باتريسيا جلاد

من التهريب الجمركي والتهرّب الضريبي وسوء الجباية وتقلّبات سعر الصرف

حقوق للدولة لا تجبيها... مليارا دولار سنوياً

28 آب 2023

02 : 00

إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي يضع حدّاً للسوق النقدي والتهرّب الضريبي
ضاهر: 75% من إيرادات الدولة ضريبية و25% ناجمة عن أرباح المرافق العامة
تقديرات وزارة المالية للنفقات بالليرة اللبنانية جانبت الصواب تماماً في موازنة 2022


من المتوقّع أن يرتفع إجمالي عائدات الدولة للعام 2023 بنسبة 2% عن 2022، من 6% الى نحو 8% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن قفزت العائدات بنسبة كبيرة منذ شهر أيار الماضي.

فإجمالي الناتج المحلي إستناداً الى صندوق النقد الدولي 21,8 مليار دولار في 2022 والمرجح ان يبلغ 16,2 مليار دولار في العام الجاري (الرقم الذي تعتبره وزارة المالية غير دقيق والذي تقدره بقيمة 20 مليار دولار). وبذلك تكون نسبة العائدات المتوقعة للدولة للعام الجاري 8% من 16.2 مليار دولار اي 1.296 مليار دولار و1,6 مليار دولار وفق ناتج بقيمة 20 مليار دولار.

إلا أنه اذا حصلت تعديلات وإصلاحات في موازنة 2023 إستناداً الى معلومات وزارة المالية فمن المفترض أن تقارب العائدات نسبة 14% من إجمالي الناتج المحلي، علماً ان النسبة كانت تتجه نحو 20% قبل بدء الأزمة المالية في البلاد. واذا صحّت نسبة الـ14% نتيجة للإصلاحات، فذلك يعني أن الدولة تجبي عائدات تمكّنها من سدّ حاجاتها خصوصاً اذا كانت النفقات هزيلة، واذا وسّعت قاعدة عائداتها بالدولار كأن تشمل الجباية بالدولار قطاع الكهرباء وقطاعات اخرى فتتجنّب الإقتراض من مصرف لبنان.



سمير ضاهر


من أين تأتي الإيرادات؟

وفي هذا السياق أكّد مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سمير ضاهر لـ»نداء الوطن»أن إيرادات الدولة المقدّرة من الناتج تبلغ 1,6 مليار دولار». لافتاً الى أن «نسبة 75% من تلك الإيرادات هي ضريبية و25% غير ضريبية ناجمة عن أرباح من المرفأ ومطار بيروت ورسوم الهبوط وغرامات وتسويات، والريجي، والكازينو (كان يحوّل 40 مليون دولار للخزينة العام الماض وهو رقم صغير) والهبات التي ترد للبلاد.

بالنسبة الى العائدات الضريبية وهي الضرائب المباشرة (الضريبة على الدخل، الرواتب والأرباح للشركات) فهي تمثل نحو 30% وغير المباشرة 70% (أي TVA ورسوم، مع الإشارة الى أن الضريبة العادلة تصاعدية وهي على الرواتب وتصل الى نسبة 25%.

حساب التهرّب

واذا اتخذت إجراءات للتخفيف من التهرّب الضريبي فإن العجز في الموازنة البالغ نسبة 2.5% من الناتج المحلي، سيتضاءل وقد يزول. ووفق تقرير المادة الرابعة Article 4 من صندوق النقد الدولي فإن التهرّب نتيجة التلاعب بالتصريح عن القيمة الحقيقية للإستيراد تشكّل نسبة 4.8% من الناتج المحلي»، (960 مليوناً اذا احتسب الناتج 20 مليار دولار) و800 مليون دولار خسارة (اذا احتسب الناتج على 16.2 مليار دولار). الى ذلك يضاف مبلغ مليار دولار آخر بسبب التهرب من الضرائب المباشرة وسوء الجباية وعدم القدرة على احتساب سعر الصرف كما يجب اولاً بأول.

وفي هذا السياق يقول ضاهر «يمكن الحدّ منها من خلال إجراءات لضبط التهرب والتلاعب بالرسوم الجمركية على الحدود. يضاف الى ذلك تفعيل الدوائر العقارية والسير والنافعة، ووقف سرقة الجمارك والتهرب الجمركي».

وذكّر ضاهر بالعائدات التي خسرتها الدولة بعد بدء الأزمة المالية مثل العائدات الضريبية من الفوائد المصرفية على الودائع التي تبلغ 1,5 مليار دولار والتي صارت اليوم صفراً، وعائدات قطاعات أخرى مثل شركات الخلوي والتي كانت 1,5 مليار دولار.


مصدران أساسيان للإيرادات

وشدد على أن هناك مصدرين أساسيين للإيرادات: الـ TVA والرسوم الجمركية، اذا فرضت رسوم على التبغ على سبيل المثال والكحول كونهما مضرّان بالصحة عندها تدرّ الدولة عائدات اكثر.

ويذكر أن نصف الإقتصاد نقدي، اذ أن بعض التجار يبيع منتجات من دون فاتورة وبذلك لا تترتب عليهم ضريبة على القيمة المضافة فيتهربون من الـTVA، من هنا تكمن ضرورة اقرار قوانين اعادة هيكلة المصارف والكابيتال كونترول لضبط النقد بالتداول وتوثيق عمليات البيع والشراء والتحويلات والحدّ من التهرّب الضريبي.



جمال ابراهيم الزغبي


أساليب التهرّب

يرى خبير المحاسبة المجاز جمال ابراهيم الزغبي خلال حديثه مع «نداء الوطن» أن التهرب الضريبي يتم بعدة أشكال: فهناك الأشخاص الذين يقومون بأعمال التجارة والصناعة وكذلك الخدمات من دون تسجيلها في وزارة المالية، وبالتالي فان كافة إيراداتهم غائبة عن ضريبة الدخل، وكذلك الضريبة على القيمة المضافة وكافة الضرائب الأخرى كضريبة الرواتب في حال كان لديهم موظفون. وهناك الأشخاص المعنويون المسجلون في وزارة المالية الذين يتبعون أساليب غير قانونية للتهرب من كافة الضرائب، وذلك من خلال طرق عدة:

- الطريقة الأولى، تخفيض الإيرادات المحققة عما يجب أن تكون عليه، وبالتالي تخفيض ضريبة الدخل. ويتبعها كذلك ضريبة القيمة المضافة، إذ أنها تتبع مباشرة للايرادات وذلك بإصدار فواتير بقيمة مخفضة أو التلاعب بقيمة المبيعات وذلك بعد عملية البيع.

- الطريقة الثانية، زيادة النفقات من دون وجه حق مما يؤدي إلى انخفاض في الأرباح وبالتالي انخفاض في الضريبة المتوجبة.

- الطريقة الثالثة، القيام بالشراء والبيع لكافة العمليات الصناعية والخدماتية والتجارية عن طريق الشراء والبيع بدون فواتير رسمية مما يعني عدم تسجيل هذه العمليات وهروبها من الضرائب.

ضرائب لا تُجبى

وهناك انواع عدّة من الضرائب لا تتمّ جبايتها، حول ذلك قال الزغبي «صدر قانون خلال العام 2002 ينص على دفع رسم مقطوع سنوي على كافة المؤسسات والشركات والمهن وذلك بمبالغ مختلفة، حسب نوع الشركة، ولكن كان مصير هذا الرسم تأجيل تنفيذه سنوياً. كما هناك ضريبة غير المقيمين وتُدفع عن كل شخص مكتوم غير مسجل في وزارة المالية ولا يصدر فواتير وبالتالي تستحق عليه هذه الضريبة، ولكن لا يتم التصريح عنها في معظم الشركات والمؤسسات».

تخبط في تطبيق التعاميم وسعر الصرف

اذا قارنا التهرّب الضريبي بين الفترة السابقة والفترة الحالية، يتبيّن لنا استناداً الى الزغبي أن «التهرّب الضريبي زاد حالياً عن السابق بنسبة كبيرة جداً، إذ جرى تخبّط كبير في قراءة المراسيم والتعاميم الصادرة عن وزارة المالية ومصرف لبنان، ما أفسح المجال للاجتهادات المتعددة وبالتالي التلاعب بتفسيرها وأدّى حتماً إلى انخفاض كبير جداً في إيرادات الدولة.

ومن الأمثلة على ذلك، انخفاض تحصيل نسبة الضريبة على القيمة المضافة البالغة 11 في المئة على مبيع السلع والخدمات الخاضعة لها، بسبب تعدد اسعار الصرف منذ بدء الأزمة».

وأضاف الزغبي: «كانت تُباع السلع والخدمات على سعر صرف السوق، بينما كانت تسجل الضريبة على القيمة المضافة على سعر الصرف الرسمي والذي كان حتى كانون الثاني ٢٠٢٣ على سعر ١٥٠٧.٥ وارتفع في شهر شباط إلى 15000 ليرة، و في أول أيار ارتفع إلى سعر منصة «صيرفة «، ما يعني انخفاضاً كبيراً في تحصيل هذه الضريبة رغم التحسّن الكبير بعد رفعها في شهر أيار لتكون على منصة «صيرفة». وبذلك، نخلص في هذا الباب إلى القول إن المراسيم والتعاميم الصادرة كانت مساهمة في التلاعب بالضرائب التي من المفترض أن تكون على كاهل المكلف.

وفي قانون موازنة 2022، تمّ احتساب الدولار على سعر 15000 ليرة، بينما كان سعر الصرف وقت صدور الموازنة أكثر من 35 الف ليرة، ما يعني أن تقديرات وزارة المالية للنفقات بالليرة اللبنانية غير صحيحة. كذلك تقديراتها للايرادات غير صحيحة، لذا لا يمكن الاعتماد على موازنة 2022 لمعرفة مقدار الضرائب المفترض أن يقتطع من المكلّفين، وكانت الموازنة اقرت في 15 تشرين الثاني وبالتالي كانت كافة العمليات في الشركات قبل هذا التاريخ تتمّ على سعر رسمي هو ١٥٠٧.٥ ليرات، مما يعني أن لا وجود لسعر صرف الموازنة الا بعد اول شباط 2023».



مارون خاطر


خاطر: المستفيدون من الفساد والتَهَرُّب الضريبي وعدم الإمتثال يُطبِقون على مفاصل الحُكم

إن النظام الضريبي في لبنان كما أوضح الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر لـ»نداء الوطن» غير فعَّال وغير عادل ويحتاج لإصلاحات جذرية تعزز الامتثال الضريبي وتعمل على توسيع القاعدة الضرائبيَّة. يبقى ذلك مستحيلاً قبل استعادة الثقة بالدولة وتحقيق استقرار سياسي يَنتج عنه استقرار اقتصادي يضمن النموّ. مع الإشارة الى أن الاقتصادات النامية تَعتمد على الضريبة غير المباشرة كالجمارك والضريبة على القيمة المضافة».

ومعلوم أن الـTVA تؤمّن جزءاً كبيراً من ايرادات الدولة، وفي السياق قال خاطر «إنها تصطدم بالتهرُّب الضريبي. في ظلّ عدم ضبط الحدود والفساد المستشري في مؤسسات الدولة الرقابيَّة من جهة، وانهيار القطاع المصرفي ومعه ميزان المدفوعات والحساب الجاري من جهة أخرى، فأصبح تقييم وتتبُّع التدفقات النقدية الناتجة عن الضرائب غير المباشرة شبه مستحيل. من المُهِم في هذا السياق الإشارة إلى الخطر المتأتي من تنامي الاقتصاد النقدي الذي يَمنع بدوره تتبُّع حركة العمليات والأموال».

مرة ً أخرى، تبرهن الوقائع كما قال «أنَّ حَلّ المُشكلات الاقتصاديَّة والماليَّة والنقديَّة والضريبية في لبنان لا بُدَّ أن يَنطلق من السياسة. فالاستقرار السياسي حاجة ملحة وملزمة من أجل توسيع الوعاء الضرائبي بهدف رفع الامتثال الضريبي لدى الأغنياء وأكثرهم من أصحاب النفوذ والسلطة، ولدى الفقراء المُهَمَّشين عبر تثقيفهم. السياسة نفسها ضرورية من أجل إقرار وتطبيق إصلاحات تعزز سيادة القانون على الحدود وفي الداخل وتضمن سير العدالة وتعيد الثقة إلى الدولة ومؤسساتها».

واعتبر أن «استعمال ايرادات الضرائب من أجل تحسين الواقع الاجتماعي والانمائي للمكلفين يساعد ببناء الثقة المفقودة مع الدولة. ليس ضعف تنفيذ القوانين واحترامها سوى نتيجة مباشرة لغياب المساواة بين اللبنانيين في حقوقهم وواجباتهم أمام دولتهم. فالبعض منهم لا يعترف بالدولة أصلاً والبعض الآخر يُسَخّر امكاناتها لخدمة مصالحه في إطار الزبائنيَّة السياسية المُتَجَذّرة. لقد اعاقت السياسة محاولات تحديث النظام الضرائبي بطريقةٍ مُمَنهجة بهدف الدفاع عن مصالح السياسيين وأزلامهم».

وعزا تحقيق الضرائب المباشرة إيرادات متدنية أيضاً الى الخلل في الضرائب التصاعديَّة وبسبب قانون السريَّة المصرفيَّة وعدم اعتماد ضريبة موحدة بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرها سابقاً. معتبراً أن «تخطي العوائق السياسية بُغية الانتقال إلى «الحكومة الرقميَّة»، يشكّل المدخل الأساسي لمعالجة الناحية العملانية المتعلقة بثغرات بالنظام الضرائبي. فـ»الرَّقمنة» تساعد على التخفيف من التدخل المباشر للسياسيين النافذين في مفاصل الإدارة الضرائبية خدمةً للزبائنيَّة السياسيَّة. وتساعد «الرَّقمنة» على مكافحة التهرب الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي وعلى كشف السلوك الاحتيالي للمكلفين عبر وصل البيانات بين الجمارك والمصارف والشركات».

ورأى خاطر في المُحَصّلة «أن إصلاح النظام الضرائبي اللبناني يتطلب تصميماً ثابتاً يرتكز على قرار سياسي ودعم شعبي لا يمكن أن يتحقق ما دام المستفيدون من الفساد والتَهَرُّب وعدم الامتثال يُطبِقون على مفاصل الحُكم ويَعمَلون على إطالة مُدَّة حكمهم إلى منتهى الدُّهور!


MISS 3