جاد حداد

Gypsy... الإبتذال يهدر مواهب الممثلين

4 أيلول 2023

02 : 04

يمكن اعتبار مسلسل Gypsy (الغجر) على شبكة «نتفلكس» سيئاً على نحو مخيّب للآمال كونه يهدر مواهب ممثليه بسبب الحوارات المريعة، والشخصيات غير المقنعة، والحبكات المبتذلة التي لا تتماشى مع الأعمال الدرامية رفيعة المستوى. يتّسم العمل بمواهب تمثيلية كبرى، أبرزها نعومي واتس وبيلي كرودوب، لكنه لا يستغلها بالشكل الصحيح لتقديم قصة تشويق نفسية عن امرأة تكسر روتين حياتها الخانق. لا تحصل الشخصيات على عناصر كافية لجذب المشاهدين إلى المسلسل وإقناعهم بتخصيص عشر ساعات من حياتهم لمشاهدته. تبدو الحلقات الأولى ضعيفة ويسهل أن تثني المشاهدين عن متابعة القصة. بشكل عام، يصعب أن يتحسن مستوى العمل إذا كانت حلقاته الأولى تفتقر إلى الجاذبية.

تجسّد نعومي واتس شخصية «جان»، معالجة نفسية من نيويورك. هي تشعر بملل شديد في حياتها لدرجة أن تبدأ بالتعمق في حياة مرضاها. في الحلقة الأولى التي أخرجها سام تايلور جونسون المعروف من سلسلة Fifty Shades of Grey (خمسون درجة من غراي)، تستنتج «جان» أنها معجبة بعاملة في حانة اسمها «سيدني» (صوفي كوكسون)، فتقرر أن تلعب شخصية بديلة اسمها «ديان»: إنها صحافية مستقلة تبدي استعدادها لتجربة المخدرات، وهي ليست ملتزمة بزوج وطفل مثل «جان» المسكينة. يصعب أن نصدّق هذا التحول السريع في الشخصيات منذ البداية. ترتكز الحلقات الأولى على انجذاب «جان/ديان» إلى «سيدني»، لكن لا يمكن تصديق شعور الإعجاب في أي لحظة. تجدر الإشارة إلى أن حبيب «سيدني» السابق هو واحد من مرضى «جان».

قد يكون الهوس بـ»سيدني» الحبكة الرئيسية في الحلقات الأولى، لكن تتعدد الحبكات الفرعية لاحقاً. يعمل زوج «جان» (بيلي كرودوب) لساعات مفرطة، ومن الواضح أن «جان» لا تثق بما يفعله خلال معظم الليالي التي يمضيها في المكتب مع مساعدته المدهشة. سنتعرف أيضاً على مرضى آخرين في العيادة، لكن يبقى السيناريو في مشاهد العلاج النفسي مريعاً بمعنى الكلمة، إذ لا تجيد «جان» القيام بعملها. في أحد المشاهد، تظهر أم تبالغ في حماية أولادها (بريندا فاكارو) مع شابة مدمنة على المخدرات (صوفي بوينتون). على صعيد آخر، يحمل العمل جوانب مشابهة لمسلسل Big Little Lies (أكاذيب كبيرة صغيرة)، لا سيما في طريقة تجسيده للعالم الوحشي الذي تعيش فيه أمهات الضواحي حيث يتنافسن للتباهي بثرواتهنّ ومكانتهنّ الاجتماعية. في غضون ذلك، تعيش ابنة «جان» صراعاً بسبب ميولها الجنسية، إذ يبدو مظهرها الخارجي أقرب إلى الفتيان. كذلك، سنعرف في النهاية أن والدة «جان» (بليث دانير) لم تكن داعمة لها في حياتها.

نظراً إلى كمّ الأحداث المرتبطة بالحبكات الفرعية، تبدو حياة «جان» كربّة منزل كئيبة فارغة المضمون مع مرور الأحداث ولا يمكن التعلّق بشخصيتها في أي لحظة. لا بأس بالنزعة إلى التعلّق بالشخصيات الشريرة في القصص المعاصرة، لكن لا يمكن اعتبار علاقات «جان» العابرة في المدينة جزءاً من معالم الشر بقدر ما هي تعبير عن جانب خفيّ من شخصيتها. رغم الجهود التي تبذلها واتس لتقديم هذا الدور، يصعب أن يقتنع المشاهدون بتمضية ساعات طويلة لمشاهدة شخصية من هذا النوع. قد تتعلم هذه المرأة من أخطائها في مرحلة لاحقة، لكنّ مشاهدة هذه الشخصية البغيضة وهي تدمّر حياة الآخرين لن تكون تجربة ممتعة أو مقنعة.

الأسوأ من ذلك هو العجز عن تصديق الأحداث المعروضة. «جان» هي شخصية من النوع الذي يقول لسيدني في أحد المشاهد، «أنتِ أشبه بنسخة بشرية من اختبار رورشاخ النفسي»، فتجيبها «سيدني»: «لا أحد يتكلم بهذا الأسلوب! من أنتِ»؟ يعجّ المسلسل بمشاهد مبنية على حوارات مبالغ فيها ويُركّز الإخراج على إبراز أنانية الشخصية الرئيسية بطريقة فاضحة. كان يُفترض أن يطلب المعالجون النفسيون في فريق العمل عدم التعامل مع القصة بجدّية مفرطة، إذ من الأفضل تسريع إيقاع الأحداث وتقديم تفاصيل قادرة على جذب المشاهدين، ما يعني التطرق إلى المواضيع الرئيسية بطريقة مباشرة بدل الالتفاف على الأفكار لأن أحداً لن يحبذ هذا البطء المفرط في الأحداث.


MISS 3