رلى تلج

قطاع الاتصالات الخلوية بين سندان الكيد السياسي ومطرقة المصلحة العامة

25 نيسان 2020

03 : 45

في خضم ما يصيب لبنان من زلزال إقتصادي معيشي وإجتماعي من جهة وصحي من جهة أخرى، يقف مصير قطاع الإتصالات الخلوية على محك الإنهيار التدريجي نحو هاوية مماثلة لتلك الهاوية التي وقعت بها مؤسسة كهرباء لبنان وغيرها من الإدارات والمرافق العامة التي أدارتها الدولة اللبنانية على مر السنين، بسبب المحاصصات والزبائنية والكيد السياسي.

فلماذا إصرار البعض اليوم على استرداد الدولة إدارة القطاع الخلوي؟ ولماذا هذا التجييش الإعلامي المشبوه لتأليب الرأي العام على الشركات المشغلة؟ في حين أن الواقع الصحيح يجافي كلياً هذه الهجمة.

لسنا في وارد الدفاع عن الشركات المشغلة وليس هذا دورنا ولكن الشفافية تقضي بعرض وقائع لا يمكن ولا يحق إغفالها.

إن قطاع الإتصالات الخلوية الذي لا خلاف على أنه قطاع خدماتي بحت لعموم الشعب اللبناني قد أعطته الشركات المشغلة قيمة مضافة بجعله من أول المرافق العامة التي يعتمد عليها في تغذية خزينة الدولة بعد الضريبة على القيمة المضافة والجمارك، حيث بلغت المدفوعات الصافية لشركتي الخلوي معدلاً متوسطاً بلغ نحو مليار ومئة مليون دولار سنوياً (معدل وسطي نحو 640 مليون دولار بواسطة "زين" ومبلغ 460 مليون دولار بواسطة "أوراسكوم") بحسب لجنة الإعلام والإتصالات البرلمانية في الفترة الممتدة من العام 2010 ولغاية العام 2018 ، ناهيك عن عدد النشاطات التجارية والخدماتية المباشرة وغير المباشرة التي أوجدها هذا القطاع الحيوي وساهمت بطريقة إيجابية في الإقتضاد.

وهنا يطرح السؤال الجوهري: هل من يضمن بأن ايلاء إدارة تشغيل القطاع إلى الدولة اللبنانية بالرغم من غياب أية أطر قانونية تحدد هذه الإدارة وتنظمها، سيحقق النتائج المالية نفسها التي حققتها الشركتان المشغلتان؟ وهل من يضمن عدم إنفلات التوظيف السياسي والتقاسم الحزبي والطائفي للمراكز الإدارية على حساب الكفاءة؟ الجواب المنطقي والعلمي هو أن التجارب أظهرت بأن الدولة قد فشلت في إدارتها لشؤونها ولمرافقها العامة على إختلافها.

أمّا على الصعيد التقني والفني، وبالرغم من الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان أقّله منذ العام 2005، والتي هي ظروف تتجنب الشركات العالمية عادةً العمل في ظلّها أو الإستثمار ضمنها، فإن الشركتين المشغلتين قد نقلتا الشبكتين الخلويتين من تقنية الـ 2G الى تقنية الـ 4G معتمدة في ذلك على خبراتها وعلى أسواقها الإقليمية والدولية فرفعت من قيمة الشبكتين المالية في حال لجأت الدولة الى الخصخصة حيث أصبحت الشبكتان العاملتان في لبنان بمستوى عالمي على صعيد مؤشرات جودة أداء الشبكة. وبمقارنة مؤشرات جودة شبكة الإتصالات الخلوية على الصعيد الإقليمي والعالمي، يتبيّن أن لبنان إحتلّ في شهر آذار 2020 المرتبة 36 عالمياً والرابعة إقليمياً بحسب سرعة الإنترنت عبر شبكات الخلوي حيث وصلت السرعة إلى Mbps 41 وذلك بحسب Ookla Speedtest.net.

والواقع إن التغاضي عن هذه النتائج المالية والتقنية التي حققتها الشركتان المشغلتان قد قابله توجيه أصابع الإتهام إليهما بالفساد وترويج هذه التهمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الإعلام المسموع والمقروء تأليباً للرأي العام عليهما وبعد ذلك إستعمال الرأي العام كوسيلة ضغط على كل من يقف بوجه المطالبة باسترداد القطاع، ولكن هل من مرجع قانوني أو تقني قد وقف على كل هذه الاتهامات؟ وهل هي إتهامات يجب أن توجه الى الشركتين أو إلى وزارة الإتصالات؟ فالإتهامات بشأن الرعاية الإعلانية مثلاً هل تدخل في صلب مهام ومسؤوليات الشركتين كما حددتها عقود الادارة او تدخل في صلب صلاحيات وزارة الاتصالات ومسؤولياتها؟ وهل أن موضوع العقارات والابنية يدخل أيضاً في صلب مسؤوليات الشركتين أم هي من صلب صلاحيات وزارة الاتصالات؟ وماذا لو كانت المسؤولية بشأنهما تعود الى وزير الإتصالات؟ وهل الإتهامات المساقة لجهة إنخفاض قيمة العائدات يعود فعلاً إلى الهدر المزعوم أو يعود على فرض صحته إلى أعباء التطوير التقني للشبكات الخلوية التي تعمل اليوم على تقنية الـ 4G؟ وكيف ستكون صورة الدولة اللبنانية خارجياً؟ فهل هذه الاتهامات المساقة تعزز الثقة بالدولة أو من شأنها أن تبعد الشركات العالمية عن الدخول بعلاقات مع الدولة اللبنانية إذا ثبت بأن لا مسؤولية للشركتين بشأن هذه التهم؟ وهل من تقرير صادر عن مرجعين: قانوني ومالي حياديين يحدد أين تنتهي مسؤوليات الشركات وأين تبدأ مسؤوليات وزارة الإتصالات؟ وماذا لو أن التحكيم الدولي المختص بالنزاعات أو بتفسير عقود الإدارة قد حكم بأن الشركات المشغلة بريئة من هذه التهم؟ أليس في ذلك ما يلحق أضراراً جسيمة بسمعة الدولة اللبنانية خارجياً؟ وأكثر من ذلك، لقد وصل الأمر بأصحاب نظرية المطالبة باسترداد القطاع إلى حد إيهام الرأي العام بأن استرداد الدولة للقطاع سيؤدي إلى تخفيض أسعار الخدمات، ولكن، أوَليست الدولة اللبنانية هي من تحدد وحدها الأسعار؟ وماذا سيكون موقف الرأي العام عندما يكتشف أن الأسعار بأقل تقدير سوف تبقى على ما هي عليه اليوم بعد استرداد القطاع؟

لا شك أن التعاطي السائد اليوم بشأن قطاع الإتصالات بالرغم من أهميته وعلى النحو الذي يجري هو أقرب إلى الهرج والمرج منه إلى المهنية وإلى مقاربة المصلحة العليا العامة للقطاع، وقد تكون الشركات المشغلة ضحية من ضحايا الفساد السياسي في لبنان، وهذا ما يقودنا إلى السؤال التالي: من الذي سوف يتحمل مستقبلاً النتائج الكارثية لإسترداد القطاع في حال حصوله؟ ومن ستكون الضحية المختارة عن نتائج هذا الإسترداد؟

وفي كل الأحوال، فلننتظر ونرَ كيف أن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المختصة التي لطالما طالبت بالخصخصة ستهضم تأميم الدولة غير المباشر لقطاع الاتصالات في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة خاصة ان استرداد القطاع سيكون قد تمّ خارج أي إطار قانوني متوافر وبما يخالف القوانين التي تناولت قطاع الإتصالات الخلوية في لبنان والتي اتجاهها الواضح، أي هذه القوانين من أجل الخصخصة.


MISS 3