لا أعتقد أن هناك ما يمكن أن يعيدني، فأنا بعيدة جداً عن هذا الجوّ ولم أعد أنتمي إليه، أضِف إلى أنّ ما مرّ عليّ من صعوبات وخصوصاً مرض زوجي ووفاته استنزف مني الكثير. أساساً، لم أتلقّ أي عروض منذ مغادرتي في العام 2010، وذلك طبيعي فعالم 2023 لا يشبه الثمانينات والتسعينات، والأماكن التي كنا نملأها باتت للأجيال الجديدة والوجوه الشابة.



يوم زفافها من المهندس رشيد متى



من تختارين اليوم لو خُيّرتِ منح جائزة أفضل مذيع ومذيعة؟

لا يمكنني تحديد أسماء معينة لمنحها الأفضلية خصوصاً في أيامنا هذه، لكن لو عدت بالزمن إلى مرحلة تلفزيون الراحل الكبير سيمون أسمر فلربّما أختار ميراي مزرعاني ملكةً على عرش البرامج الترفيهية وريكاردو كرم على البرامج الثقافية ومارسيل غانم على الأخرى السياسية فهو بالنسبة إليّ ظاهرة لا تتكرّر كما كان قبله رياض شرارة.

أين هي مي متّى اليوم؟

بعد مغادرتي الشاشة أعطيت دروساً جامعيةً لفترة ليست بقصيرة، لكن منذ الجائحة حتى اليوم تقاعدت عن كل شيء حتى عن عادة الإستيقاظ باكراً لوضع الماكياج وترتيب مظهري والخروج.

أنا متقاعدة في منزلي، أهتم بابني الوحيد وأزور إخوتي، أعيش بهدوء وصلاة وسكينة وسلام تام مع من حولي ومع ربي.



يوم زفافها من المهندس رشيد متى

تتوسّط إبنها جواد ونهاد المشنوق




ماذا تقولين لكل شاب وشابة يجلسون اليوم خلف الكاميرا ويحلمون بالشهرة؟

كونوا على طبيعتكم، خفّفوا الإهتمام بالشكل والمظهر وصبّوا ثقلكم على المضمون. كونوا طيّبين وبسطاء مع الناس، ولا ترتدوا وجهاً لا يشبهكم خلف الشاشة، فالوجوه لا تدوم والشهرة تأتي من تلقاء نفسها لمن يستحقها ويدخل قلوب المشاهدين.


MISS 3