جاد حداد

Heart of Stone... الملل سيّد الموقف

19 آب 2023

02 : 00

قد يكون فيلم Heart of Stone (قلب من حجر) للمخرج توم هاربر مجرّد محاولة لتقديم عمل يلقى رواجاً سريعاً. يمكن اعتباره نسخة مبالغ فيها من أفلام أفضل بكثير، فهو لا يطرح أي أفكار مبتكرة بل يعجّ بشخصيات مألوفة ولا يخدمه الإخراج الباهت.

تجسّد الممثلة غال غادوت دور «رايتشل ستون» التي تشارك في عملية سرية لحفظ السلام اسمها مهمّة «تشارتر»، فتتظاهر بأنها عميلة مبتدئة في قسم التكنولوجيا في جهاز الاستخبارات السري البريطاني. هذه المهمة تنقلها هي وأحداث الفيلم إلى مختلف مناطق العالم، من جبال الألب إلى لندن، مروراً بلشبونة والسنغال، وصولاً إلى أيسلندا. لكن يصوّر صانعو العمل هذه المواقع كلها بأسلوب ممل جداً.

تؤدي الممثلة صوفي أوكونيدو دور ربة عملها «نوماد» التي وظفتها حين كانت في العشرين من عمرها. لن نعرف السبب في أي لحظة. هل خضعت للتدريب مسبقاً أم أنها تدربت بعد توظيفها؟ لا يهتم صانعو العمل بهذه التفاصيل.

على صعيد آخر، يلعب الممثل ماتياس شفايغوفر دور «جاك أوف هارتس»، مساعد «رايتشل» التقني. هو يلتصق طوال الوقت بحاسوب خارق اسمه «ذا هارت»، ما يسمح له باستعمال بيانات المراقبة لمساعدتها على إتمام مهامها. تظهر هذه البيانات على الشاشة أمامه، فيتلاعب بها كما يشاء.





يشرح الممثلون مهمّة «تشارتر» مراراً عبر حوارات تفسيرية مفرطة. تستعمل معظم الشخصيات هذا الأسلوب وتلجأ إلى نكات ثقيلة أو مناجاة فردية ذات طابع ميلودرامي مبالغ فيه. يقدم الممثلان بول ريدي وجينغ لوسي دور رفيقَي «رايتشل»، «بايلي» و»يانغ»، وهما يصنعان العجائب بالسيناريو المريع المخصص لهما، لكنهما لا يظهران لمدة كافية كي يطوّرا هاتين الشخصيتَين بالكامل.

كذلك، يجسّد جيمي دورنان دور الرفيق «باركر» الذي يبدو أشبه بنسخة مخففة من شخصية كولين فاريل في فيلم Daredevil (المتهور). إنه أمر مؤسف لأن دوره الشائك كان يستحق أداءً من الطراز الرفيع. تتكرر المشكلة نفسها مع الممثلة عاليا بهات بدور المقرصنة «كيا»، فهي تعجز عن تجاوز الأفكار المبتذلة التي تطبع هذه الشخصية. وحده العارض السابق والممثل الحالي جون كورتاجارينا يفهم على ما يبدو متطلبات دوره الشرير، فهو يظهر بشخصية شقراء سيئة ويرتدي بدلة عصرية ذات ياقة عالية.

يبدو جزء كبير من مشاهد الحركة مستوحىً بالكامل من أفلام أعلى جودة. يستوحي أول مشهد قوي في جبال الألب أحداثه من عدد من أفلام جيمس بوند، وتبدو اللقطات الجوية الخطيرة نسخة رخيصة من مشاهد Mission Impossible (مهمة مستحيلة).

لا تستفيد غادوت من الإخراج الممل في أي لحظة. هي تجيد الركل واللكم لكنها تعجز عن ترجمة مشاعرها وتكتفي بتعبير واحد على وجهها. ما كان هذا الجانب ليطرح مشكلة لو أن مشاهد القتال التي تشارك فيها صُوّرت بطريقة تسلّط الضوء على قوتها الجسدية. بالإضافة إلى الإضاءة الباهتة، يتنقل المخرج بين مختلف المواقع عشوائياً. من الواضح أنه لا يجيد إدارة نجمة سينمائية بحجمها.

في ما يخص المواضيع التي يعالجها الفيلم، يخفق العمل أيضاً بكل وضوح. هو يتطرق مثلاً إلى موضوع «الحتمية» من دون استكشاف طريقة تأثير هذه الفلسفة على تصرفات الشخصيات المرتبطة بما يفعله «هارت» عند استعمال نظام حلول حسابية لإنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من الناس في ظرف معيّن. تشارك «ستون» في حوارات طويلة مع الأشرار في الفيلم لتحديد ما يناسبهم، فتتمكن بذلك من استعمال قوتها للقضاء على الأسماء الواردة في قائمة الأشرار. لكنها لا تشكك في أي لحظة بالهدف الكامن وراء مهمة «تشارتر» ولا تعتبر استعمال المراقبة الجماعية مرادفة للتوتاليتارية.

عند عرض معلومات مخيفة عن ماضي مهمّة «تشارتر»، تتجاهل «ستون» (وصانعو العمل عموماً) تداعيات جوانبها غير المثالية. ينسب السيناريو الجامد كل ما يحصل إلى خطأ يرتكبه قائد واحد بدل التطرق إلى خلل واضح في الآلية المعتمدة أو أسس المنظمة التي تدير العمليات.

ينهي الفيلم الجانب الأخلاقي من الموضوع الذي يتطرق إليه عبر قتل عدد من الشخصيات ومنح «ستون» فريقاً جديداً بالكامل. نحن نعيش اليوم في عصر الإنترنت والأفلام المنقسمة إلى أجزاء، وهو عصر البيانات الكبرى أيضاً. حان الوقت على ما يبدو لإنتاج عمل باهت يهدف بكل بساطة إلى إطلاق سلسلة أفلام جديدة بطلتها امرأة، لكنه يشكّل في الوقت نفسه حملة دعائية للدولة التي تؤيد مراقبة الناس.


MISS 3