نوال نصر

القومية الأرمنية والعشق اللبناني

بقرادوني: أتحسّر على عدم معرفتي الأرمنية ولن أزور إلا أرمينيا التاريخية!

24 نيسان 2020

04 : 45

لبناني من أصل أرمني
لو لم يجد العثماني من يقتله لقتل أباه. أرمن لبنان... اللبنانيون الأرمن... المتمسكون، بالقلب والروح والنبض، "بأرمنيتهم" لم ينسوا "فظائع الإبادة" التي تعرضوا لها ذات نيسان... فهل هذا الكمّ من الوجع هو ما جعل "القومية الأرمنية" تغلب، لمئة عام وأكثر، على كل هوية ثانية حملوها في الشتات؟ وماذا عن إنتماء الأرمن الى أوطانهم الجديدة؟ ماذا يقول كريم بقرادوني؟ وماذا يقول ليو نيكوليان الذي واجه إيمانويل ماكرون بغضب شديد وانتماءٍ لبنانيّ عال رائع هاتفاً: الشعب ثار في لبنان وأنت، سيدي الرئيس، تدعم فاسدين ومجرمين؟



أصل كريم بقرادوني، ثعلب السياسة اللبنانية، من الجرود الأرمنية العالية التي لم يزرها يوماً. وهو، وإن كان ينهمك في حجره الصحي في إنجاز كتابه عن رئيس الجمهورية ميشال عون لكنه يتوقف قليلاً، في ذكرى الإبادة الأرمنية، للغوص في أبعاد القومية الأرمنية وعلاقته بالجذور. يقول بقرادوني: "أنا لبناني من أصل أرمني ووطني هو لبنان. لا أنكر أن لدي مشاعر خاصة تجاه أرمينيا، لكنها لا تتناقض أبدا مع لبنانيتي. ودعيني أقول لكل من يعيش في لبنان ويعتبر نفسه  في غربة: "عد الى وطنك أرمينيا". فليغادر ويعش وطنيته وقوميته في وطنه الأم ما دام لم ينجح في اعتبار الوطن الذي ضمّه وطناً أوّل. فأرمينيا تحتاج هذه الأيام الى مواطنيها الأرمن والدولة هناك في حالة نهوض، وأتصوّر ستنهض، وستتحوّل الى دولة مكتفية. وبالتالي إذا لم يشعر الأرمني أنه لبناني- أرمني أو سوري- أرمني أو عراقي- أرمني أو أردني- أرمني فليعد الى أرمينيا".

كلام بقرادوني واضح، لكن هل سهل أن يقدّم أيّ إنسان الجنسية التي اكتسبها على الجنسية الأم؟ يجيب: "المسألة الوجدانية والعاطفية لها دور كبير لكن الأمور تتطوّر يومياً". ويستطرد: "لم أزر أرمينيا يوماً لأنني أريد العودة الى أرمينيا التاريخية لا الحالية الناقصة، كما لا أرغب في المرور عبر الحدود التركية. نظرتي الخاصة هذه منعتني حتى اللحظة من زيارة أصولي وأتمنى التغلّب على هذا الشعور قريباً. صحيح أن المسألة الوجدانية والعاطفية لها دور كبير فوجه والدي لا يغيب عني لحظة، فهو كان غير راغب في التحدث عن المجازر، لأن جدي، والد والدي، قتل أمامه. قتله العثمانيون فيما كان يهرب باتجاه سوريا وحلب. وبقي والدي، أسوة بكثيرين من أبناء جيله، يحلم بالعودة الى وطنه الأم، فيما اعتبرت أنا نفسي لبنانياً صرفاً. لم أشعر بالحزن ذاته الذي ألمّ بوالدي، لكنني بقيت وسأبقى أطالب بمحاكمة الأتراك ومطالبتهم بالتعويض معنوياً ومادياً. ومهما طال الزمن، سأبقى أطالب، مثلي مثل سائر الأرمن، بأن يعترف المجرمون عن مجازرهم وأن يعوّضوا عمّا فعلوه، خصوصاً أنّ مشروعهم لم يقتصر على تهجير الأرمن بل تعدّاه إلى إبادتهم، وبالتالي يفترض أن تدفع تركيا ثمناً باهظاً لما اقترفته الأمبراطورية العثمانية وواجب عليها إدانة الإبادة وشجبها وليس إنكارها".



كريم بقرادوني نادم



يرى بقرادوني نفسه "قومياً لبنانياً" لا قومياً أرمنياً ويقول: "لم أطالب بالهوية الأرمنية لأنني منطقي مع نفسي ولا أؤمن بجدوى حمل الهويتين، لذا لم أحمل في حياتي إلا جواز السفر اللبناني. وعما إذا كنت نادماً على أمرٍ في حياتي فهو عدم تعلّمي اللغة الأرمنية، فوالدتي ما كانت أرمنية وما كنت أتكلّم الأرمنية مع والدي، وكنت تلميذ "يسوعية". وأنا واثق من أنّ اللغة تعزّز الشعور الوطني والقومي. حاولت تعلّمها في الكبر لكن محاولاتي باءت بالفشل لأنّ اللغة الأرمنية صعبة. وأعتقد أنّ ولاء اللبنانيين الأرمن لأرمينيا سببه حرص الأحزاب الأرمنية على الحفاظ على الهوية والجذور. ثمة ثلاثة أعمدة ضخّت المشاعر الأرمنية في أرمن الشتات، خصوصاً في لبنان، وهي: الأحزاب والكنيسة الأرمنية والمدارس الأرمنية. هكذا حافظنا على خصوصيتنا الأرمنية".

وما الفارق بين أرمن لبنان وأرمن سوريا وأرمن العراق؟ يجيب بقرادوني: "نفس الفرق بين لبنان وسوريا والعراق". ويستطرد: "أهمية لبنان أنه أشرك الأرمن في الحكم وهو ما لم يحصل لا في سوريا ولا في الأردن أو العراق. حظّ اللبنانيين من أصل أرمني كبير بأنهم ولدوا هنا. تصوّري أنني أصبحت أنا نفسي رئيس حزب "الكتائب" الذي لا يضم كثيراً من الأرمن. وأصبحت نائب قائد القوات اللبنانية ويوجد فيه بالكاد 3 في المئة من الأرمن. وأصبحت كذلك وزيراً. وينطبق هذا الأمر كذلك على الأكراد وعلى كلّ الأقليات في لبنان. وهذه خصوصية لبنان التي جعلتنا نحن، من جيل الأربعينات وما تلا، نعتبر نفسنا "أولاد البلد" لكن من أصول أرمنية، فنحن في لبنان "شركاء في الحكم والإقتصاد والثقافة".

هناك فارق كبير بين الأرمني الذي نزح الى لبنان والفلسطيني الذي نزح الى لبنان، ويحدّد بقرادوني هذا الفرق بوضوح: "حين أتى الأرمن الى لبنان كان وطنهم قد سقط تحت نير الإحتلال العثماني ولم تعد هناك دولة إسمها "أرمينيا". والأرمنيّ رفض منذ البداية أن يعتبر نفسه لاجئاً والمكوث في مخيمات. لهذا قلّة قليلة جداً من الأرمن سكنت المخيمات. وأتذكّر ما أخبرني إياه والدي وهو أن الأرمن رفضوا أن تأتيهم المساعدات على شكل مواد غذائية وطحين وفاصولياء. وحين سئلوا: ماذا تريدون؟ أجمعوا، بمبادرة من أحزابهم آنذاك، على طلب ماكينات خياطة ومعدّات لصناعة الأحذية. طلب الأرمن إذاً أدواتٍ تساعدهم على الإنتاج وليس خضاراً وفاكهة. هذه هي ميزة الشعب الأرمني. وهذا ما لم يفعله كثير من الفلسطينيين".

كثيرون يستغربون سبب إصرار الأرمن على السكن بمجاورة بعضهم بعضاً. ليس ذلك "قوقعة" بل هو، والكلام لبقرادوني، إصرارٌ على المحافظة على الخصوصية الأرمنية. وهم حين يجتمعون يبنون مدارسهم وكنائسهم ويحافظون على مزاياهم ويتضامنـون في السراء والضراء. لو انتشــر الأرمن لكانوا "ضاعوا".

الأرمني في لبنان هو "قومي لبناني". يصرّ كريم بقرادوني على هذا. وكلّ ما يتمناه هو أن تتعزّز الروابط واللجان الأرمنية- اللبنانية لأن ثمة قاسماً مشتركاً بين الدولتين يتمثل "باللبنانيين—الأرمن" الذين اختاروا لبنان وطناً وأرمينيا أصلاً.

MISS 3