بشارة شربل

هوكشتاين إن أتى...

28 آب 2023

02 : 00

إن لم يفاجئنا ما ليس في الحسبان، صار مرجَّحاً أن يحلّ مجدداً في ديارنا الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. ولا يُعتقد أنه ضاق به الشوق الى رؤية المسؤولين عندنا أو رغب في الاحتفال بمرور عام على «إنجاز» الترسيم البحري الذي كلَّلناه آنذاك بالتخلي عن الخط 29 انسجاماً مع اجتهاد «بدنا ناكل عنب».

لا يأتي هوكشتاين من دون التنسيق مع فريق الممانعة راعي الترسيم الذي أثمر منصة حفر في البلوك رقم 9 بعدما أتاح لاسرائيل حرية التصدير من كاريش. والوسيط المحنَّك الذي خدم سابقاً في الجيش الاسرائيلي ليس محترف «تقطيع وقت» وتضييع فرص أو مغرماً بـ»حياكة السجاد» العجمي. لذلك لن يأتي ويروح من غير أن يحمل عرضاً جدياً للترسيم البري يؤسس لمرحلة سياسية جديدة بين لبنان واسرائيل، مهما ادعى لبنان الرسمي والحزبي أن المسألة تقنية تحركها براغماتية لا تنزع الإصبع عن الزناد أو تتيح سؤال: لماذا إذن استمرار السلاح؟

لن يأتي هوكشتاين قبل أن ننتهي من «حفلة» التجديد لـ»اليونيفيل» ومن «الجعدنة» التي تمثلت بالمطالبة بتعديل النص الذي أعطى دورياتها حرية حركة إضافية. وهي خفَّة دبلوماسية قابَلها تهديد بفرض «الفصل السابع»، لأنّ المعنيين عندنا لم يفقهوا معاني أحداث العام الماضي الذي شهد مقتل جندي ايرلندي وتحذيرات متكررة للأمم المتحدة من انتهاك قرارات تفويض قواتها، مثلما لم يفهموا معنى أن تفرض واشنطن عقوبات على «أخضر بلا حدود» قبل أيام من اقتراب موعد التجديد.

مهمٌ طبعاً أن نفاوض لترسيم الحدود البرية مع اسرائيل ونبلغ شروطنا الى الوسيط الأميركي. لكن ليس لنا أن نتفاءل بإنجاز قريب، فهوكشتاين يخاطب بقايا سلطة فاقدة للرأس ومتهمة بالفساد ولا تتمتع بأي صدقية لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي، اللَّهم إلّا إذا كان يراهن على أنّ «المنظومة» ستصاب بصحوة ضمير وتسهِّل ملء كرسي بعبدا، أو أنه يستطيع التقدم، ما دام يحاور عملياً مفوَّضين من «حزب الله» ويتفاهم عبر قنوات خاصة مع أصحاب الكلمة الفصل، أي الايرانيين.

يمكن للمراقب ألا يذهب أبعد من الترسيم البري في تقييمه زيارة هوكشتاين المحتملة انطلاقاً من تجربة الترسيم البحري وفصل الاختصاصات، لكن مَن يُقنع عموم الناس بأنّ الصدفة وحدها ستجعلها متقاطعة مع عودة الموفد الفرنسي، وبأن تحديد الحدود مع اسرائيل ليس بنداً إضافياً على أجندة الاستحقاق الرئاسي؟

مهما كانت الظروف، فإنّ المهمة الجديدة لهوكشتاين لن تقلّ صعوبة عن سابقاتها، تحديداً لأنها تصادف تحريكاً قوياً للستاتيكو السوري، وهو ما ينعكس مباشرة على الممسك بقِياد المفاوض اللبناني، ويجعل «حزب الله» متردداً في الاندفاع نحو قبول أي صفقة حتى ولو استجابت لكلّ مطالب لبنان الحدودية. فـ»الحزب» يعتبر حتماً أن الضرورات الاقليمية أوْلى من ختم مرحلة مهمة من الخلاف مع اسرائيل، ولن يستسيغ أن يقيّده ترسيم بري، هو أكثر من هدنة ومدخل الى التطبيع. لذلك لن نفاجأ اذا أحيلت مهمة هوكشتاين الى نظرية «حياكة السجاد» أو رُفعت الى مستوى «الصبر الاستراتيجي»، ما يبقينا معلقين على صليب التعطيل الداخلي أو تحت وطأة الرؤوس الحامية في اسرائيل.


MISS 3