سيلفانا أبي رميا

حِرفة آل حوري صامدة منذ الإنتداب الفرنسي

وسام حوري: أطمح لأكاديمية تعلّم صناعة سرج الخيل

10 آب 2023

02 : 05

وسام حوري

تحتفل «مؤسسة زكور» اليوم بمئوية نجاحها في الحفاظ على حرفة نادرة كادت أن تندثر لولا جهود أربعة أجيال متتالية من آل حوري. فصناعة سرج الخيل التي تعلّمها زكور الجدّ من الإنتداب الفرنسي تناقلها من بعده أبناؤه وأحفاده، وجعلوا من مؤسسته اسماً عريقاً وعنواناً لصناعة الجلديات والحفر اليدوي عليها. وفي حديث لـ»نداء الوطن» يأخذنا وسام حوري في رحلة بين الحاضر والماضي إلى خفايا هذه الحرفة التي نادراً ما نصادفها في لبنان والعالم العربي، والتي تحمل من الصعوبة والجمال ما يجعلها ملكةً على عرش الحرف التاريخية.


كيف انتقلت هذه الحرفة إليك؟

منذ العام 1922، أي منذ 100 عام بالتحديد وقبل نَيل لبنان استقلاله، تعلّم جدّي زكور صناعة سرج الخيل من فرقة Les Gendarmes الفرنسية التابعة لمدرسة «دو براي». وعام 1965، تسلّم والدي الدفة، ثم نقلها إليّ في 1991 بكل أسرارها وأدواتها وتقنياتها. وها أنا اليوم في 2023 أبدأ بتلقينها لولديّ يوسف وجاد، حرصاً على استمرارية هذا الإرث التاريخي الثمين.

وهكذا جعلتنا هذه الرحلة الطويلة الوحيدين في لبنان بما يخص صناعة سرج الخيل وكافة الجلديات، وما يميّزنا هو حرصنا على استخدام الجلد الخاص بالفروسية فقط لا غير، ما يعطي ضمانة وكفالة القطعة لمدة تصل إلى 6 سنوات.

ما الجلد الذي تستخدمونه؟

كنا نعتمد في الماضي على الدبّاغات المحلية لإمدادنا بجلد البقر المدبوغ، إنما وللأسف بُتنا نضطرّ اليوم لاستيراد هذا النوع من الجلد من إيطاليا حفاظاً على الجودة التي عُرفنا بها طوال هذه السنوات.





ماذا عن مراحل وأسرار تصنيع السرج؟

ما لا يعرفه كثيرون أنّ الخشب يدخل في 20 بالمئة من صناعة سرج الخيل. فالأخير عبارة عن قالب خشبي نقصّه وننجره حسب مقاسات الخيّال (وليس حسب مقاسات الحصان)، ثم نقوم بلفّه بالخَيش أو ما يُعرَف بالخام حتى نسهّل عملية إدخال المسامير فيه. بعدها، نقوم بوضع الطرّاحة وقِطَع الجلد لنخيطها يدوياً.

مع العلم أنّ كل الأدوات التي نستخدمها يدوية وبدائية، ما يؤكد أن نجاح حرفتنا يكمن في الخبرة التي اكتسبناها وليس في آلات متطوّرة أبداً.



قطعة متقنة ودقيقة



بأي خيوط تخيطون الجلد؟

نستخدم خيوط القطن حصراً من مؤسسة «بربور» الإيطالية الشهيرة، ونحرص على تغطيسها في شمع النحل لحمايتها من عرق الخيول الذي يتسبّب باهترائها وتفتُّتها.

أين تكمن الصعوبة في حرفتكم؟

لعلّ أصعب ما في حرفتنا هي مرحلة الخياطة التي تتطلّب العمل بإبرتَين في الوقت نفسه مع ضرورة منع تشابك الخيوط ببعضها البعض. لكن هذا سرّ مهنتنا الذي يمكّننا من الحصول على قطب مدروسة ومتناسقة وصغيرة لا تتجاوز حجم حبة السمسم، تجعل من يراها يتساءل ما إذا كانت من صنع الآلات الحديثة.

كيف يمكن التمييز بين الجلد الأصلي والمغشوش؟

عادةً ما يكون الجلد الأصلي خالياً من اللمعان، وهو متداول بين الخبراء في المجال تحت اسم «الواكيتا الأم». كذلك، لا يتسبّب الجلد الطبيعي بحرارة ولا رائحة له. وعند إحراقه، يعطي قليلاً من السواد بعد مرور 15 ثانية، إلا أن الجلد المغشوش يذوب منذ الثواني الثلاث الأولى.



لخياطة السرج اربابها واسرارها



كم تتراوح أسعار سروج الخيل؟

الأمر يعود لنوع الجلد المستخدم ومقاسات السرج ونوعه. فمثلاً، سرج سباق الخيل الصغير الذي لا يجلس عليه الخيّال خلال السباق لا يتعدّى سعره الـ400 دولار أميركي، على عكس سرج قفز الحواجز الذي يُكلّف أكثر ويلامس الـ1200 دولار أميركي لكبر حجمه ودقة تصميمه وتنفيذه. أما الأعلى سعراً فهو سرج الـ»ويسترن» Western للنزهات البرية والذي قد يصل سعره إلى 1600 دولار أميركي.

ماذا يتطلب النجاح في حرفتكم؟

يتطلّب النجاح فيها قبل كل شيء طول البال والصبر، فمراحلها دقيقة جداً وأي خطأ في خياطة وتفصيل الجلد يكلّفنا الكثير نظراً لأسعار الجلد الطبيعي الباهظة.

ما أول قطعة أنتجتها بنفسك؟

كنت أبلغ من العمر 14 عاماً عندما أنتجت قطعتي الحرفية الأولى وكنت فخوراً جداً بها. كانت كناية عن لُجام للخيل أشعرني بالرغم من بساطته كأنني أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الصناعة اللبنانية التي يجب أن نفخر بها جميعاً. كما لن أنسى المحفظة التي صمّمناها خصّيصاً لبطل العالم في التنس رفاييل نادال وقمنا بحفر اسمه عليها.

ويبقى اليوم الذي سافرت فيه إلى فرنسا لتعلُّم أصول هذه الحرفة بطلب من جدي ووالدي، عالقاً في ذاكرتي. فهناك فوجئ أساتذتي بالمهارات التي اكتسبتها في سنّي وبالمعدات المدروسة والنادرة التي أستخدمها والتي تحمل اسم «بلان شار 1940»، وهي كناية عن معدات استخدمها قدامى الفرنسيين في صناعة سرج الخيل. وبالرغم من الكمّ الهائل والمتنوّع من القطع التي تعلّمتها وصنعتها، تبقى الأساور الجلدية الأحب إلى قلبي وأشتهر بها حالياً.




هل نظّمتم أي مَعارض؟

نظّمنا الكثير من المعارض خصوصاً عندما تبوّأت منصب أمين سر «نقابة الحرفيين اللبنانيين» ورئيس لجنة المعارض فيها سابقاً. أما اليوم فقد انضممت إلى مؤسسة «حِرَف» كمديرٍ لعلاقاتها العامة وهي تضمّ 91 مشروعاً حرفياً من بلادنا.

كذلك، حصدنا الكثير من الجوائز من وزارة الثقافة الفرنسية، «جامعة بِن طُفَيل» في المغرب، وزارة الشؤون الإجتماعية، وزارة الصناعة، الـUNIDO و»معهد نيس للأشغال الحرفية الجلدية» في فرنسا وغيرها.

كيف ساعدكم انتسابكم إلى النقابة في حرفتكم؟

شأنها شأن أي مؤسسة في هذا البلد، لم تستطع النقابة تقديم أي إفادة لنا. للأسف، لم نحصل يوماً على أي دعم أو التفاتة من الوزارات المعنية والمسؤولين. لم تعطِنا دولتنا حقنا بل همّشتنا وبقيت لقمة الحرفي حتى اليوم مغمّسة بالدم والعرق.

هل تعتقد أن التكنولوجيا يمكن أن تقضي على حِرف مماثلة؟

لا يمكن للتكنولوجيا أن تقضي على الحِرف أبداً. فالناس تزور البلدان باحثةً عن الأزقة التراثية والزوايا التي تخفي معالم من التاريخ التي تعكس ثقافة البلد.






هل فكّرتم في نقل حرفتكم إلى خارج لبنان؟

عندما أسلّم مكاني هنا لأحد أولادي، قد أوسّع أعمالي إلى الخارج، لكن لن ألغي وجودنا في لبنان أبداً فهو الأساس والفخر لنا ولصناعاتنا.

ما حلم وسام حوري؟

حلمي لا يتجاوز أن يصبح لديّ مشغل أكبر مساحةً من ذاك الذي نملكه اليوم، كما أصبو إلى تأسيس أكاديمية خاصة لتعليم حرفة سرج الخيل والحفر على الجلديات.


MISS 3