الحياة المتنوعة تقوّي روابط الدماغ لدى الفئران

02 : 00

يبدو أن أدمغة الفئران تستفيد من أسلوب حياة ناشط ومتنوع عبر تشكيل روابط عصبية متطوّرة.



قارن باحثون في ألمانيا النشاط الدماغي لدى فئران نشأت في بيئات مختلفة، واكتشفوا أن القوارض الناشئة في بيئة «مُدعّمة» تسجّل نشاطاً إضافياً في منطقة الحصين، ما يشير إلى وجود شبكة عصبية أكثر قوة وترابطاً.

يتأثر الحصين لدى البشر بأمراض الدماغ التنكسية مثل الزهايمر، نظراً إلى دوره المحوري في التعلّم وحفظ الذكريات.

يقول عالِم الأعصاب وهندسة الطب الحيوي، حيدر أمين، من المركز الألماني للأمراض العصبية التنكسية: «تتجاوز النتائج حتى الآن جميع توقعاتنا. يمكننا أن نقول بكل بساطة إن الخلايا العصبية لدى الفئران الناشئة في بيئة مُدعّمة كانت أكثر ترابطاً بكثير من تلك التي نشأت في مكان نموذجي».

ترتكز النتائج على تقنية ابتكرها أمين وفريقه محورها رقائق الدماغ، فضلاً عن أدوات للتحليل المحوسب، وقد تسهم في الوقاية من الاختلالات الدماغية وتُمهّد لابتكار وسائل جديدة مستوحاة من الدماغ وعاملة بالذكاء الاصطناعي. يوضح غيرد كيمبرمان، باحث في مجال تكوين الخلايا العصبية في المركز الألماني للأمراض العصبية التنكسية: «اكتشفنا مجموعة هائلة من بيانات تعكس المنافع التي يستفيد منها الدماغ بسبب التجارب الغنية».

قارن العلماء نسيج الدماغ من مجموعتَي فئران عمرها 12 أسبوعاً بدأت تجاربها بعد ولادتها بستة أسابيع. عاشت مجموعة منهما في أقفاص نموذجية تفتقر إلى أي خصائص مميزة ولم تشارك في أي نشاطات ممتعة، وكانت تتلقى الطعام والمياه ومواد لبناء العش بكل بساطة.

في المقابل، تسنّى للمجموعة الثانية أن تعيش حياتها في أقفاص أكبر حجماً ومليئة بالألعاب، والأنفاق، والأنابيب البلاستيكية المُصمّمة على شكل متاهات، ومواد إضافية لبناء الأعشاش، ومنازل صغيرة، وهي أجواء ممتعة حتى بالنسبة إلى البشر.

حلل الباحثون نسيج الدماغ عبر استعمال أشباه موصلات تكميلية ومصنوعة من أكسيد المعادن انطلاقاً من رقاقة عصبية مزوّدة بـ4096 قطباً كهربائياً لتسجيل إطلاق آلاف الخلايا العصبية دفعةً واحدة.

سمحت هذه التقنية بقياس الروابط بين منطقة الحصين بأكملها والطبقة الدماغية الخارجية التي تتحكم بمجموعة كاملة من عمليات معرفية جمعها الباحثون في ست مناطق مترابطة بين الحصين والقشرة الجبهية.

يوضح أمين: «بغض النظر عن المعيار الذي راقبناه، تبيّن أن أكثر التجارب غنىً تدعم الروابط في الشبكات العصبية. تعني هذه النتائج أن عيش حياة ناشطة ومتنوعة يؤثر على شكل الدماغ بطريقة غير مسبوقة».

نعرف منذ فترة أن تجاربنا تؤثر على روابط الدماغ، لكن تكشف النتائج الجديدة مدى أهمية تلك الآثار.

يضيف كيمبرمان: «كل ما نعرفه عن هذا المجال حتى الآن مأخوذ من دراسات استعملت أقطاباً كهربائية فردية أو تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي. لكننا نستطيع الآن رؤية الدوائر الناشطة في الخلايا الفردية».

يأمل الباحثون في توسيع أدواتهم لتحليل طريقة تأثير التفاعلات الاجتماعية، والنشاطات الجسدية، وعمليات التعلّم على الوظيفة الدماغية، علماً أن هذه العوامل كلها تؤثر بقوة على طريقة عمل الدماغ. ظهرت هذه النتائج طبعاً في أدمغة الفئران، لا البشر، لكنّ دراسة منطقة الحصين كلها تعطي لمحة واسعة عن الروابط الوظيفية. يظن العلماء أن فهم تأثير التجارب على نظام المسارات العصبية قد يسمح بمعرفة الآليات التي تُسبب الاختلالات الدماغية وتحديد أهداف جديدة لابتكار علاجات فاعلة مستقبلاً.

قد يسمح هذا التقدم باختراع أجهزة اصطناعية تقلّد الوظائف الدماغية لاسترجاع أو تحسين قدرات الذاكرة المفقودة بسبب الشيخوخة أو الأمراض.

في النهاية، يستنتج كيمبرمان: «قد نتمكن قريباً من فهم دور المرونة وتشكيل الروابط الاحتياطية لمحاربة أمراض التنكس العصبي، لا سيما تلك المرتبطة باستراتيجيات وقائية حديثة. حتى أننا قد نجمع معلومات عن مسارات الأمراض المرتبطة بالتنكس العصبي، مثل اختلال الشبكات الدماغية».

نُشِرت نتائج الدراسة في مجلة «أجهزة الاستشعار والإلكترونيات الحيوية».


MISS 3