د. نبيل خليفة

مجموعة "بريكس" وصياغة نظام عالمي جديد... ومختلف!

31 آب 2023

02 : 00

تتألّف مجموعة بريكس من خمس دول هي: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وفي اجتماعها أخيراً في جوهنسبورغ بجنوب أفريقيا اتّخذت قراراً بدعوة ست دول للانضمام إليها وهي: السعودية ومصر والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا بحيث تصبح المجموعة مؤلفة من إحدى عشرة دولة. وجاءت ردود الدول المدعوّة إيجابية ومرحّبة، ذلك أنّ التنظيم الجديد سيكون له دور اقتصادي وسياسي في مسار الحياة الدولية وسيفضي في النهاية إلى إقامة نظام عالمي جديد مختلف عن النظام السابق الذي شهدته الحياة الدولية حتى الآن. بماذا؟ وكيف؟

أولاً: النظام الإيديولوجي

كان النظام الدولي القائم في عالم الأمس، نظاماً إيديولوجياً بين الغرب بزعامة الولايات المتحدة، والشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي. وفي الأساس تقوم الإيديولوجيا على نظام فكري مبني على الإيمان بحقيقة أساسية تعمل جماعة من أجلها وتناضل من أجل تحقيقها. وكانت تتمثّل في الليبرالية ببعدها الديمقراطي القومي في الجانب الرأسمالي وتتمثّل في الاشتراكية ببعدها الماركسي في الجانب اليساري. وبعد فترة من الصراع بين التيارين إنهار الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينات من القرن الماضي بسبب عوامل اقتصادية وبقي النظام العالمي قائماً على جناح واحد بزعامة الولايات المتحدة. على أنّ هذا الوضع الجديد لم يخلق توازناً بين القوى الدولية، إنْ على المستوى الايديولوجي أم الديمغرافي أم الجغرافي، أم الفعالية العسكرية والاقتصادية. انطلاقاً من ذلك سعت مجموعة بريكس لخلق معادلة دولية جديدة بسعي دُولها الخمس ولكن بأولوية تعطى للصين في هذا المجال وفي ضوء جملة اعتبارات سنشير إليها، تمّ اختيار الدول الست لكي تكون في عداد مجموعة بريكس.

ثانياً: الجغرافيا والديموغرافيا

إذا كانت الإيديولوجيا بمضمونها القومي هي القوة السياسية الأكثر فعالية في المجتمعات الإنسانية، فإنّ هناك عناصر أساسية في بناء النظام العالمي وتأتي في مقدّمها الجغرافيا والديمغرافيا، ذلك أنّ مساحة الدول واتّساعها على الرقعة الأرضية من حيث الاتساع والموقع والشكل، يعطيانها القدرة على الدفاع والهجوم في آن حفاظاً على سيادتها واستقلالها. ومثل هذا لن يكون متاحاً إلا بوجود طاقة بشرية تشكّل السلسلة الفقرية لهذه الجغرافيا بفعل الديمغرافيا.

ويذهب بعض المفكرين الاستراتيجيين إلى القول «بأن الديمغرافيا هي التي تصنع التاريخ». لذا فإنّ اختيار منظمة بريكس الدول الست لم يكن عبثاً بل كان ضمن معطيات جغرافية وديمغرافية شئنا أن نضعها بين يدي القارئ وذلك بالأرقام المستندة إلى الإحصاء العالمي الصادر من مجموعة لوموند لعام 2020 وفيه مساحة وعدد سكان الدول الخمس المشكّلة لمنظمة بريكس:



أما الدول الست التي دعيت للانضمام الى بريكس بدءًا من العام 2024 فهي التالية بمساحتها وسكانها بحسب الإحصاء العالمي لصحيفة لوموند للعام 2020: 






ثالثاً: الدين... والإسلام تخصيصاً

لم يكن للدين الإسلامي دور يؤديه في معادلة النظام العالمي الثنائي بين الغرب (حلف الأطلسي) والشرق (حلف وارسو). مع المعادلة الجديدة بدا واضحاً أنّ الفاعلين في بريكس، ولا سيّما الصين عملت على جعل الإسلام عنصراً أساسياً في المعادلة الجديدة من خلال جمع ممثلي جناحي الإسلام: السعودية كممثل لأهل السنة وإيران كممثل لشيعة علي، وهكذا صار الإسلام كلّه في مجموعة بريكس، بالإضافة إلى دول إسلامية لها رمزيتها الخاصة مثل مصر والعالم العربي والإسلامي يضاف اليها الإمارات كقوة روحية واقتصادية وكقاعدة دينية فيها، تمّ توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب مع الإشارة إلى اختيار دولتين تمثلان قوتين إقليميتين في محيطهما الجغرافي: الأرجنتين في أميركا الجنوبية وإثيوبيا شرق أفريقيا.

يتبيّن مما أوردناه أعلاه، بأنّ دول منظمة بريكس وجدت من المناسب، بل والضروري، التعويض عن الطاقة الإيديولوجية وحتى العسكرية للغرب بطاقات بديلة: الدين والجغرافيا والديمغرافيا. ومن أجل ذلك تمّت صياغة محور دولي أساسي يمرّ في شرق خريطة العالم عبر آسيا من بكين وصولاً إلى موسكو مروراً بإيران والسعودية بحيث تتحوّل الديانة الإسلامية إلى عنصر أساسي ومركزي في المعادلة الدولية الجديدة التي تمثلها منظمة بريكس العالمية، والتي تضمّ نحو نصف سكّان العالم.


في 29/‏8/‏2023

(*) باحث في الفكر الجيوسياسي


MISS 3