جاد حداد

Movies

Mayrig و 588Rue Paradis... هنري فيرنوي... اللاجئ الأرمني الذي تربّع على عرش المسرح الفرنسي!

24 نيسان 2020

04 : 25

لا مفر من الشعور بالحنين عند تذكّر فيلمَي Mayrig (أمي) و588 rue paradis (شارع الجنة 588) (1991/1992). يكرّم الفيلمان قصة أثّرت بعائلات كثيرة وموضوعاً بقي محور أحاديث الناس لعقود. حتى أنهما دفعا عدداً كبيراً من القراء إلى مطالعة أعمال إضافية عن مأساة الأرمن. يروي هذان الفيلمان العظيمان قصة هنري فيرنوي (اسمه الحقيقي أشود مالكيان)، وهو أرمني انطلق في صغره نحو مارسيليا في العام 1924، حين كان في الرابعة من عمره، مع والده (يؤدي دوره عمر الشريف) ووالدته (كلوديا كاردينال) وخالتَيه.

حياة على مرحلتَين: Mayrig و 588rue paradis 


يرويMayrig أول جزء من حياة أزاد زكريان الصغير. إنها قصة نفي عائلة هادئة وناجحة كانت تعيش في أرمينيا لكنها اضطرت للهرب من الإبادة الجماعية التي اجتاحت بلدهم. حين يصلون إلى مارسيليا، مدينة تحقيق الوعود، يقابلون أشخاصاً يهربون من نظراتهم وأسمائهم. لكن يمدّ لهم آخرون يد العون، على غرار خباز يُعيرهم فرنه لطبخ طعامهم.


ملخص الفيلم: إنها قصة عائلة تضحّي بنومها وأموالها وصحتها مقابل نجاح ابنها وتعليمه. أراد هنري فيرنوي أن يعمل في مجال السينما منذ صغره، لكنّ هذه الكلمات القليلة، كما يروي في الفيلم (بصوت ريتشارد بيري المدهش)، كانت كافية لتحطيم جميع آمال عائلته. لذا يعود ويدرس الهندسة وكأنه أراد بذلك أن يشكر عائلته المتفانية على جهودها الفائقة من أجله عبر تكريس بضع سنوات من حياته لفعل ما يريده والداه.





جاء فيلم588 rue paradis ليستكمل أحداث Mayrig، فاسترجع عبر لقطات من الماضي حياة أزاد زكريان الذي سُمّي في أوساط مهنته بيار زاكار. يصبح ريتشارد بيري هذه المرة بطل الفيلم ويمثّل إلى جانب كلوديا كاردينال وعمر الشريف اللذين تقدّما في السن. لم يصبح بيار زاكار مهندساً بل كاتباً ومخرجاً مسرحياً شهيراً في باريس ويشعر والداه بفخر كبير به. لكنه ينسى أحياناً لمن يعود الفضل بما يعيشه يومياً. يعرض لنا هذا الفيلم مسيرة رجل يحقق نفسه أخيراً ويقوم بواجباته على أكمل وجه.

يروي الفيلمان معاً قصة مؤثرة وأدبية عن نجاحٍ تحقق من باب الضرورة وبفضل نعمة الحب. كان هنري فيرنوي قد ألّف كتاباً يسرد فيه قصة حياته وقد تُرجِم لأكثر من 37 لغة في أنحاء العالم. كرّمته السينما بعد سنوات من وفاته. تولى ريتشارد بيري سرد ملاحظات الكاتب المحورية التي تُوجّهنا على مر هذه التجربة العاطفية المؤثرة.

يعرض الفيلمان قصة بسيطة عن شاب أمضى طفولته كلها وهو يحاول تجاوز مكانته كغريب في بلد ليس بلده، ثم أمضى مرحلة الرشد وهو يكرّم جذوره الحقيقية. طاقم الممثلين: كلوديا كاردينال، وعمر الشريف، والطفل سيدريك دوسيه (أزاد في عمر السابعة) في أدوار استثنائية بمعنى الكلمة.

يتميز الفيلمان أيضاً بالموسيقى التصويرية، فقد تمت الاستعانة بفرقة أصلية تعزف ألحان جان كلود بوتيه على الكمان والأوتار بطريقة تثير القشعريرة.

يستحق الفيلم الذي يجمع مقتطفات من العملَين أن يشاهده كبار محبّي التاريخ والشهادات الحية والسينما الكلاسيكية والأدب، حتى أنه مناسب لمحبّي القصص التاريخية المؤثرة التي تدعو المشاهدين إلى التفكير والتأمل.





نهاية واقعية ومؤثرة

بغض النظر عن نهاية الفيلم الأول Mayrig، لن تتغير العواطف التي تنتاب المشاهدين. الموسيقى مؤثرة والقصة آسرة لأقصى حد. وتأتي كلمات هنري فيرنوي الجميلة لتُغنِي أجواء الفيلم بأروع طريقة:

"أتذكر تلك الحفلة الراقصة حين كنتُ في العشرين من عمري، فمحونا آثار الحرب خلال رقصة فالس. كان القمر اللامبالي بتعليمات السلامة يضيء المدينة التي حُرّمت عليها الأضواء. أتذكر تلك القطعة الذهبية الصغيرة المحفورة في أحرف اسمي الأولى، فهي لا تزال تلقي بأثقال الحب على إصبعي حتى الآن.

مايريغ، آنا، غايانيه: أمهاتي جميعاً... وأنت يا أبي، الجندي العجوز في السنوات الصعبة. أتذكر سعادتي في لحظاتنا المشتركة في شارع "الجنة" الذي لطالما وعدنا بالخلود، مع أن شعرنا الأشيب كان يعلن لنا أن مقبرة الربيع تنتظرنا".