جاد حداد

Rest in Peace... أرجنتيني يختار "الموت" للهرب من حياته الفوضوية

29 نيسان 2024

02 : 00

يعجّ فيلم التشويق الأرجنتيني المؤثر Rest in Peace (ارقد بسلام) بلمسات ومفاجآت مشابهة للمسلسلات اللاتينية الطويلة، وتنعكس هذه الناحية إيجاباً على العمل ككل.

يروي الفيلم قصة رجل يهرب من حياته الفوضوية عبر استغلال حدث تاريخي مريع يستفيد منه على أكمل وجه: قصف مركز للجالية اليهودية في مدينة «بوينس آيريس» في العام 1994.

يأخذ الروائي مارتن بينتراب ذلك الحدث المأسوي ويتخيّل شخصاً قادراً على استغلال ما حصل للتهرب من ديونه الكارثية والتهديدات التي تواجهها عائلته. يستوحي المخرج سيباستيان بورينزتاين وكاتب السيناريو ماركوس أوسوريو فيدال أفكارهما من تلك الحادثة لتقديم عمل يستحق المشاهدة، ولو أنه يتخذ أحياناً منحىً مملاً ومتوقعاً وميلودرامياً بشكل عام.

«سيرجيو» (خواكين فورييل الذي شارك سابقاً في فيلم Intuition (الحدس)) هو رجل أعمال من مدينة «بوينس آيريس»، وقد وَرِث مصنع العائلة لكنه يجد صعوبة في إنقاذه من المشاكل. هو يخفي هذه الحقيقة عن زوجته الخبيرة في صحة الأسنان «إيستيلا» (غريسيلدا سيسيلياني التي شاركت سابقاً في فيلم Bardo).

لا يريد «سيرجيو» أن يلقي هذا العبء على عاتق ابنته «فلور» التي تحتفل ببلوغها سن الرشد اليهودي لأن خطابها كله خلال حفل البلوغ يتمحور حول توقعاتها بأن يُحقق والدها جميع أمنياتها. كذلك، لا يريد الأب أن يؤثر قلقه على ابنه الصغير «ماتياس» لدرجة أن يُغيّر هذا الأخير رأيه به.

لكن في اللحظة التي يقول فيها «سيرجيو» لابنه، «والدك سيبقى دوماً إلى جانبك»، يسهل أن نستنتج أنه لن يبقى معه. يدخل الفيلم في هذه الخانة المتوقعة من الأحداث. يضطرب الاحتفال بسبب حضور جابٍ يُمثّل أحد مقرضي المال الذين يعجز «سيرجيو» عن التعامل معهم أو تأجيل مستحقاتهم. يبدو «برونو» (غابريال جيوتي) لجوجاً بما يكفي كي يخبره حين يلتقيان مجدداً بأنه ينتظر منه تسديد كامل المبلغ بحلول يوم الإثنين.

بالكاد يحصل «سيرجيو» على فرصة لإبلاغ «إيستيلا» بما يعيشه، أو يتوسل أحد أصدقائه لشراء «منزله الريفي» منه، أو يواجه تُهَماً مشينة من شقيق زوجته الغاضب خلال عشاء عائلي حين يحلّ ذلك اليوم المصيري أخيراً. ثم تنفجر قنبلة مدوّية. تتنقل القصة لاحقاً بين قلق «إيستيلا» وغضبها وخوفها من أن يكون زوجها قد وقع ضحية ذلك الانفجار. تعثر السلطات على حقيبته وقلادة جديدة تعود إلى ابنتها وكان الأب قد أخذها لإصلاحها، فتبدأ زوجته بالبكاء.

لكننا سنعرف لاحقاً أن «سيرجيو» نجا من الانفجار. هو يشعر برنين في رأسه أثناء وجوده في المستشفى، ويحاول استجماع حواسه واستيعاب الفوضى المحيطة به وضخامة الحادث الذي نجا منه، لكنه يعجز عن إتمام مكالمته الهاتفية مع عائلته.

سرعان ما يقرر الهرب ويصل إلى باراغواي: يفتقر هذا البلد الواقع في أميركا الجنوبية إلى إجراءات مشددة للتحقق من هويات الناس. يبدأ «سيرجيو» هناك حياة جديدة، فيعمل في شركة تجارية لاستيراد البضائع. هو يكتفي باختلاق الأعذار حين يُطلَب منه أن يتعامل مع أشخاص أرجنتينيين أو تسليم السلع إلى أي بلد آخر. لحسن الحظ، تكنّ له زوجة رب عمله (لالي غونزاليزي) الإعجاب. يسهل أن نتوقع مسار تطوّر علاقتهما بعدما تصبح هذه المرأة أرملة.

ترتكز القصة على مؤشرات مسبقة تنذر بالأحداث اللاحقة. تُعتبر رخصة السائق في سيارة الأجرة التي تصطحبه إلى محطة الحافلات التي يقصدها للهرب من بلدته بطاقة هوية مثالية يقوم «سيرجيو» بسرقتها. كذلك، يبدو المشهد المؤثر مع ابنه في الحمّام خلال حفل كبير جميلاً لدرجة أن يتكرر مجدداً في الفصل الثالث من القصة.

يبدو الأداء التمثيلي مقبولاً أكثر مما هو مقنع بالكامل. بعد مرور 17 سنة، سنشاهد «سيرجيو» بشعرٍ أشعث ولحية مشابهة لروبنسون كروزو، وكأنه لم يحلق لحيته منذ عقود. غالباً ما يحتاج الهارب إلى التنكر طوال الوقت خلال الأيام والأسابيع التي تلي هربه لأن السلطات تنشغل بالبحث عنه. ثم تتلاشى الحاجة إلى هذه التدابير مع مرور الوقت.

أخيراً، تكثر اللمسات الميلودرامية التي تترافق مع صِدَف ومشاعر شوق قديمة، فتشمل نهاية الفيلم جميع الأحاسيس التي تراكمت على مر الزمن. لكن تبقى القصة «درامية» أكثر من اللزوم، ما يمنع تصديقها بالكامل، وهي تعجّ بعناصر كئيبة لدرجة أن تُجرّد الفيلم من جوانبه الترفيهية.

MISS 3