سيلفانا أبي رميا

"دوّار الشمس" يتعافى بانتظار يدّ العون

برناديت حديب: عملية الترميم تنطلق هذا الأسبوع

4 أيلول 2023

02 : 06

"دوّار الشمس" قبل الحريق

لم يتوقّع أحدٌ أن يحمل السادس من تموز 2023 كل هذا السواد لمسرح يشعّ نوراً وفنّاً وألواناً. فجر ذلك اليوم إندلع حريق هائل في مسرح «دوار الشمس» التابع لجمعية «شمس»، والذي يشكّل واحداً من المسارح الثلاثة المتبقية في بيروت، فرمّد المفروشات والمعدّات والصور المعلّقة والأرشيف والذكريات، ما أجبر هذا الصرح على الإقفال وإيقاف جميع العروض حتى إشعار آخر، معيداً إلى الأذهان حريق «قصر البيكاديللي» عام 2000 الذي دمرّ وأقفل «مسرح فيروز»، وأدخله في نفق مظلم من الإهمال والفساد لم يخرج منه حيّاً حتى اليوم. فهل يتكرّر السيناريو ونخسر صرحاً عريقاً آخر في ظل غياب الجهات المعنية؟ تجيب الممثلة ومديرة المسرح برناديت حديب عن هذا السؤال في حديثها لـ»نداء الوطن»، كاشفةً عن حملات التبرعات والترميم الذي ينطلق هذا الأسبوع.



ماذا تتذكرين من يوم الحريق؟

في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً، تلقّينا اتصالاً من أحد جيران المسرح أبلغَنا فيه أنّ الدخان يتصاعد من المكان. اتصلنا على الفور بالدفاع المدني وهرعنا إلى هناك، لنجد المسرح محاطاً بالنيران والسواد والدخان، وعملت فرق الإطفاء مشكورة على احتواء النيران قدر المستطاع. وتبيّن لاحقاً أن سبب الحريق يعود الى تلاعب وعدم انتظام في فولتاج كهرباء الحيّ ما أدّى إلى احتكاك في مكنة القهوة الموجودة في مطبخ المركز.

لن أنسى اللحظة التي دخلنا فيها المكان بعد احتواء الحريق، وكمية الحزن التي اعتصرت قلوبنا جميعاً. «دوّار الشمس» الذي عهدناه مضيئاً ومبهجاً، كان يسوده السواد والصمت ورائحة الهلاك، وقد ذاب السقف ومعه مصابيح الإنارة والمكيّفات، وتشققت الأرضية بالكامل وترمّدت المفروشات والخشبيات. كذلك، لم تسلم الكافيتيريا ولا شبّاك التذاكر ولا المدخل الأساسي فيما دُمّر النظام الكهربائي في كلّ المسرح.

كيف تصفين شعورك أمام هذه الحادثة؟

شعرت وكأنّ بيتي يحترق أمامي، أو كأن طفلي يتألّم وأنا عاجزة. مزيج من الألم والحزن والإنكسار رافقني ولا يزال وسيبقى إلى أن يأتي اليوم الذي يعود فيه «دوّار الشمس» بالصورة التي نعرفها عنه.



برناديت حديب



بكم قُدّرت الخسائر وما أكبرها؟

كبداية، نشكر الله أن ما من خسائر بشرية وقعت، فالحريق بدأ حوالى الساعة الرابعة فجراً اي في وقت يكون فيه المسرح مغلقاً وفارغاً. استدعَينا شركات متخصّصة لتفحُّص الأضرار ودراستها واحتساب المبالغ المطلوبة للتصليحات، حيث بلغت تكاليف الترميم المبدئية 60 ألف دولار أميركي.

في المقابل، كل تفاصيل «دوّار الشمس» تحمل قيمة معينة وشكّلت خسارة كبيرة لنا. لكننا شعرنا بحزن كبير جداً على المصعد المخصّص لذوي الإحتياجات الخاصة الذي اعتاد نقل هؤلاء من المدخل الرئيسي «اللوبي» إلى المسرح في الطابق السفلي الثالث. هذا المصعد دُمّر بالكامل ولا يمكننا تحمّل تكلفة إعادة إعماره حالياً.

كذلك هناك ملصقات المسرحيات القيّمة التي اعتدنا أن نراها تزيّن جدران المسرح وتعود بنا إلى الزمن الجميل وتختزن ذاكرة المكان. احترقت كلها، ولا نملك النسخ الكاملة عنها لكن سنحاول التواصل مع أصحاب هذه الأعمال المسرحية علّهم يزوّدوننا بملصقات جديدة تُعيد المشهد الذي اعتدناه على مدخل المسرح.

ماذا عن العروض التي أُلغيت بسبب الحريق؟

أُجبرنا على إقفال المسرح وإلغاء جميع العروض ولم تكن قليلة أبداً ومنها عروض «مسرح الدمى اللبناني» للمخرج كريم دكروب. إلا أنّ أكثر ما أحزننا هو اضطرارنا مكرهين إلى إلغاء عروض طلاب «الجامعة اللبنانية» الذين كانوا في صدد تقديم مشاريع الدبلوم الخاصة بهم على خشبة «دوّار الشمس».

من أطلق التبرّعات وأين هي اليوم؟

بعد اكتمال دراسة التكاليف والتعرّف على نسبة تغطية شركة التأمين، وتفادياً لطلب مبالغ تقديرية، أطلق مجلس إدارة جمعية «شمس» حملة تبرّعات واسعة حملت عنوان Fundahope عبر مواقع التواصل الإجتماعي. وجمعنا حتى اليوم ما يصل إلى 6700 دولار أميركي، مع العلم أنّ هناك أفراداً يزورون المسرح شخصياً للتبرّع بمبالغ خارج الحملة. لذلك، يمكنني القول إنّ ما بحوزتنا الآن يبلغ تقريباً ربع ما نحتاجه لإتمام الترميم والإصلاحات الكاملة.

كذلك، قامت جهات فنية بتقديم عروض مسرحية عاد ريعها لحملتنا هذه، فقد قدّم عصام بو خالد وفادي أبي سمرا عرضين متتاليين لمسرحية «صفحة 7»، بالإضافة إلى «ستاند أب» كوميدي لكل من نور حجار ونيكولا طوق وشاكر بو عبدالله ووسام كمال. كذلك، سيكون الجمهور الذي يرغب في دعم حملة التبرّع، على موعد مع مسرحية «ريحة العنبر» لعصام بو خالد وسرمد لويس يوم الخميس 7 أيلول الجاري الساعة 8:30 مساءً على مسرح «دوّار الشمس»، وسأشارك فيها شخصياً إلى جانب الممثلين جويل منصور، سوسن شوربا، جيما باركاسيو، سامر قدوح، عمر البقاعي، محمد العماري وميا سومون. وتبلغ أسعار البطاقات 15 دولاراً أميركياً.

ما كان موقف المشاهير والسياسيين من الحريق؟

غاب السياسيون والمعنيون بالكامل عن مشهد حريق «دوّار الشمس» ولم نسمع منهم مواقف لا مادية ولا معنوية. أما بالنسبة للفنانين الذين اتصلوا للإطمئنان والتبرّع فلا يتجاوز عددهم أصابع اليد، لكن طلبوا منّي عدم الكشف عن أسمائهم. للأسف، توقّعنا لهفة ومحبة واهتماماً من الوسط الفني الذي يشبهنا، في وقتٍ نعرف سلفاً أنّ السياسيين والجهات المعنية لن يحرّكوا ساكناً.

هل انطلقت عملية الترميم؟

قمنا طوال هذه الفترة بتنظيف المسرح ولملمة النفايات والركام قدر الإمكان، وما زالت الخرائط قيد الرسم على أن تنطلق بإذن الله عملية الترميم بين 9 و10 الجاري. مع الإشارة إلى أنّنا أعَدنا فتح باب المسرح جزئياً لاستقبال العروض الداعمة لحملتنا فقط، على أمل أن نعود الخريف المقبل بشكلٍ كامل وبحلّة تشبه ما طبعه «دوّار الشمس» في شوارع بيروت طوال هذه السنوات. لكن ما من شيء نهائي ومؤكّد.

ما مكانة «دوّار الشمس» في حياتك؟

هذا بيتي، فأنا من المؤسّسين والشاهدين على ولادته وتطوّره. كما أنني تسلّمت منذ حوالى السنة رئاسة جمعية «شمس» المسؤولة عن المسرح. في هذا المكان أجد ملاذي وارتياحي وانتمائي، وهذه الخشبة هي خشبتي التي وقفت ومثّلت عليها مئات المرات، ولن يغمض لي جفن إلى حين إعادته لأمجاده وأنواره التي تليق به.

ما تصوّركم ليوم الإفتتاح؟

لم نعقد إجتماعات أو نخطّط لهذا اليوم بعد. لكن ما يمكنني تأكيده هو أن العودة ستكون شيئاً يشبهنا، بعيداً عن المظاهر والمبالغة. وبالطبع سنقوم بدعوة كل شخص قدّم الدعم لنا ولو بفِلس أرملة.

هل أحبط الحريق وبُطء التبرّعات عزيمتكم؟

أبداً، فنحن مصرّون على أن يعود «دوّار الشمس» كما عرفناه لا بل أفضل، صرحاً ثقافياً يتخطّى كونه خشبة عروض مسرحية ليشكل مركزاً ثقافياً متعدد الهويات يحتضن ورش العمل من رقص ورسم وموسيقى وتمثيل وتحريك دمى، ونقطة التقاء للفنانين والجمعيات العمومية ومنهم نقابة ممثلي المسرح والسينما والتلفزيون. لن نستكين إلى أن نُعيده بهذه الصورة ولن نقبل بأن يكون مصيره الإهمال والإقفال والإنطواء في صفحة الغبار والذاكرة.



ما خلّفته نيران 6 تموز 2023






ما العروض الأولى التي سيشهدها المسرح بحلّته الجديدة؟

تلقّينا عدداً كبيراً من الطلبات للعروض المسرحية على خشبة «دوّار الشمس»، ونحن نعمل حالياً على اختيار عرضٍ بقيمة فنية عالية نستقبل معه مسرحنا القائم من الرماد. وفي الختام، أريد أن أشكر كل من وقف إلى جانبنا معنوياً ومادياً، كل من زارنا وتفقد الأضرار وساعد في إزالتها، كل من اتّصل ليطمئن علينا. أشكر من تبرّع بدولار كما من أعطى المئات. فلولاكم لا يمكن أن تكتمل الصورة وستخسر بيروت واحداً من مسارحها القليلة المتبقية.







MISS 3